يقول الكاتب المتخصص في الشؤون المالية وعضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد بجامعة عمر المختار عادل الكيلاني إن المخاوف من قيام المصرف المركزي بالبيضاء بطباعة العملة النقدية جرى تضخيمها، وأن حل المشكلة يكون بسحب نفس الكمية من العملة القديمة للمحافظة على قيمتها.
ويؤكد الكيلاني أن انقسام المصرف المركزي إلى مصرفين هو الكارثة، واجتماع لندن أهدافه سياسية أكثر من كونها اقتصادية، كل ذلك وغيره ضمن الحوار الذي أجراه معه “مراسلون”:
يقول الكاتب المتخصص في الشؤون المالية وعضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد بجامعة عمر المختار عادل الكيلاني إن المخاوف من قيام المصرف المركزي بالبيضاء بطباعة العملة النقدية جرى تضخيمها، وأن حل المشكلة يكون بسحب نفس الكمية من العملة القديمة للمحافظة على قيمتها.
ويؤكد الكيلاني أن انقسام المصرف المركزي إلى مصرفين هو الكارثة، واجتماع لندن أهدافه سياسية أكثر من كونها اقتصادية، كل ذلك وغيره ضمن الحوار الذي أجراه معه “مراسلون”:
س- لماذا تستمر أزمة السيولة في المصارف؟
ج- أزمة السيولة هي في المقام الأول أزمة ثقة في القطاع المصرفي نتيجة الوضع السياسي والأمني الذي يعصف بالبلاد، فقطاعنا المصرفي لا يعاني ولم يعانِ أزمة سيولة، بل بالعكس تُعرف عنه التخمة في السيولة التي وصلت لأكثر من 30 مليار دينار ليبي فائض الاحتياطيات القانونية بالمصارف.
كل الأموال التي تسربت خارج الجهاز المصرفي يمكن إرجاعها بتوحيد المصرف المركزي الليبي، وبعد ذلك عودة الثقة بالجهاز المصرفي وهنا يكمن حل مشكلة السيولة في ليبيا.
س- وما رأيك بطباعة العملة النقدية من قبل المصرف المركزي في البيضاء، ألم يكن حلاً؟
ج- لا شك أن طباعة العملة بدون غطاء نقدي له تأثير سلبي على الاقتصاد الوطني، ولكن نتيجةً لانقسام المصرف المركزي إلى مصرفين، ولتغليب المصالح السياسية على مصلحة الوطن وتعنت المصرف المركزي في طرابلس أمام المطالبة بتوفير سيولة لكل ليبيا اضطر المصرف المركزي في البيضاء إلى طباعة عملة من أجل سد حاجة الناس لها، ولا أرى بأنها تشكل مشكلة كبيرة، لأن التغطية موجودة وليست مزورة، ويمكن أن نقوم ببساطة بسحب نفس الكمية من العملة القديمة للمحافظة على قيمتها.
باختصار المشكلة ليست بالحجم الذي تم تضخيمه، فاقتصاد ليبيا اقتصاد صغير، و ليبيا لديها أرصدة ضخمة في الخارج مقارنة بعدد السكان وأرصدة المصرف المركزي، كذلك لديها احتياطيات كبيرة من النفط، وهذه كلها تعتبر ضمانات للاقتصاد الليبي.
س- إذاً فالخلاف السياسي لعب دوراً في تعميق الأزمة؟
ج- التصارع السياسي والإيديولوجي هو أهم تحدٍّ يواجه الدولة الليبية، بالإضافة إلى التعنت وعدم مراعاة مصلحة الوطن والمواطن، وللتغلب على حالة الترهل الاقتصادي والمالي يجب تشكيل حكومة وحدة وطنية وعودة المصرف المركزي مؤسسة واحدة لكل ليبيا، وتواجد المؤسسات الأمنية (جيش وشرطة) وعودة الهيئات القضائية وتفعيل المحاكم.
عندها فقط تعود الثقة في الدولة الليبية عامة والقطاع المصرفي خاصة، وتبدأ عجلة التنمية والبناء في الدوران بدعم القطاع المصرفي الذي يعتبر هو العمود الفقري لنهضة البلاد.
س- ما رأيك في اجتماع لندن الذي عُقد نهاية أكتوبر بوزارة الخارجية البريطانية بحضور المجلس الرئاسي والذي تم فيه تدارس الوضع الاقتصادي الليبي؟
ج- بالنسبة لاجتماع لندن فهو لا يختلف كثيراً عن الاجتماعات السابقة له، لأنه محاولة لإعادة الحياة للمجلس الرئاسي، بمعنى أن دوره سياسي أكثر منه اقتصادي ومالي.
برأيي هو أو غيره من الاجتماعات لن تستطيع تحريك المياه الراكدة في ليبيا ما لم تتشكل حكومة تستطيع بسط سيطرتها على كافة التراب الليبي و تلبي طموحات الشعب الليبي.
س- وكيف تعلق على موافقة المصرف المركزي طرابلس على الإفراج عن 11 مليار لصالح المجلس الرئاسي في اجتماع لندن؟
ج- السؤال المطروح هو ما مصدر هذه المليارات، وهل هي من الاحتياطيات أم أنها موجودة في المصرف؟، الجانب السياسي في مثل هذه الأمور هو المسيطر على المشهد العام، والمصرف المركزي بطرابلس أصبح جزءاً من اللعبة السياسية التي تتلاعب بها الدول الكبرى التي ترسم المشهد السياسي الليبي، هذه حقيقة يجب أن ننطلق منها، وبالتالي سيوافق المركزي على ما يتم إملاؤه من شروط من قبل القوى الكبرى التي دعت إلى الاجتماع.
