قضية الممرضات البلغاريات المتهمات بحقن أكثر من 400 طفل ليبي بفيروس الإيدز عادت لتطفو على السطح هذه الأيام مجدداً، إثر قيام صحيفة “ميديا بارت” الفرنسية بنشر “مذكرات” منسوبة لشكري غانم (رئيس حكومة ثم وزير نفط أسبق في نظام القذافي)، أتت على ذكر معلومات جديدة تخص القضية.

قضية الممرضات البلغاريات المتهمات بحقن أكثر من 400 طفل ليبي بفيروس الإيدز عادت لتطفو على السطح هذه الأيام مجدداً، إثر قيام صحيفة “ميديا بارت” الفرنسية بنشر “مذكرات” منسوبة لشكري غانم (رئيس حكومة ثم وزير نفط أسبق في نظام القذافي)، أتت على ذكر معلومات جديدة تخص القضية.

حسب المذكرات المزعومة فإن مسؤولين في نظام القذافي هما عبدالله السنوسي (رئيس الاستخبارات) وموسى كوسا (وزير الخارجية) “حقنا الأطفال بالفيروس”، وهو ما يعد دليلاً جديداً ورد على لسان محمد الخضار المدعي العام العسكري في ذلك الوقت، يفيد ببراءة الممرضات.

كل ذلك دفع إحداهن للتصريح بأنها ستطالب الدولة الليبية بتعويض مادي عن توجيه التهمة لها ومقاضاتها ومن ثم الحكم عليها وزميلاتها بالسجن المؤبد، حكم لم يتم تنفيذه بسبب إصدار قرار عفو عن المتهمين من قبل الدولة الليبية وتسليمهم إلى بلغاريا التي عفت عنهم أيضاً.

“مراسلون” التقى في هذا الصدد المستشار والنائب العام السابق ابراهيم بو شناف، الذي عاصر القضية كرئيس لأول محكمة نظرت فيها، وسرد لنا تفاصيل حصرية في الحوار التالي:

 سممن تكونت لجنة التحقيق؟

ج- من أعضاء النيابة، القضية بدأت بالبحث الجنائي بنغازي، لم تتدخّل فيها أجهزة سرّية كالأمن الداخلي والخارجي إلا مؤخراً لوجود متّهم بريطاني الجنسية هَرب أو هُرّب خارج البلاد، ويعتقد أنه خلف هذه القضيّة، فتدخّلت هذه الجهات الأمنية لجمع معلومات عنه، ثم من البحث الجنائي لأعضاء النيابة ثم مكتب الادّعاء الشعبي وكانوا أعضاء نيابة منتدبين.

س– كيف بدأت القضية، وكيف سارت جلساتها؟

ج- نظرت في القضية سنة 1998 واتُّهم فيها طبيب فلسطيني وآخر بلغاري وعدد من الممرضات البلغاريات، اتُّهموا جميعاً بحقن أكثر من أربعمائة طفل في مستشفى الأطفال ببنغازي بفيروس الإيدز، نظرتُ الدّعوى في جلسات عديدة توفّرت فيها كل شروط المحكمة العادلة، واستمعنا إلى مرافعات سلطة الاتّهام ودفاع المتّهمين ثم تقدم المحامي البلغاري “فلاديمير شطانوف” بطلب للحضور معهم فاتُّخذت الإجراءات التي يوجبها القانون ومُكّن من الحضور، وطلب إعادة التحقيق مع المتّهمين وهو إجراء لا يجوز قانوناً إلا أنّ المحكمة اعتبرته طلباً للاستجواب.

وحُدّدت جلسة لذلك بدأت في التاسعة صباحاً وانتهت عند الخامسة حضرها إضافة إلى المتهمين ودفاعهم سفراء من الاتحاد الأوروبي وسفيرا بلغاريا وبريطانيا وعدد من وكالات الأنباء العالمية والبلغارية، وقد عجز الدفاع عن نفي التهمة بل زاد يقين المحكمة بصحة ثبوت الاتّهام ونسبته لهم خاصة بعد إقرار المتهم زوج “كريستينا” المتهمة الأولى بأنه من أحضر زجاجات البلازما الملوثة بفيروس الإيدز بقوله إن لديه عجزاً فيها في المستشفى التابع لشركة دونغ اه الكورية التي يعمل بها في ليبيا، وزاد كذلك بعد إقرار المتهمة “فاليا” بأنها قامت بحقن الأطفال بطلب من “كريستينا”.

