“لست عروساً وقد لا أكون كذلك يوماً، ولكن سأستمتع بملابس العروس كلما سنحت الفرصة”، هذا ما قالته فاطمة (46عاماً) لـ”مراسلون” بينما كانت تجلس بلباس العروس الكامل في جناح أحد الجمعيات التراثية المشاركة في معرض ليبيا الزراعي الأول ببلدة تمنهنت في جنوب ليبيا.

فاطمة نحيلة القوام بشكل واضح، عيناها غائرتان وتلمعان كأنها تنظر للبعيد دوماً، تظهر قسوة الزمن واضحة في تقاسيم وجهها الذي تغطيه بمساحيق المكياج المختلفة، دون أن تنسى الحناء شديدة السواد على يديها الصغيرتين كي تكتمل حلة العروس.

“لست عروساً وقد لا أكون كذلك يوماً، ولكن سأستمتع بملابس العروس كلما سنحت الفرصة”، هذا ما قالته فاطمة (46عاماً) لـ”مراسلون” بينما كانت تجلس بلباس العروس الكامل في جناح أحد الجمعيات التراثية المشاركة في معرض ليبيا الزراعي الأول ببلدة تمنهنت في جنوب ليبيا.

فاطمة نحيلة القوام بشكل واضح، عيناها غائرتان وتلمعان كأنها تنظر للبعيد دوماً، تظهر قسوة الزمن واضحة في تقاسيم وجهها الذي تغطيه بمساحيق المكياج المختلفة، دون أن تنسى الحناء شديدة السواد على يديها الصغيرتين كي تكتمل حلة العروس.

لست جميلة

كانت حين التقيناها في المعرض نهاية سبتمبر الماضي تلبس رداء “المور” وهو أحد أهم ألبسة العروس في الأفراح الشعبية بالجنوب، حيث يلتف الرداء حول جسمها بشكل متناسق، وترافقه قطع كبيرة من الفضة تبدأ من خلخال في الرجل اليمنى، مرورا بالأساور والحجول كبيرة الحجم، وإنتهاءً بعصابة تلتف فوق الرأس تسمى “الوزرة”.

حكاية فاطمة بدأت منذ أن بلغ سنها الثلاثين عاماً، فهي أخت لأربعة فتيات تزوجن جميعاً حتى الأصغر منها فيما لم يتقدم لخطبتها أحد، تقول فاطمة “كان الزواج حلماً كبيراً في حياتي، منذ صغري وأنا أحلم بيوم ألبس فيها كالعرائس وأتزين بزينتهن، أدرك أني لست جميلة ولكن كان حلم الزواج يراودني رغم ذلك، رأيت في بلدتي من هن غير جميلات، ومع ذلك تزوجن”.

ما زاد مشكلة فاطمة هو أنها غير متعلمة، فقد توقفت عن الدراسة منذ الصف التاسع، وهذا أضعف فرص حصولها على الزوج، حيث أغلب الرجال حالياً يبحثون عن امرأة متعلمةٍ وعاملة، تقول “لا أملك الميزتين فضلاً عن كوني غير جميلة”، ولم تفلح محاولاتنا في إقناعها بأن الجمال أمر نسبي، تعتقد أن حديثنا من باب تطييب الخاطر الذي تعودت عليه دوماً على مدار السنين الماضية.

اضطهاد مجتمعي

فمع مرور الوقت كانت نظرات الشفقة والاستغراب تلتهمها في كل محفل تجتمع فيه نساء العائلة، حيث يطغى الموروث الاجتماعي الذي ينظر بعين الريبة لمن تأخرن عن ركب الزواج، تقول فاطمة “صرت أحفظ الكلمات والعبارات الموجهة لي، وأعرف مقصد صاحبتها هل تشفق علي أم تشمت بي”.

عبارات من قبيل “ان شاءالله ربي يجبيهالك زينة”، “خيرهم التريس عميوا؟ (ما بال الرجال أصيبوا بالعمى؟)”، “حتى انت زبطي أمورك وحوسي على روحك شوية (اهتمي بنفسك قليلاً)”، “والله كان عندي ولد ماياخد غيرك”.. وغيرها صارت من يوميات فاطمة منذ أكثر من ستة عشر عاماً.

تقول أن أملها في الزواج تلاشى مع الأيام، حتى بدأت رحلتها في الجمعيات المهتمة بالتراث الشعبي، وكانت هذه وسيلتها الوحيدة لتمثيل دور العروس وارتداء ألبستها والتمتع بلحظات الاهتمام بها.

جمعية تراثية

ثم اشتركت مع عدد من نساء بلدتها وأسسن جمعية تهتم بالتراث والتقاليد، وبدأن في تجميع مقتنيات تراثية، تكفلت فاطمة بجمع كل مايتعلق بالعروس، تقول “كنت أجمع ملابس العروس التراثية وكأنها ملابسي وكأني سأتزوج، كان الوضع غريباً ومربكاً ولكن فيه شئ من الظرف والطرافة أحببتهما” تقول فاطمة.

ومنذ ذلك الوقت صارت تشارك في العروض التراثية وهي تتقمص دور العروس، حيث تكون محور عروض الأفراح التراثية التي تشارك بها جمعيتها في المعارض والمحافل والمهرجانات في مختلف المدن الليبية.

تقول “لا أستطيع أن أحصي المرات التي ارتديت فيها ألبسة العروس بمختلف أنواعها، ولكن في كل مرة وكأني ألبسها أول مرة، أستمتع كثيراً عندما ينظر إلي الأطفال قائلين هيا العروس..هيا العروس”، وكأني عروس حقيقية.

واقع وتمثيل

بسعادة تصف فاطمة تفاصيل لبستها “بدلة المور”، وتوضح أنها تُلبس عادة في يوم “الثالث”، وهو ثالث يوم بعد يوم الخميس (يوم الدخلة)، حيث تحضر أم العروس ونساء بيتها بهذه البدلة، كما تلبسها أم العريس وأخواته المتزوجات ونساء بيته، ويبدأ الاحتفال طوال المساء ويتم خلالها تمشيط شعر العروس وزيادة حنائها على يد أحد العجائز الماهرات بالتمشيط.

هذا في الواقع، أما على الكرسي حيث تجلس فاطمة وحولها الفتيات اللواتي يلبسن أزياء مشابهة لزيها، سعيدة بكونها محور الجلسة ومحط الأنظار، تلتف حولها النساء ويتسابق الرجال للتصوير معها، وتتلمس الفتيات حليّها وأساورها، ويرقب الجميع حركاتها وسكناتها.

ومع كل هذا الاهتمام يستقر الحزن في نفسها، حزن لم تستطع الاحتفاليات المتتالية القضاء عليه، فبعد انتهاء المعرض أو المهرجان، ينفض الجمع عن فاطمة، وتنزع الملابس الاحتفالية، وتعود إلى ركن مظلم في البيت، تجر فيه حزنها وتتوحد فيه مع عالمها الخاص.

تعتقد فاطمة أن كثيرات من المشاركات في المعرض يأتين ويحدوهن الأمل في الحصول على فرصة للزواج، أمل لاتعيشه فاطمة التي اكتفت بتمثيل دور العروس، ويحز في نفسها أن الرجل دائماً هو من يملك قرار الحب والزواج والطلاق وقد يضع له جدولاً وخطة، “ميزة لانملكها نحن النساء في مجتمعنا، ونظل بسببها رهينات مقدار ماندخره من أموال، ومانملكه من مقومات الجمال والتعليم”.