بعد التخفيض المتكرر للحدود المتاحة للتعامل النقدي ببطاقات الائتمان استجاب الكثير من البنوك المصرية لطلب البنك المركزي بوقف التعامل تماما بهذه البطاقات من أجل منع التلاعب بها، على حد تعبير البنك المركزي، في بيان أصدره شهر أكتوبر الماضي. وهو القرار الذي أثر على الملايين من المتعاملين بمثل هذه البطاقات.
تخفيض حدود التعامل
بعد التخفيض المتكرر للحدود المتاحة للتعامل النقدي ببطاقات الائتمان استجاب الكثير من البنوك المصرية لطلب البنك المركزي بوقف التعامل تماما بهذه البطاقات من أجل منع التلاعب بها، على حد تعبير البنك المركزي، في بيان أصدره شهر أكتوبر الماضي. وهو القرار الذي أثر على الملايين من المتعاملين بمثل هذه البطاقات.
تخفيض حدود التعامل
“خربتم بيتى الله يخرب بيوتكم” بمرارة شديدة نطق محمود عبدالله الشاب الثلاثينى تلك الجملة، ردا على قرار بنك مصر الحكومي، تخفيض قيمة التعامل ببطاقة التعامل النقدي المدفوعة مقدما على الانترنت لمبلغ ثلاث الاف جنيه بدلا من خمس عشرة ألف جنيه، مما يعنى أن “محمود” الذي أصدر قبل ما يقرب من عام إحدى تلك البطاقات، لن يتمكن من إنهاء بعض تعاملاته خارج مصر وتحديدا فى المملكة المتحدة البريطانية والتي يحتاجها في عمله، وذلك لأن البطاقة التي كانت تسمح له بدفع قيمة مشتريات تتجاوز الألف جنيه استرلينى شهريا، لن تتيح له التعامل بأكثر من ثلاثمائة جنيه استرلينى، وهو المبلغ الغير كفيل بإنهاء ما أستقر عليه شهريا قبل أكثر من ثلاث أعوام.
الأمر لم يقتصر على محمود فقط، بل هناك ملايين غيره لهم تعاملات عبر البطاقات المدفوعة مقدما للتعامل عبر شبكة الانترنت، فوفقا لبيانات منشورة على شبكة الانترنت فإن بطاقات الخصم بالجهاز المصرفى المصرى – 38 بنكًا – قد ارتفعت إلى 2.814 مليون بطاقة بنهاية ديسمبر 2015، مقارنة بـ2.575 مليون بطاقة بنهاية يونيو 2015، بزيادة قدرها أكثر من 239 ألف بطاقة، خلال 6 أشهر.
وتصدر البنوك 3 أنواع رئيسية من البطاقات البلاستيكية (كروت الدفع)، وتشمل “بطاقات الخصمdebit card” و”البطاقات المدفوعة مقدما prepaid card” و”بطاقات الائتمان credit card”، التى تصدرها مؤسسات مثل “فيزا” و”ماستر كارد”، وغيرها بالتعاون مع البنوك، التى تختلف فيما بينها فى طريقة الخصم من الحسابات البنكية بأنواعها، أو إيداع المبالغ فى الحساب المدفوع مقدما أو الحد الائتمانى الدائن.
أسباب الأزمة
و “البطاقات المدفوعة مقدما”،التى يتعامل بها ” محمود ” هي البطاقة التي تصدر عن طريق إيداع مبلغ مالى مسبق بها، وإعادة شحنها بـ”بالرصيد المادى ” لعدد من المرات، ويتم تسوية المعاملات بكروت الخصم والمدفوعة مقدمًا والائتمان – وهى الصادرة بالجنيه المصرى – بالعملة الأجنبية بين البنك المصدر للبطاقة والحساب البنكى للتاجر، وهذا ما يمثل هذا ضغطًا على موارد العملة الصعبة للبنوك فى ظل تراجعها مؤخرا وبالتالي كان قرار البنك المركزى بتقليل حد التعامل منعا لاستنزاف عملة صعبة غير متوفرة بكثرة حاليا .
