يقطع العجوز ضو الخليفي كل صباح الطريق الفاصلة بين منزله المتداعي للسقوط في منطقة الرويسات بريف القيروان (وسط البلاد) ومقهى القرية التي يتكدس فيها المعطلون عن العمل ليستطلع آخر أخبار معمل الإسمنت الذي طرد منه.

لا شيء أصبح يشغل باله عقب قرار طرده بسبب احتجاجاته على ظروف العمل القاسية هناك سوى ايجاد شغل لأبنائه المعطلين في ذلك المعمل، الذي باع أرضه الزراعية لفائدته مثلما فعل أغلب سكان تلك المنطقة قبل أن يندموا على ذلك.

تلوث وبطالة

يقطع العجوز ضو الخليفي كل صباح الطريق الفاصلة بين منزله المتداعي للسقوط في منطقة الرويسات بريف القيروان (وسط البلاد) ومقهى القرية التي يتكدس فيها المعطلون عن العمل ليستطلع آخر أخبار معمل الإسمنت الذي طرد منه.

لا شيء أصبح يشغل باله عقب قرار طرده بسبب احتجاجاته على ظروف العمل القاسية هناك سوى ايجاد شغل لأبنائه المعطلين في ذلك المعمل، الذي باع أرضه الزراعية لفائدته مثلما فعل أغلب سكان تلك المنطقة قبل أن يندموا على ذلك.

تلوث وبطالة

لقد دفعته ظروف عائلته المتدهورة كغيره من السكان أن يقبل ببقاء المعمل المتهم الأول بالتلوث مقابل تشغيل فرد من أبنائهم الفقراء، بالرغم من أنه كان يجوب القرية يوميا قبل سنوات لحشد الأهالي ضد الأضرار التي يخلفها معمل الإسمنت.

تحول هذا العجوز لرمز محلي للنضال بسبب تحركاته لحفز الأهالي على غلق المعمل بسبب دخانه الأسود وإفرازاته السامة التي “أهلكت الحرث”. ورغم التضييق الذي واجهه مازال يواصل الضغط على المعمل للحد من التلوث وتشغيل أبناء قريته.

يكفل الشيخ ضو الخليفي عائلة كبيرة العدد تضم الكثير من المعطلين عن العمل ومع ذلك يدافع على حظوظ أبناء جهته في الشغل، قائلا “أبناء جهتي لهم الأولوية التشغيل بهذا المصنع الوحيد بالمنطقة لإنقاذهم من شبح النزوح والانحراف”.

كان شرط الشيخ ضو عندما باع أرضه للمعمل هو توفير شغل له ولأولاده بالمعمل. يومها تحقق طلبه وتم توظيفه حارسا لكن فرحته لم تلبث طويلا فقد أصبح متقاعدا بعد أقل من عامين ثم وجد نفسه في السجن مباشرة إثر احتجاجه ضد المعمل.

خيبة أمل

انتصب المعمل قبل اندع الثورة التونسية باستثمار سويسري ألماني بقيمة 140 مليون دينار (70 مليون دولار). وكان أمل سكان المنطقة الذين باع أغلبهم مساحات من أرضيهم الزراعية لفائدته أن يستنفع أبناءهم بوظيفة داخله تحميهم من الضياع.

بعد إحداث المصنع انتظر أهالي منطقة الرويسات أن ترى قريتهم المنعزلة النور ليطرد عنهم شبح الفقر والبطالة لكن لم يحصل شيئا من ذلك. ففي حين أن المصنع يصنف الأكثر تلويثا للبيئة واستنزافا للموارد الطبيعية فهو لا يشغل سوى 150 شخصا.

لم يكن بحسبان أهال المنطقة أن تتبخر أحلامهم ليحل محلها كابوس ييجرعون منه المرارة. فالمعمل الذي اتخذ موقعه في الأراضي الزراعية القريبة من الأحياء السكنية أدى إلى نزوح العديد من باعوا أرضهم للمعمل في قريتهم المعزولة بسبب التلوث.

شهد مصنع الاسمنت بتلك المنطقة عديد الاحتجاجات العمالية المتتالية آخرها خلال الشهر الماضي للمطالبة بتحسين ظروف العمل وصرف المنح والوقاية المهنية. لكن كلما ارتفع سقف الاحتجاجات لوح مدير المعمل بغلقه والرحيل من البلاد.

لكن الاحتجاجات ضده لا تكاد تقف يوما فالجميع هنا يشتكون من تصاعد التلوث وحتى تصدع جدران منازلهم ناهيك عن استنزاف الموارد المائية سبب الحفر العميق لأكثر من بئر نتج عنه تراجع منسوب الآبار المائية وحرمان المواطنين من الماء.

أضرار فلاحية

يتفحص السيد الوسلاتي (44 عاما) ضيعته الفلاحية المطلة على معمل الاسمنت، قائلا بشيء من الحرقة “لقد أصبحت أشجار الزيتون يابسة بسبب الغازات السامة التي يفرزها المصنع”، مشيرا إلى تكبده خسائر اقتصادية كبيرة بسبب التلوث المنجر عنه.

مع أنه لا يخفي تذمره من المعمل يُعد الوسلاتي واحد من بين القلائل من أبناء القرية الذين يشتغلون به. يتحدث الوسلاتي باستياء عن تضرر أرضه من التلوث باديا عليه التعب فهو مكلف بمهمة شحن الفحم البترولي لإشعال الفرن داخل مصنع الاسمنت.

يقول لمراسلون “أعاني من ضيق التنفس والتهيج الحلقي الذي يتواصل كل ليلة عند النوم ويسبب لي الاختناق بسبب العمل في ظروف قاسية داخل المصنع”، لكنه يشير إلى أنه لا خيار له لإعالة عائلته في ظل الوضع الاجتماعي المتردي بمنطقته.

صعوبات مالية

لكن في رده على اتهامات سكان منطقة الرويسات يقول مدير مصنع الاسمنت المكي الحناشي لـ”مراسلون” إن “مصنع الاسمنت يشتعل وفق المعايير الأوروبية”، نافيا وجود أي تلوث من قبل المعمل الذي “يمتلك مصادقة جميع مؤسسات المراقبة”.

أما بشأن الدور الاجتماعي الذي يلعبه المصنع لدفع التشغيل بتلك المنطقة النائية يقول الحناشي إن المصنع أعطى أولوية مطلقة لتشغيل أبناء الجهة، مؤكدا تعرضه لصعوبات مالية بسبب الاعتصامات والإضرابات العمالية “كادت تغلق أبوابه”.