ذهب المحامي محمد صادق -36 سنة-  لمحطة قطار الجيزة يوم 30 أغسطس الماضي ليقوم بتوصيل أحد أقاربه للقطار، فقامت قوة من رجال الشرطة بالقبض على صادق عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين بسجن العقرب. بعدها حاولت أسرته الوصول لأي معلومات عن مكان احتجازه، وسبب إلقاء القبض عليه لكن نفت وزارة الداخلية علمها بالأمر، الأمر الذي دفع المحامي على أيوب بتقديم بلاغ  للنائب العام حمل رقم ١١٢٥٣ لسنة ٢٠١٦ ضد وزارة الداخلية  للإفصاح عن مكان  المحامى المختفى قسرياً . المحامي على أيوب، صديق محمد صادق، قال إن الهدف من خطف صادق هو ترهيب أهالي المعتقلين والمختفين والمدافعين عن قضيتهم، أمثال المحامي محمد صادق،  وأن حادث اختطاف صادق هو استمرار لسياسة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية في إرهاب المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان ، ومحاولة إثناءهم عن القيام بدورهم في دعم ضحايا الانتهاكات، وذلك بالقبض عليهم أو خطفهم والتعدي عليهم، وتعذيبهم حتى الموت، مطالباً بسرعة الإفصاح عن مكان المحامي المختفي قسريا وإخلاء سبيله، وفتح تحقيق عاجل وموسع بخصوص الواقعة .

الأمر المثير للأسى أن اختفاء محمد صادق جاء في اليوم العالمي للاختفاء القسري.

***

تتضارب الأرقام حول عدد المختفين قسرياً ما بين الجهات الحكومية والحقوقية، ما بين زيادة أو نقصان، حيث أوضح التقرير السنوي للمجلس القومى لحقوق الإنسان –الجهة الحقوقية التابعة للدولة- أن قوائم حصر المختفين قسرياً في الفترة بين أبريل 2015 وحتى نهاية مارس 2016  بلغت 266 حالة تم إحالتها إلى وزارة الداخلية، بينها 27 حالة قالت وزارة الداخلية إنها أفرجت عن اصحابها عقب تأكدها من عدم تورطهم في اعمال مخالفة للقانون، فيما بقي 143 اخرون محبوسين احتياطيا على ذمة التحقيق. ونقل بيان المجلس عن وزارة الداخلية قولها انها ليست مسؤولة عن اعتقال 44 شخصا تم الابلاغ عن فقدانهم، مرجحة ان يكونوا قد اختفوا لاسباب اخرى، بينها الانضمام الى مجموعات جهادية. فى الوقت الذى أعلنت فيه منظمات حقوقية تقدمها لبلاغات إلى فريق العمل المعني بالاختفاء القسري فى المجلس الدولى لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة الذي أحالها بدوره للحكومة المصرية،  وأعلنت رابطة المختفين قسرياً أنها ستتقدم ببلاغات ضد أعضاء المجلس القومى الذين أصدروا التقرير الأخير  لمغالطته للواقع.

فقد رصدت حملة “اوقفوا الاختفاء القسرى” التى أطلقتها المفوضية المصرية 215 حالة اختفاء فقط خلال شهري أغسطس وسبتمبر ، ظهر منهم 63 حالة في أقسام الشرطة ومعسكرات الأمن المركزي، وما زال الآخرين مختفين، كما أعلنت منظمة العفو الدولية عن ارتفاع غير مسبوق في حالات الاختفاء القسري خلال عامي2016، 2015، ووجهت المنظمة أصابع الاتهام  لقطاع الأمن الوطني في مصر  بأنه المسئول عن اختطاف وتعذيب الطلاب والنشطاء السياسيين والمتظاهرين، من بينهم أطفال لا تزيد أعمارهم عن 14 عاما، وهو الأمر الذى نفته وزارة الداخلية مؤكدة بأنها “لا تعرف ما يُعرف باسم” التعذيب ” أو “الاختفاء القسرى”، وأن جماعة الإخوان الموجودة خارج مصر هى التى تروج لتلك المزاعم، ومنهم هاربين من أهلهم أو لخارج مصر .

***

قالت أم محمد: “تم القبض على  ولديها محمد أشرف السيد – 21 سنة –  يدرس فى الفرقة الثانية بكلية التجارة القسم الانجليزي، وشريف -20 سنة- فى الفرقة الثانية بكلية الهندسة جامعة سوهاج. يوم 24 أغسطس 2016 من محل سكنهم بمنطقة البصراوي بحي امبابة التابع لمحافظة الجيزة، من خلال أفراد تابعين للشرطة، واختفوا من وقتها، ولم يعلم أحد أماكنهم، وعندما قاموا بتواصل مع القسم والنيابة نفت تواجدهم أو القبض عليهم، كما تقدموا بالشكاوى والبلاغات لنيابات قسم امبابة وسوهاج، والمنظمات الحقوقية والنائب العام.

وأشارت إلى أن حالة محمد المرضية غير جيدة لإجرائه عملية  قلب مفتوح قبل شهور، لمعاناته  من ارتجاع بالصمام الاورطى، مؤكدة بأن احتجازهم فى مكان مخفى وغير معلوم جريمة ضدهم ويعطى مؤشر لتعذيبهم وقد يصل لقتلهم”.