بل إن المحكمة استعانت بالخبير مكتشف فيروس الإيدز الطبيب الفرنسي “لوك مونتنييه” وأدلى بشهادته بأن الحقن متعمّد وبعضهم حُقن أكثر من مرّة وبأكثر من نوع من هذا الفيروس، وقد تمّ تداول القضية أمام أكثر من هيئة قضائية ونظرتها المحكمة العليا، نقضت الحكم فأعيدت ونظرت مرة ثانية وكانت أدلة الثبوت كافية على ثبوتية الحكم ونسبتها للمتهمين يقينية وصدر الحكم بالإعدام بإجماع الآراء كافة.

 سمن الإعدام إلى السجن المؤبد، كيف حصل ذلك؟

ج- في القانون الجنائي الليبي يحدّد قانون القصاص أو الدّيَة تغيير الحكم من الإعدام إلى السجن المؤبد فى حق المُدان إذا تمّ التصالح مع وليّ الدم بعد دفع الدية، وهذا ما حدث مع البلغاريات فى جريمة حقن الأطفال فى مستشفى الأطفال بنغازى فقد تم دفع دية لأسر الأطفال لافتداء رؤوسهن من الإعدام.

سالعفو العام والخاص، هل هو من حقّ الدولة قانوناً بعد صدور الحكم؟

ج- نعم، بعد تغيير الحكم إلى السجن المؤبّد يحقّ للدولة الليبية إصدار عفو عام وخاص يكفله لها القانون والتشريعات النافذة الصادرة سنة 1955،  وهذا ما حدث.

سثارت كثير من التساؤلات حول دوافع حقن الأطفال، ما هي الدوافع باعتقادك؟

ج- لم نكن معنيين ابتداء بالبحث وراء الدوافع، وهو سؤال وجيه إلا أن المحكمة ليس من مهمّتها معرفة الدافع إذا استقرّت عقيدتها ووقر في وجدانها ثبوت الاتهام ونسبته إلى متّهم معلوم، وهنا أقول: إن السيد “عبد الله المغربي” والد أحد الضحايا ومحامي الأطفال ذكر أنهم قد حقنوا بفيروس معملى محضر عن طريق الهندسه الوراثية والغاية من حقنه فى الأطفال هو إجراء التجارب عليهم من قبل البلغاريّين دون علم من الدوله الليبية، وأضاف بأنه لا يوجد ليبي له يد فى الموضوع لا من قريب ولا من بعيد.

ما يثار الآن محاولة لابتزاز ليبيا، وأنا أضيف: لماذا نسمح لهم بابتزازنا في قضية الجناة فيها معلومون والقضاء قال فيها كلمته؟!

سهل يحق للممرضات البلغاريات اليوم المطالبة بالتعويض بعد مذكرات شكري غانم الأخيرة؟

ج- مذكرات شكري غانم لم تنشر في الصحافة لنتأكد منها وأنا لا أتوقع صحّتها، وقانوناً لا يحقّ لمتّهم أن يطالب بتعويض وقد حكم عليه أكثر من مرة بالإعدام فصار مُدانا بجريمة في حكم قضائي باتّ وليس نهائي فقط، وهنا يجب أن أنبّه أن السلطات البلغاريّة أقرّت حكم القضاء الليبي بإصدار عفو من الرئيس البلغاري والعفو يصدر على جانٍ لا متّهم.

وللأسف قد يصدر تشريع خاص بهنّ مثلما فعلت أمريكا يإصدار “جاستا” مؤخراً لمحاكمة السعوديين، وقد تجد من يساندها في دعواها ممن يحمل ضغينة على النظام السابق، وهذا شبيه بما حدث في قضية بنك غولدمان ساكس التي خسرتها ليبيا لانقسام مسؤولي الاستثمار الخارجي بين من يُحمل النظام السابق تبعيات الخسارة فتخسر ليبيا لسوء تصرفهم.

