عندما تذكر كلمة “مخدرات ” في مصر فإن أول ما يتبادر إلى الذهن مخدر الحشيش، حيث يلقى انتشاراً واسعاً، تضاعف عدة مرات في السنوات الأخيرة، كما يحظى بتسامح نسبي عند تعاطيه بين نسبة معقولة من المصريين، على عكس تونس ولبنان مثلا ، “الناس كلها بتشرب حشيش” هكذا يبرر “سمكة” – 27 عام – تاجر مخدرات – بيعه ل”الصنف”، ويستخدم هذا السبب وغيره لإسكات صوت ضميره الذي يمنعه من النوم ، ويدفعه كل ليلة ، للبحث عن عمل آخر .

مخدرات نعم … إدمان لا

عندما تذكر كلمة “مخدرات ” في مصر فإن أول ما يتبادر إلى الذهن مخدر الحشيش، حيث يلقى انتشاراً واسعاً، تضاعف عدة مرات في السنوات الأخيرة، كما يحظى بتسامح نسبي عند تعاطيه بين نسبة معقولة من المصريين، على عكس تونس ولبنان مثلا ، “الناس كلها بتشرب حشيش” هكذا يبرر “سمكة” – 27 عام – تاجر مخدرات – بيعه ل”الصنف”، ويستخدم هذا السبب وغيره لإسكات صوت ضميره الذي يمنعه من النوم ، ويدفعه كل ليلة ، للبحث عن عمل آخر .

مخدرات نعم … إدمان لا

“الحشيش مش إدمان”، يقطع ” وائل س” – 31- مهندس – سؤالي له عن إدمان الحشيش بهذا القول المأثور عن كون الحشيش ليس إدمانا ً، ليذكرني بالنكتة الشهيرة التي تحكي عن مريض يتعالج عند أخصائي للإدمان ويشكو له نظرة المجتمع الظالمة التي ترى أن تعاطي الحشيش نوع من الإدمان بينما هو يتعاطاه منذ خمسة عشر عاماً بشكل يومي، ولم يدمنه بعد!
يوضّح المهندس وائل نظريته بأن الحشيش لا يستدعيه، بينما يستدعي هو الحشيش لأسباب عدة، قبل العلاقة الحميمة مع زوجته يساعده الحشيش، عند السهر والخروج مع الأصدقاء يبهجه الحشيش، عند السفر لمسافات طويلة يؤنسه الحشيش، وبرغم ارتفاع سعره مؤخراً – ككل شيء – إلا أن وائل يراه معقول السعر وقليل الخسائر مقارنة بباقي المكيفات الأخرى.

وعن فكرة التحكم في المخدر نسأل دكتور أحمد عبد اللطيف استشاري الأمراض النفسية والعصبية وعلاج الإدمان ليخبرنا أنها حيلة نفسية من عقل المدمن الذي يرفض حقيقة كونه أسيراً للمادة المخدرة، ولفهم حقيقة الأمر يقسّم لنا عبد اللطيف الإدمان لنوعين: الفسيولوجي أو الكيميائي، والنفسي أو التعوّد، في النوع الأول يتلقى الجسم من الخارج مواد تشبه تلك التي يفرزها من الداخل لتسبب السعادة والبهجة وتخفف الألم، لكن بجرعات أكبر، ومع استمرار التعاطي لفترات طويلة يتوقف الجسم عن الافراز كرد فعل طبيعي، وهذا النوع هو الأخطر، ويحدث في حالة إدمان العقاقير الكيميائية والمخدرات المُخلًقة كالهيروين، وهناك النوع الآخر وهو الإعتماد النفسي أو التعوّد وفيه لا يتوقف الجسم تماماً عن الإفراز لكنه يقلل الكمية فقط ويحدث هذا في حالة المخدرات الطبيعية، كمشتقات نبتة القنب الهندي.

مقدار سعادة بقدر الثمن المدفوع 

وعن مخاطر الحشيش يخبرنا دكتور أحمد عبد اللطيف أن “الحب أعمى”، وأن السعادة التي تحققها السيجارة المحشوة تدفع متعاطيها للتغاضي عن كون هذا المنتج مخلوطاً بالعديد من العقاقير الكيميائية ، الأقل سعراً لكنها تُحدث تأثيراً مشابهاً، وتؤدي في الوقت ذاته إلى نوع أخطر من الإدمان، مزيجاً من النوعين السابقين.

وبالرغم من صعوبة أن تجد احتفالاً شعبياً بالزفاف دون حشيش، ولا أن تجد تجمعاً شبيابياً يتم إحياءه دون حرق “البخور الروحاني” المخدر، إلا أن هناك من يشكك في حقيقة ما يحدثه من شعور.. “الكيف وهم” بهاتين الكلمتين تختصر “سمية ب” – 29 عام – محاسبة-  رحلتها مع مخدر الحشيش، بعد سبع سنوات من التعاطي وعام من العلاج وثلاثة من الأقلاع، تقول أن الحشيش يعرف طريقه السريع لمهزوزي الثقة، فيمنحهم إياها، ففي شهورها الأولى بالدراسة الجامعية كانت خائفة من كل شيء بعد قدومها من محافظة السويس للعاصمة، لكن بعد الأنفاس الأولى في حمّام الفتيات، ذهب الخوف، وأعتادت على الأمور شيئاً فشيئاً، وعندما فكرت في الإقلاع وجدت أن “دخول الحمّام مش زي خروجه”، وبعد الأقلاع الكامل وجدت أنها كانت تدفع مالها وصحتها في مقابل اللاشيء، وأن صحتها أصبحت أفضل بكثير وأن تركيزها أصبح ضعف أيام التعاطي عشرة مرات على الأقل. 

صانع السعادة وجالبها

بعد الثورة 2011، أصيبت الدولة بفترة من الانفلات الأمني، نشطت على إثرها تجارة المخدرات عامة، والحشيش بشكل خاص، ورغم دعوات التقنين الخافتة إلا أن السلطات قد غلظت عقوبات الجلب والإتجار من عشرة أعوام لخمسة عشر ثم لخمسة وعشرين عاماً لتصل العقوبة إلى الإعدام في بعض الحالات، إلا أن “سمكة” يرى أن برغم كل هذه المخاطر فإن مهمة إيصال رسالته للبشر وإسعادهم لا تضاهيها رسالة، ولا تستطيع منعها حكومة، لا مؤبد ولا إعدام، وإنه وإن تم القبض عليه، فالمحيط واسع وبه ملايين الأسماك القادرة على توصيل رسائل السعادة للبشر وإمتاعهم.

وبالرغم من أفلاطونية فلسفة “سمكة” في تجارته للمخدرات ، إلا أن المكسب المهول الذي يصل لألف في المائة يغري سمكة وغيره – برغم التهديدات-  على الاحتراف في المجال، وبرغم لعبة القط والفأر الواضحة للعيان بين تجار المخدرات ورجال الداخلية ، إلا أن الأمر لا يخلو من هدنة بين وقت لآخر، بل لا يخلو من تعاون مشترك ، كالذي أثبتته النيابة في مايو الماضي ، من تورط سبعة وعشرين ضابط شرطة بينهم قيادات برتبة “لواء ” في إمداد عصابة “الدكش وكوريا” الشهيرة بتجارة المخدرات بالمعلومات السرية ، والتي تتعلق بتحرك القوات لمداهمة أوكارها.