***

يقول المحامي إبراهيم متولي ورئيس رابطة المختفين قسرياً،  إن جريمة الإختفاء القسري من أبشع الجرائم على الإطلاق، حيث أنها تعزل المختفي عن حياته وعن إنسانيته، وتترك أسرته في قلق دائم لا ينتهي، مؤكداً بأنه لا يمكن لأي جهة غير النائب العام ووزارة الداخلية تحديد عدد المختفين قسرياً، لوجود صعوبات عديدة أقلها إحجام أهالي الضحايا عن الإبلاغ عن حالات الاختفاء سواء للتهديد او الخوف او عدم الثقة في الجهات الحكومية،ومع ذلك وثقت بعض المنظمات الحقوقية أعداد المختفين وصلت في بعض التقديرات إلى 3500 حالة سواء من تم رصده أو توثيقه، معظمهم ظهر على ذمة قضايا ملفقة، أما الذين لم يتم معرفة مصيرهم حتى الآن فقد قدرتهم بعض المنظمات بمآ يزيد عن 500حالة .

وأضاف بأن الرابطة تواصلت فعلياً بما يقارب من مائتين أسرة، مشيراً إلى أن تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان الأخير فقد تحدث عن عدد الشكاوي المقدمة إليه فقط وعددها تجاوز الستمائة شكوي ولم يتناول أعداد المختفين حسب الشكاوي المقدمة للنائب العام أو الداخلية .

***

عبدالرحمن جمال محمد، طالب بكلية العلوم الفرقة الثانية قسم بيولوجي، تم إلقاء القبض عليه يوم 25 أغسطس 2016 ، من قبل أفراد تابعين للشرطة يرتدون الزي المدني، قاموا بالقبض عليه مع 4 أشخاص آخرين. بحسب عائلته ربما يكونوا محتجزين بأحد قطاعات الأمن الوطني، قامت أسرته هي الأخرى بتقديم شكاوى وبلاغات للنائب العام، ووزارة الداخلية، والمجلس القومي لحقوق الانسان، ولم تتواصل إلى أماكنهم ..

***

يقول محمود تاج الدين، الشقيق الأصغر  لمحمد تاج الدين -35 سنة-   أن شقيقه تم القبض عليه بمطار القاهرة  أثناء سفره إلى دبى يوم 10 نوفمبر 2015،  وتم الاتجاه به  لمبنى الأمن بمدينة 6 أكتوبر، ثم قاموا بتفتيش المنزل، والقبض عليه هو الآخر، ولكنه خرج وظل محمد حبيسا، ثم أختفى من هناك مع إنكارهم تواجده وانقطعت أخباره من وقتها، مؤكداً بأنه توجه بالعديد من الشكاوى للنائب العام، ووزراة العدل، الداخلية، آخرهم من حوالى اسبوعين دون نتيجة.

محمد يعمل كتاجر ملابس، متزوج ولديه 8 أطفال، أكبرهم في الصف السادس الابتدائى وأصغرهم سنتين، ويعيش فى شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية.

***

تروي والدة محمد العطار، الذى اختفى فى شهر يناير 2016 ، واستمر مختفيا لمدة 35 يوم، حيث تم القبض عليه من امتحان الفرقة الرابعة شريعة إسلامية، من داخل الجامعة أثناء الامتحان، حتى اكتشف أهله بالصدفه تواجده بسجن طره من خلال أحد المعارف، ومن خلال زيارته اكتشفوا تعرضه للتعذيب بوضع الكمامة على عينيه طوال مدة الحبس التي زادت عن شهر بأحد مقرات أمن الدولة، بجانب وضعه عارياً فى السجن فى ظل البرد القارس بالشتاء، وذلك ما اثبته تقرير الطب الشرعى، حيث وصفت والدته حالة ابنها محمد الذي اختفى وظهر بعد 35 يوم فى طره، بأنه يعانى من حالة نفسية لما تعرض له من تعذيب وإهانة، وذلك أثناء زيارتها له التي لا تتعدى نصف ساعة أسبوعية.

كما تعاني أسرتهم من اعتقال أبنائها أحمد وعبد الله، الذين يعملون على سيارة والدهم “النصف نقل” التى تم تحريزها فى القسم هي الأخرى، بتهم فضفاضة من تهديد الأمن القومى، لم تثبت عليهم، وما زالت الأسرة تعاني من اعتقال أبنائها الثلاثة بلا عائل لهم ، مع وجود أب مريض بالكبد، وأم تعانى لتوفير لقمة عيشهم.

***

قالت رضوى داوود، أحد مؤسسي رابطة أهالي المختفين قسرياً – اختفى زوجها، مدرس اللغة العربية – 40 سنة-  منذ عام 2013، وتم القبض عليه من الشارع أثناء فض إحدى المظاهرات – أن الرابطة جمعت 1860 حالة اختفاء قسرى خلال ال3 سنوات الماضية، منها ما ظهر، وما زال 330 قيد الاختفاء ولم يظهروا إلى الآن وذلك ما تم توثيقه، ولكن ما أعلنه المجلس القومى مغالط للحقيقة، ولم يعلنوا كافة الأرقام الموثقة، وأنهم فى الطريق لرفع قضايا ضد الحقوقين بالمجلس القومى لحقوق الإنسان لعدم توثيق بعض الحالات وتقليل أعداد المختفين.