بشكل مكثف تداول مستخدمو مواقع التواصل مؤخرًا مقطع فيديو لسائق توكتوك.

بدا حديث الرجل مثل تقرير يكثف معاناة نسبة كبيرة من المصريين، ويلخص الأوضاع السياسية والاقتصادية، بشكل يذكر بمقاطع كانت تصوّر وتبث بشكل عشوائي خلال أيام ثورة عام 2011 وما تلاها من أحداث بما يذكر بالكثير من الخطباء الشعبيين الذين لاقوا استحسانًا من مستخدمي الإنترنت.

بشكل مكثف تداول مستخدمو مواقع التواصل مؤخرًا مقطع فيديو لسائق توكتوك.

بدا حديث الرجل مثل تقرير يكثف معاناة نسبة كبيرة من المصريين، ويلخص الأوضاع السياسية والاقتصادية، بشكل يذكر بمقاطع كانت تصوّر وتبث بشكل عشوائي خلال أيام ثورة عام 2011 وما تلاها من أحداث بما يذكر بالكثير من الخطباء الشعبيين الذين لاقوا استحسانًا من مستخدمي الإنترنت.

كان أبرزهم  شخص مجهول سماه مستخدمو الإنترنت بالخباز الفصيح، والذي سرعان ما تم نسيان بلاغته وحفاوة الناس بها. (نشر في مارس/ أذار 2011) كما أن هذه النوعية من الشكاوى تذكر بشكاوى الفلاح الفصيح المنسوبة لفلاح فرعوني يسمى “خن – أنوب” عاش في حكم الأسرة التاسعة في الدولة المصرية القديمة.

في الأساس ينتمي مقطع “خطبة التوكتوك” إلى برنامج “واحد من الناس” (تنتجه شبكة قنوات الحياة)، الذي سرعان ما حذف من حساب مقدم البرنامج عمرو الليثي على موقع يوتيوب، لكن المقطع عاد مرة أخرى إلى الإنترنت ليزداد تحليله وتتصاعد سخونة التعليقات بشأن ما جاء به.

خطاب الماضي المُحبب للجميع

عادة يكون سائق التوكتوك مطاردًا من جانب وزارة الداخلية لأنها مركبة تقل الركاب دون ترخيص، لكن سائق التوكتوك، بطل هذه القصة لم يطارده أحد لهذا السبب وإنما لأنه قدم خطابا كان مربكًا للبعض ومعبرًا عن معاناة البعض الآخر.  

يتمسك السائق بمكانة مصر العظيمة، حيث يرى المتحدث المفوه أن هذا البلد ليس مقبولًا أن تكون أوضاع سُكانه المعيشية سيئة، ألا يتوافر السُكَر ليضاف إلى فنجانين القهوة أو الشاي الخاصة بسكانه. كما يشكو من الغلاء، وغياب بعض السلع عن الأسواق.

يجلس الرجل في التوكتوك وأمامه ميكروفون، بينما عمل فريق البرنامج على تقديم شكواه بشكل يثير الشجن ويحقق تأثيرًا أكبر، حيث تصاحبها موسيقى مؤثرة، مع معالجة ومؤثرات بصرية مُصاحبة.

قدمت شكوى السائق الفصيح بشكل جيد. تنوعت التعليقات حول الفيديو بين التأثر والسخرية، تزايدت التعليقات الخاصة بكون المسألة معدة مسبقًا أو للدقة مفتعلة، خاصة أن الرجل تحدث بطريقة مرتبة، كان أقرب لمغني راب “يرص” كلماته ليحقق إيقاعًا مؤثرًاعلى آذان مستمعيه، دون أن يلمح المشاهد أي ارتباك من الظهور المفاجيء أمام الكاميرا. كما حافظ على الإيقاع ودرجة الصوت الواحدة طوال 3 دقائق، مدة الرسالة.

عَقَدَ مقارنة بين شكل مصر على شاشات التليفزيون وواقعها، معتبرًا أنها تبدو على الشاشة مثل العاصمة النمساوية فينيا بينما واقعها أقرب لكونها “بنت عم الصومال”. بلد أنجزت “مشاريع قوية ملهاش لازمة”، على حد تعبيره، لكنها تدفع ثمن ذلك الآن مع تدهور الاقتصاد وتراجع الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة.

خلال الساعات الماضية تم تحليل ودراسة كل ما جاء في فيديو الدقائق الثلاثة، خاصة أنه إلى جانب طريقة عرضه الشيقة يعيد تقديم تصوّر عن مصر بوصفها الدولة الكبيرة. أسلوب يعتمد على الفخر بقوة البلاد وماضيها. يتراوح هذا الأسلوب بين الكسل والحنين، رغم أن لا فائدة أو طائل منهما.

