ثمة طريقة عرفية لبناء المساجد في مصر، تعتمد على الاتفاق بين عدة أفراد على تحديد منطقة معينة أو مبنى معين كمصلى لإقامة الصلوات الخمس، يتطور المصلى ويتجهز بسجاجيد ويستقبل عددًا أكبر، من هنا يبدأ بشكل ودي جمع التبرعات لبناء مسجد، يتأسس المسجد وبمرور الزمن والتبرعات يتسّع، ويمكنه التحول من مسجد عرفي لمسجد رسمي يتبع وزارة الأوقاف.

ثمة طريقة عرفية لبناء المساجد في مصر، تعتمد على الاتفاق بين عدة أفراد على تحديد منطقة معينة أو مبنى معين كمصلى لإقامة الصلوات الخمس، يتطور المصلى ويتجهز بسجاجيد ويستقبل عددًا أكبر، من هنا يبدأ بشكل ودي جمع التبرعات لبناء مسجد، يتأسس المسجد وبمرور الزمن والتبرعات يتسّع، ويمكنه التحول من مسجد عرفي لمسجد رسمي يتبع وزارة الأوقاف.

في عام 2009 اتفق بعض أصحاب المحال التجارية في المحلة الكبرى، وسط الدلتا، على تسمية زاوية صغيرة مزمع إنشاؤها باسم “مسجد الرزاق”، الذي سيشيد بين طريقين للسيارات ذهابا وإيابا، مكان محلين مخالفين سيجري هدمهما، بمساحة 40 مترًا، ويبعد نحو 200 مترًا عن أقرب زاوية له “مسجد الفتح” ونحو 250 مترًا عن أقرب جامع كبير له مسجد “المتولي”. وخلال أقل من شهر بُنيت الزاوية، ورُفعت مئذنتها وأقامت صلاة الجمعة ورفعت خطبتها، ستظل الزاوية/المسجد المبنية بشكل مخالف قائمة حتى تقع في طريق كوبري جديد يجري إنشاؤه في 2014، ومن مخطط الكوبري الجديد إزالة المحلات الواقعة في طريقه وبالطبع إزالة المسجد معها، طبقًا لأحد أصحاب المحلات والذي رفض ذكر اسمه، وبعد عدة وقفات ومفاوضات مع مجلس المدينة تغيّر تخطيط الكوبري لينتهي منحدره عند مدخل المسجد الذي سيتحول لخلفيته بعد الكوبري، ويتهدّم المسجد مع وعود ببناءه، وبمجرد الانتهاء من منحدر الكوبري وُضعت أساسات المسجد من جديد على مساحة 60 مترًا، وجُهّز بثلاثة تكييفات ومنبر، مع إخلاء حارة من الطريق المجاور له لسجاجيد صلاة الجمعة، ويجري الآن محاولة لتوفيق أوضاع المسجد ضمن خطة الوزارة وينضم دعويًا للأوقاف بحسب أحد مؤسسي المسجد.

بالقرب من “زاوية الرزاق” في شارع جانبي يقل عرضه عن 3 أمتار، هدم أحد العائدين من الخليج منزلًا قديمًا وأقام منزلًا جديدًا، وفي طور البناء جهّز الدور الأرضي بمساحة 45 مترًا ليكون مسجدًا، عبارة عن ممر بطول 15 متر وعرض 3 أمتار، مسجل حتى الآن بمجلس المدينة المحلي كجراج بحسب إمام المسجد السابق، الذي تحفظ على ذكر اسمه، إلا إنه يستقبل خطيبًا الجمعة، ويضم مصلى للسيدات في دور أرضي لعمارة مجاورة، وينتظر القائم على المسجد الحصر المقبل للضرائب العقارية لتغيير التسجيل من جراج لزاوية، ويقول إن المسجد يوفق أوضاعه، ويؤكد أيضًا أن لا أحد قد يفكر في غلق مسجد أو إصدار مخالفة، حتى الأمن نفسه.