على شفا الإفلاس
تقليل حد التعامل كان سيودى أيضا بإنهيار تجارة المهندس مصطفى البحيرى الذى تفوق فيها خلال عشرة سنوات ، فقد أسس شركة للبرمجيات وتصميم المواقع بات لها نشاط فى أكثر من دولة وتعاملاته معظمها بالعملة الأجنبية، بل على حد قوله هو من المساهمين فى زيادة موارد الدولة من العملة الأجنبية جراء التحويلات التي يرسلها له عملائه من خارج مصر ، وبالتالي كان متوقعا أن تسانده البنوك المصرية فى توفير عملة أجنبية له كي يدفع بعض المستحقات عليه من حجز “سيرفرات” خارج مصر، وهو مالم يحدث .
يقول البحيرى: “لو اعتمدت على البنوك المصرية كان زمانى فلست بعد قراراتهم الغبية بتقليل حجم التعامل ببطاقات الإئتمان ، فكل ما أروح بنك يقوللى معنديش دولارات ولا يورو ، وأتصرف من السوق السوداء اللى الدولار فيها بيزيد الضعف عن سعره البنكي، وده طبعا ماينفعش لأنى كنت متفق مع عملائى على سعر معين ، وماينفعش أرجع أقولهم الأسعار زادت تانى ، وإلا كله هينسحب من عندى وهيضيع شغلى كله”.
البعض يلجأ للسفر إلى الخارج
يضيف قائلا:” المشكلة ان نفس البنوك اللى بتقولى معنديش دولارات، هى اللى كانت بتستفاد بالتحويلات اللى جايالى وبتاخد الدولار بسعره البنكي، وده طبعا مش هيحصل تانى وأنا اولى انى استفيد بالسعر غير الرسمى بعد اللى شفته من البنوك ، ومشكلة تعاملاتى خارج مصر حلتها عن طريق أصدقائى الموجودين فى بعض الدول الأوروبية والخليجية وكان بيدفعوا بالنيابة عني، ولولا وجودهم ماكنت أستطعت دفع الرسوم المطلوبة مني، ولكنه حل مؤقت لأن اصدقائى عرفوا بالفرق الشاسع بين سعر العملة داخل البنك، والسوق السوداء فالدولار كان بيتباع بره البنك ب 18 جنيه يعنى زيادة 10 جنيه عن البنك ، وطبعا هما أولى بالفارق ده، وأنا مش عايز أظلمهم اكتر من كدة معايا”.
ورغم لجوء البحيرى للسفر خارج مصر كعادته لإنهاء بعض أعماله آملا في أن ينجح في مبادلة عملة بلده بنظيرتها فى دول العالم، إلا أنه وجد عدة مفاجأت سواء فى تركيا التى يزورها باستمرار أو المانيا. إذ لم يجد أى شخص أو شركة أو حتى المطارات تقبل منه استلام الجنيه المصرى ومبادلته بالعملة الأجنبية، حتى فى السعودية وهي دولة عربية فقد زارها قبل أسبوع ولم يجد فرصة لتبادل العملة ، إلا بما يزيد عن خمسة جنيهات مصرية مقابل الريال الواحد، وهو ما ينذر بمثابة كارثة لحجم أعماله لو استمر الوضع كما هو عليه.
التاجر عندما يفلس
يتضامن مع البحيرى فى لفظ الكارثـة، الخبير الاقتصادى الدكتور رشاد عبده ، والذى وصف ما يحدث فى مصر بالتهريج والكارثة، “ففى حين أن دول العالم كلها باتت تتعامل ببطاقات الدفع المسبق، لحماية عملائها من استخدام الأموال السائلة، تلجأ مصر للحلول الخايبة والفاشلة بتقليل حد التعامل بتلك البطاقات وخاصة خارجها”، كما يقول عبده .
يضيف قائلا : “للأسف من يديرون إقتصاد مصر حاليا هم أسوء مجموعة في تاريخها، ويعملون بمثل “التاجر لما يفلس بيدور فى دفاتره القديمه”، فبدلا من وضع حلول عملية وجذرية للمشكلة ، يزيدون الطين بلة ويلجأون لوضع العراقيل أمام الناس بدعوى توفير العملة الأجنبية، ولك أن تتخيل أن واحدا من كبار علماء مصر كان مدعوا لعقد دورة تدريبية في إحدى الدول الأوروبية ، ولما وصل لفندق الإقامة وجد أن بطاقته الإئتمانية لاتقبل بالتعامل بأكثر من مائة دولار، وهو مالايكفى مصاريف الإقامة فى الفندق ، ولولا وجود أحد أصدقائه القدامى فى تلك الدولة ليستضيفه ويقرضه ، لكان قد أقام فى الشارع”.