عموماً ولتحديد مصدر هذه المليارات فإن ليبيا دولة لها أموال محتجزة وهي تقدر بالمليارات، وسيتم تمويل الميزانية من الأموال المحتجزة، أو من خلال تقديم قروض من المؤسسات الدولية بضمان هذه الأموال، مع ملاحظة أنه وفيما يخص الاحتياطيات داخل المصرف المركزي الليبي فلا يوجد بيانات دقيقة عن قيمتها من العملة الصعبة والمعادن الثمينة حالياً، و حسب علمي فقد تم تغطية جزء من عجوزات السنوات الماضية عن طريق التصرف في جزء من الاحتياطيات.
س- مرت العديد من الدول بأزمات مشابهة لما يحدث في ليبيا لكنها صمدت هل يمكن استخلاص العبر منها؟ وهل لشخصية محافظ المصرف دور في اجتياز الأزمة؟
ج- العديد من الدول مرت بنفس مرحلة ليبيا في السابق، واستطاعت أن تتغلب على هذه المشاكل ويمكن الاستفادة منها.
تعتبر تجربة لبنان مشابهة للتجربة الليبية، ولكن رغم كل الخلافات والتناحر الذي حدث فيها إبان الحرب الأهلية إلا أن مصرفها المركزي لم ينفصل إلى مصرفين مركزيين، ثم إن مصرف لبنان لم ينخرط في الصراع السياسي بالبلد، إنما كان كل تركيزه منصباً على السيطرة على السياسة النقدية بلبنان.
ماحصل لدينا أن المصرف المركزي انقسم وهذه كارثة، جعلت المصرف المركزي الليبي غير قادر على إدارة السياسة النقدية والسيطرة على القطاع المصرفي.
لا شك أن شخصية المحافظ واستقلاليته وخبرته وقدرته على إدارة مؤسسة بحجم المصرف المركزي تلعب دوراً كبيراً في اجتياز الأزمة، وهذا ما نحتاجه، محافظ للمصرف المركزي يكون قادراً على التعامل مع الأزمة بحرفية وبعيداً عن التجاذبات السياسية والأيديولوجية.
س- هل يمكن التعويل على احتياطات المصرف المركزي اليوم؟ وما خطورة نفادها؟
ج- من الطبيعي أن قوة عملة البلد واقتصاده بالتبعية تعتمد بشكل كبير على قوة احتياطياته من العملة الصعبة، وهي مصدر قوة اقتصاده وثقة العالم فيه.
استنزاف هذه الاحتياطيات سيكون له نتائج سيئة كارتفاع التضخم الناتج عن انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الرئيسية، وانخفاض التصنيف الائتماني للدولة والعديد من المشاكل التي نتمنى ألا نصل لها.
س- إلى أي مدى تساهم إعادة تصدير النفط في دعم الاقتصاد الليبي في ظل انخفاض أسعار النفط؟
ج- ليبيا دولة ريعية تعتمد على بيع سلعة واحدة تقريباً وهي النفط و الغاز، وأسعارها تحدد خارج الوطن، بمعنى لاسيطرة لك على الأسعار وهذه مشكلة بحد ذاتها، ولكن لا مجال إلا الوصول إلى مستويات الإنتاج السابقة المقدرة بـ 1.6 مليون برميل يومياً، وعلى الدولة أن تتعامل مع انخفاض الأسعار بإجراء إصلاحات اقتصادية و مالية، بالإضافة إلى الترشيد في الإنفاق، واتّباع عدة خطوات من أجل تقليل العجز في الميزانية، كما أن عليها أن تبدأ في البحث عن موارد مالية أخرى لتغطية العجوزات.
س- هل من حلول أخرى يمكن أن تسهم في حلحلة الأزمة؟
ج- الحل الأول هو الاستقرار السياسي والأمني، خلاف ذلك كل الحلول التالية لا تجدي نفعاً.
إعادة هيكلة القطاع المصرفي ضمن خطة إصلاح شامل، ودفعه للمساهمة في عملية التنمية والاستثمار.
أن يتم التوفيق بين السياسة النقدية والمالية والتجارية، وأن تعمل جميعها لاستقرار الاقتصاد الوطني وتحقيق الرفاهية للمواطن.
التخلص التدريجي من سياسة الدعم، أو إعادة هيكلة سياسة الدعم بحيث تكون أكثر فائدة للمواطن، بالإضافة إلى تقليص العمالة بالقطاع العام، ومحاولة خلق فرص عمل لها.
س- بالحديث عن هيكلة القطاع المصرفي ما رؤيتك لتحوله نحو الصيرفة الإسلامية؟
ج- ما اتُخذ من خطوات نحو الصيرفة الإسلامية هي خطوات متسرعة و غير مدروسة، ولذلك حدث إخفاق في تنفيذ عملية التحول حسب الموعد الذي تم إعلانه في يناير 2015.
السبب هو الاستعجال وعدم اختصاص من قام بإصدار القوانين والتشريعات الخاصة بالتحول، وعدم درايته بطبيعة القطاع المصرفي الليبي.
إن كان لا بد فيجب أن تتم عملية التحول بشكل تدريجي، وأن يُترك لكل مصرف تقييم نفسه واستعداده للعملية، وأن نعمل على طرح نظام العمل المزدوج، بحيث تعمل المصارف التقليدية والإسلامية جنباً لجنب ونترك المواطن يختار مايناسبه، فالعملة الجيدة بالتأكيد ستطرد العملة الرديئة .