التمسك بهذه الصورة لا يخص سائق التوكتوك وحده وإنما تواظب الدولة على ذلك، حيث تقدمها للهروب ومن أجل رفض النقاش حول واقع البلاد وتدني أوضاع أهلها. بينما يوظف خطاب السائق هذه الصورة عن مصر ليبرز الفشل المتجسد في كل مجال بها، لكن كون هذا الفيديو مصدره برنامج يقدمه عمرو الليثي، الذي كان مقربًا من الرئيسين الأسبقين محمد حسني مبارك ومحمد مرسي فقد تحوّل إلى حالة تصنع جدلًا وتحمل من الشكوك أكثر مما تدفع إلى التحليل.

بعض التعليقات تربط السائق بخطاب تطرحه بعض المؤسسات الأمنية والقوى المحسوبة على نظام ما قبل ثورة 2011، بينما رجحت تعليقات أخرى أن المستشار الإعلامي السابق لمرسي قدم في برنامجه خطابا لمدرس إخواني متنكرًا في هيئة سائق توكتوك.

يبدو كل ما سبق مفهومًا خاصة مع استمرار حالة من تقييد الحريات وإغلاق المجال العام بما يترك مساحة لنمو خطابات وتحليلات عن لعب أو صراع الأجهزة الأمنية المختلفة وأن تكون كل الأحداث متصلة بشكل أو بأخرى بسياسات أمنية لاحتواء غضب الناس.

من ناحية أخرى ينتشر بشكل منظم حديث حول حراك سيبدأ في 11/11 المقبل، دون أن يكون خلف هذه الدعوة جهة محددة.  إلا أن ما تحدث عنه السائق صحيحًا، حيث تنامت شكاوى الناس من الغلاء، وتراجعت قيمة الجنيه المصري أمام الدولار مع انخفاض الاحتياطي النقدي وغياب سلع مستوردة أساسية عن الأسواق. المعيشة صارت صعبة على الجميع، لكن ذلك لم يمنع التحليل المفرط لخطبة التوكتوك، ومحاولة سحبها نحو معسكر الإخوان، من جانب عدد من الإعلاميين المصريين في مقابل طرحه كسيناريو غامض لحدث أكثر غموضًا حول حراك تشرين الثاني المقبل!

في انتظار الحدث الغامض الكبير

لم يبدأ الحديث عن 11/11 من الإعلام ولا مستخدمي مواقع التواصل، بل جاءت بدايته دون تواصل مع الأحزاب أو القوي السياسية أو دوائر النشطاء كذلك.

“ثورة11 نوفمبر” (تشرين الثاني)، المزعومة، تبدو كمسألة يتداولها الناس في الشوارع والمواصلات، كحَلَ لكل ما يعانون منه، في ظل التوتر وصعوبة تخيل أي حراك جماهيري خاصة مع تغليط عقوبات التظاهر وتزايد عدد المحبوسين لمشاركتهم في تظاهرات أو قفات احتجاجية.

من ناحية أخرى حللت صفحة “11 نوفمبر ثورة المصريين الحقيقية ضد العسكر والإخوان” على موثع فيسبوك خطبة سائق التوكتوك بأنها تعبر عن حتمية ثورة الغلابة.  كما ذهب التحليل إلى أن حذف عمرو الليثي للفيديو لن يعطل الانفجار القادم.

من ناحية أخرى بدأت تصل رسائل نصية لهواتف المواطنين تدعوهم للتأهب لثورة “الغلابة”، ثم  ينتقل الحديث بين الناس ليس من خلال الإعلام أو مواقع التواصل وإنما يسمع في الشارع أو يتردد داخل المواصلات العامة وسيارات التاكسي. يحكيه حراس العقارات للسكان و يدعو عمال المقاهي زبائنهم للمشاركة معهم في هذا الحدث الغامض الكبير.

هذه المسارات، التي يتحرك بها الحديث السياسي الجديد كانت مرتبطة بـ “المواطنين الشرفاء” وصلاتهم السرية بأجهزة أمنية محددة.. لنشهد حديثًا غامضًا بشأن حراك لا يقل غموضًا، ويقدم كحل سحري دون أن يفهمه أحد كذلك.  

من ناحية أخرى تواصل أحد مستشاري رئيس الحكومة شريف إسماعيل مع عمرو الليثي من أجل الوصول إلى سائق التوكتوك. كما يدرس مجلس الوزارء تنظيم جلسة تجمع بين الوزراء وعدد من المواطنين المصريين على رأسهم السائق الذي حرّك الواقع الراكد قليلا.

قد يتكرر مونولوج الخطيب المفوه عن صورة مصر بين الماضي والحاضر على ألسنة جديدة، وتتزايد التحليلات والتفسيرات لمشاكل مصر وحلولها المقترحة، دون أن نتقدم خطوة نحو التنفيذ، ليزيد الترقب ويتنامي التوتر ولا شيء يحدث بينما تتدهور أوضاع المعيشة.

روابط:

https://www.youtube.com/watch?v=EAhmuVDy9tw

https://www.youtube.com/watch?v=9IPL9MDASa0