السبب في ذلك هو أن المسجد “متى أقيم وأُذّن فيه بالصلاة يخرج عن ملك البشر، ويصبح في حكم ملك الله –سبحانه وتعالى- ويقوم بالإشراف عليه الحاكم الشرعي للبلاد”، كانت تلك حيثيات المحكمة في جلستي 27 نوفمبر 1994، و20 من مايو 2006 بمجلس الدولة. وبُنيت عدة مساجد بالمخالفة لقواعد البناء، واستمرت بمخالفاتها بسيف الحياء من الدين، أو المتدينين أو من فاعلي الخير، لأن لا أحد يهدم أو يغلق مسجدًا، وما بين زوايا تشغل الأدوار الأرضية للعمارات، أو زوايا بنيت بين طريقين للسيارات، فضلًا عن زوايا يفصل بينها أقل من مئتي متر، وأخرى أهلية مسجلة كجراجات تضم إمامًا، وتعلق مكبرات صوت، وتقيم صلوات الجمعة وترفع خطبتها، وجدت عدة مخالفات وتحايلات لبناء المساجد وصار حصرها عسيرًا.

بحسب آخر إحصاء صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، في2011، بخصوص عدد المساجد، تجاوز عدد المساجد التابعة لوزارة الأوقاف المصرية الـ108 ألاف مسجد بـ 395 مسجدًا. بالطبع ارتفع عدد هذه المساجد مؤخرًا تبعًا لعدة تغيرات، أولها عدد المساجد التي بنيت خلال الخمس سنوات الماضية، وثانيها قرارات وزارة الأوقاف المصرية لضم المساجد لتبعيّتها الدعويّة حتى المساجد والزوايا المخالفة للبناء، لعدم توفر الإمكانات المادية لدى الوزارة لتحمل تكلفة الضم الكلي.

وفي عهد دولة العلم والإيمان التي أعلنها أنور السادات قال زكريا البري، وزير الأوقاف في تصريح لمجلة المصور إنه “تم الإسراع في بناء المساجد الأهلية بمعدل لم تعرف له مصر مثيلًا، وذلك خلال السنوات الأخيرة وبشكل يفوق كثيرًا إمكانات الوزارة للإشراف عليها حيث إن المساجد التابعة للأوقاف لا تزيد على 6 آلاف مسجد بينما يوجد 40 ألف مسجد أهلى فى حاجة إلى الأئمة والدعاة المؤمنين والمثقفين”، والحال لم يتغيّر كثيرًا، زادت عدد المساجد الأهلية، وظلت إمكانات الوزارة أقل من التكفّل بها، إلا أن سبيلًا آخر تتخذه الأوقاف حاليًا للسيطرة على المساجد.

ففي أغسطس الماضي أصدر الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، منشورًا يشترط إضافة بند يؤكد عدم تحمُّل الأوقاف دفع أي فواتير للكهرباء والمياه، عند انضمامه لتبعيّتها، على أن يلتزم الأهالي بدفع هذه الفواتير.

وأصدر جمعة، عددًا من القرارات فيما يتعلق بضم المساجد الجديدة، إلى وزارة الأوقاف، منها ما يخص الضم الدعَوِى والضم الكلى، فالأول توفر له الأوقاف خطباء لصلاة الجمعة فقط، والثاني تلتزم فيه الأوقاف بالمسجد كليًا بتوفير العمال والأئمة ومقيمي الشعائر، فضلا عن دفع نفقات الصيانة والكهرباء والمياه، وهو ما عطلته الأوقاف حاليا، حيث تقوم بالضم الدعَوِي فقط.

أكد جمعة أن الضم الدعوي، الغرض منه عدم السماح لأي جماعة بالتحكم في خطب الجمعة أو إمامة المصلين خاصة فى رمضان وغيره، لذا يقوم القطاع الديني بإصدار قرار ضم مباشر، وينص بند في آخر القرار، مذيل بتوقيع رئيس القطاع الدينى، على إلزام باني المسجد بدفع فواتير الكهرباء والمياه والالتزام بجميع مصروفات الصيانة والترميم، وتكتفي الأوقاف بتوفير خطيب وإمام للجمعة والصلوات.

بالفعل استبدلت بعض المساجد العدادات الجديدة المدفوعة مسبقًا بالعدادات القديمة، فضلا عن المساجد الجديدة الملزمة بتركيب العدادات المدفوعة مسبقًا، وصار واردًا أن تسمع نداء إمام المسجد يطلب من المصلين التبرع لشحن الكهرباء، بحسب الأستاذ مصطفى السعيد، إمام مسجد بالغربية.