يستنكر رشاد ذلك القرار الذى وصفه بالغبى، فكيف أحرم الناس من التمتع بأموالها ، فالبنوك فى جميع الأحوال مستفادة بالمصاريف الإدارية ونسبة التحويل ، وهو ما يساهم فى زيادة موارد الدولة ، أما أن يصل الأمر لوضع حد للتعامل لا يكفى أساسا لتعاملات الأشخاص العادية ، فما بالك بصغار المستثمرين أو كبارهم؟!
الأزمة ليست هينة
ولكن لم يكن هناك حلولا أخرى كما تقول الدكتورة فاطمة الأتربى عضو مجلس إدارة بنك مصر ، فهى تعترف لمراسلون ، بالأزمة التي تمر بها مصر، نتيجة نقص الموارد الدولارية داخل البنوك، وصعوبة تواجد المستثمرين فى دولة مثل مصر ، لديها سعرين للعملة أحدهما رسمى والاخر بالسوق السوداء ، وهو ما جعل بعض المواطنين يستخدمون تلك البطاقات لأغراض غير شخصية ، فاستخدموها فى السحب بالعملة الأجنبية خارج مصر، ثم إعادة بيعها بسعر السوق السوداء داخل مصر لتحقيق مكاسب كبيرة لهم، وهو ما مثل ضغطا كبيرا على موارد مصر من العملة الأجنبية.
وفي الثالث من نوفمبر أصدر البنك المركزى قرارا بتحرير سعر صرف الجنيه المصرى يوم الخميس الثالث من نوفمبر، ويعنى أن يترك البنك المركزي سعر صرف عملة ما ومعادلتها مع عملات أخرى، يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب في السوق النقدية، وتختلف سياسات الحكومات حيال تعويم عملاتها تبعاً لمستوى تحرر اقتصادها الوطني وكفاية أدائه ومرونة جهازها الإنتاجي. فعدت مرة أخرى لمحمود عبدالله ومصطفى البحيرى لعلى أجد لديهما مايبشرهما بذلك القرار ، خاصة وأن البنوك قد بات متوافرا لديها العملة الأجنبية لعملائها طالما قد سمح لها ببيعه بسعره الحقيقى “سعر السوق” ، إلا أننى قد وجدتهما يقولان القول نفسه تقريبا : ” أه العملة توافرت ، والحد الأقصى هيترفع، بس المشكلة سعر الصرف بقى بكام، فالدولار اللى كان بحوالى تسعة جنيه، دلوقتى بقى بحوالى 16 جنيه عشان تشتريه من البنك يعنى المسألة ماتحلتش بل ده هيكون سبب فى رفع الأسعار على عملائنا بشكل كبير، وبالتالى هتقل حجم أعمالنا ، وهنخسر كتير جدا”.
وما الحل؟
ويأتي الحل الأمثل من وجهة نظر الدكتور رشاد عبده للخروج من تلك الأزمة، باللجوء لخيار وصفه “بأنك تركب الصعب”. ومعناه أن الدولة لا تقوم باتخاذ حلول تتسبب في زيادة الفقر للطبقات محدودة الدخل بإجراءاتها التقشفية، بل عليها العمل على اتخاذ إجراءات توسعية تتلخص فى القضاء على الروتين ومحاربة الفساد بشكل جدي وعلني، وتوفير ضمانات حقيقية للمستثمرين، معتبرا أن تلك الإجراءات قصيرة المدى، أما على المدى الطويل فلابد من الإهتمام بالتعليم وإعادة التأهيل للكوادر البشرية.
وأما الدكتور فاطمة الأتربى ، فقد أكدت أن الحل بات موجودا بعد إنتهاء السوق السوداء، نظرا لتوحيد سعر الصرف بين البنوك والصرافات التي كان يتسبب بعضها في وجود السوق السوداء، ولكنها طلبت الدعاء بألا يزيد سعر الصرف داخل البنوك وخاصة وأنه بات مسموحا لكل بنك بوضع السعر المناسب لسعر صرف العملات الأجنبية طبقا لقانون العرض والطلب، بعد الرجوع لسعر إسترشادى وضعه البنك المركزى المصرى وصل لما يقرب من 14 جنيه مصرى مقابل الدولار.