سأشارت الصحيفة الفرنسية ميديا بارت إلى أن المرضى نُقلوا من تاجوراء إلى بنغازي (المسافة حوالي 1000 كم) بحسب “مذكرات” غانم، هل ترى ذلك معقولاً؟

ج- لن أعلّق على الصحيفة الفرنسية فربما لديها سببها الخاص لنشر ما تدعيه في فرنسا، وترشّح ساركوزي قد يكون سبباً لظهور مذكرات يذكر فيها غانم أن القذافي موّل حملته الإنتخابية، لكن للأسف صحيفة ليبية نحترمها نقلت الخبر بدون أدنى بحث عن شروط صحته، فهل يعقل أن السنوسي وكوسا هما من حقن الأطفال مباشرة؟ ألا توجد لديهم أذرع تفعل ذلك؟ وهل يعقل أن الأطفال الذين كان بعضهم رُضّعاً ومع ذويهم يُحقنون في تاجوراء غرباً ثم يحملون إلى بنغازي شرقاً دون علمهم؟! للأسف هذا فيه عدم احترام للقارئ الليبي على الأقلّ ولكلّ متتبّع للقضية في الخارج.

سمن هو محمّد الخضار عضو لجنة التحقيق الذي ذكرته الصحيفة الفرنسية نقلا عن مذكرات غانممستدلّة بكلامه على نسبة الجريمة لقطبي النظام آنذاك، وهل كان يمكنه انتزاع معلومات من السنوسي في ذلك الوقت؟

ج- كان في تلك الفترة يشغل منصب المدّعي العام العسكري، ونعرفه صديق وإنسان مهني ومتمكّن من عمله، أنا أشكك في التصريحات المنسوبة إليه بل يستحيل أن تصدر عنه، فعلاقته بحكم منصبه الحسّاس في ذلك الوقت الذي لا يوضع فيه إلا من يثق فيه النظام وأركان النظام ثقة كبيرة، وتربطه صلة شخصية قوية بـ”عبد الله السنوسي” يستحيل معها أن يصدر عنه مثل هذا الكلام، وهو على مستوى من العقل والإدراك لا يسمح له بقول كلام لا يصدقه عاقل، أنهم انتقلوا شخصياً وحقنوا الأطفال في تاجوراء ونقلوهم لبنغازي. 

س– من المستفيد في رأيكم من إثارة القضية اليوم؟

ج- لا نستطيع الجزم لكن ربما تصفية حسابات خارجية والمعركة الأساسية خارج ليبيا، والمطالبة بالتعويض ربما تكون طارئة كذلك، وموضوع شكري غانم وخادمة فلبّينية سرقت منه الأوراق التي كتبها في مفكّرته ونشرتها هو بكامله يدعو للتشكيك والتساؤل: لماذا الآن؟، عموماً ستبرز حقائق في الغالب قبل نهاية الشهر توضّح أكثر الغاية من ذلك.

سعلق وزير الخارجية السابق عبد الرحمن شلقم بأن القضية أقفلت سياسياً وقانونياً وأنه على المسؤولين الليبيين الرجوع للملفات في الخارجية، ما رأيك في هذا التصريح؟

ج- تعليقه بحكم خبرته وموقعه، قانوناً أقفلت بعد قبول التعويض وتغيير الحكم من إعدام إلى مؤبّد ثم بصدور العفو الخاص عن الممرّضات، وسوّيت سياسياً كذلك بدفع التعويض للضحايا من قبل بلغاريا وتشيكيا وقطر ولم تدفع ليبيا شيئاً، وانتهى الضغط المُمارس من حكومات الاتحاد الأوروبي، وزار ساركوزي ليبيا في ثاني يوم بعد رجوع الممرضات إلى بلغاريا لتبدأ صفحة جديدة معهم.

أما الحكومات الليبية فربما لم يصلهم الموضوع بعد لانشغالهم بأشياء أخرى، وربما لأن الموضوع له علاقة بالنظام السابق أو كلهم يترقّب من سيردّ، ولكن نحن نظرنا إلى أن الموضوع يتعلق بشهادة للتاريخ فذكرناها، دفاعاً عن الحقيقة وعن القانون الليبي وليبيا التي لا تتحمّل مزيدا من النّكبات.