بعد 3 سنوات من إحصاء المركزي للتعبئة والإحصاء، ازداد عدد المساجد التابعة لأوقاف بأكثر من الضعف، حتى وصلت بحسب إحصاء مركزي صدر عن وزارة الأوقاف في يناير 2014 يقول إن عدد المساجد في مصر هو 239.715 مسجدًا، بفارق نحو 130 ألف مسجد، موزعة ما بين 88.360 مسجدًا حكوميًا يخضع بالكامل لإشراف الأوقاف، 95.500 مسجدًا أهليًا تشرف عليه الأوقاف بتعيين إمام وخطيب ومقيم شعائر، و24.855 زاوية تشرف عليها الوزارة دعويًا بإرسال خطيب لصلاة الجمعة، بحسب محمد عيد كيلاني مدير إدارة المساجد بالأوقاف في مقابلة أجراها الباحث عمرو عزت نُشرت ضمن ورقته “لمن المنابر اليوم:، إضافة إلى نحو 117 ألف مسجد صدر قرار بضمها.

ما الذي تخالفه المساجد؟

المساجد والزوايا المخالفة تعارض القرارات الصادرة في 17 أكتوبر عام 2001 عن مجلس الوزراء بشأن تنظيم بناء المساجد، والذي تضمن أن تكون المنطقة فى حاجة حقيقية للمسجد المراد إنشاؤه بها، وذلك تبعا للكثافة السكانية التى لا تستوعبها المساجد المقامة فعلاً، ومراعاة ألا تقل المسافة بين المسجد القائم والمسجد المزمع إنشاؤه عن خمسمائة متر، وألا يقام المسجد على أرض مغتصبة أو على أرض متنازع على ملكيتها، وأن يلتزم من يتطوع ببناء المسجد بالرسومات والتصميمات الهندسية التى تعدها وزارة الأوقاف مجاناً بما يتناسب مع الموقع والمساحة والتكاليف المقدرة للمشروع، وألا تقل مساحة المسجد عن 175م2، ويشترط بناء دور أرضي تحت المسجد يخصص لمزاولة أنشطة خدمية اجتماعية وصحية وثقافية وتنموية، مع مسكن للإمام.

كما يمنع منعاً باتاً إقامة مساجد أو زوايا تحت العمارات السكنية، ولا يجوز إقامة مساجد أو زوايا على شواطئ النيل أو الترع إلا بموافقة صريحة من وزارة الرى والأشغال العامة، وذلك بالإضافة إلى توفر الشروط الأخرى، وبالنسبة للمسجد المزمع إقامته على أرض زراعية يتعين قبل اتخاذ أي إجراء الحصول على قرار بتبوير المساحة من وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي. ووفقًا لمحمد عيد كيلاني، مدير إدارة المساجد الحكومية فإنه “لم تتخذ أبدًا أي إجراءات ضد من يخالف شروط بناء المساجد، أو ضد المساجد المخالفة”.

ومنذ صدور القرار قبل 15 عامًا، تأسست آلاف المساجد بالمخالفة لقواعده، وبحسب تصريح سلامة عبد القوي، المتحدث الإعلامي لوزارة الأوقاف في عهد الإخوان، في ندوة سياسات الأوقاف وانتخابات المساجد، بمنتدى الدين والحريات بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والمدنية، والمنشورة في ورقة “لمن المنابر اليوم” للباحث عمرو عزت، الصادرة عن المبادرة، فإن “حركة بناء المساجد كانت دائما جزءًا من نشاط المجتمع وفاعلي الخير وكانت عسيرة السيطرة على سلطة أي جهاز تنظيمي، ولم تكن السلطة في أي عهد من العهود تحاول عمليًا التضييق على بناء المساجد لما قد يثيره ذلك من استياء واسع وإضرار بشرعية السلطة”.

اعتاد القائمون على بناء المساجد باتفاق جمعي غير صريح على كتابة آية “إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ” و لأسباب تتعلق بمساحة واجهة المساجد، أو عرض باب المسجد كانوا يكتفون باليوم الآخر بخط عربي وتشكيل مزخرف يستقبل المصلين، يمكن اعتبار هذه الآية هي السبب الرئيس لعمارة المساجد، إلا أن أسبابًا أخرى يوضحها مصطفى السعيد، إمام مسجد بالغربية منها؛ الثواب الدائم من الصدقة الجارية، الوجاهة الاجتماعية وأيضًا بعض المكاسب المادية حصل عليها البعض عبر تأسيس مسجد، منها الإعفاء من العوائد الضريبية على المبنى السكني المقام أسفله المسجد بشكل ودي، وبحسب السعيد فإن أهل قرية تابعة للمحلة الكبرى أسسوا مسجدًا على أرض زراعية بغرض تحويل الأرض المحيطة به لأراضي مباني وهو ما حدث بالفعل خلال السنوات التالية لبدء تأسيس المسجد منذ 2007.