بما أن أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستورمنتخبون، فهذا يعني أن لديهم قيماً وتصوراتٍ وتوجهاتٍ مختلفة نحو القضايا المطروحة في العملية الدستورية.

وكون مسألة حقوق الإنسان وحرياته هي من أكثر القضايا التي تتباين الآراء حولها، التقى “مراسلون” الدكتور مراجع علي نوح عضو لجنة العمل بالهيئة، وطرح عليه جملة من الأسئلة لتوضيح كيف تعامل أعضاء الهيئة مع إشكاليات هذا التباين في نص المسودة المقدمة إلى مجلس النواب بهدف إصدار قانون للاستفتاء عليها.

بما أن أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستورمنتخبون، فهذا يعني أن لديهم قيماً وتصوراتٍ وتوجهاتٍ مختلفة نحو القضايا المطروحة في العملية الدستورية.

وكون مسألة حقوق الإنسان وحرياته هي من أكثر القضايا التي تتباين الآراء حولها، التقى “مراسلون” الدكتور مراجع علي نوح عضو لجنة العمل بالهيئة، وطرح عليه جملة من الأسئلة لتوضيح كيف تعامل أعضاء الهيئة مع إشكاليات هذا التباين في نص المسودة المقدمة إلى مجلس النواب بهدف إصدار قانون للاستفتاء عليها.

س- في المادة الثامنة من مشروع الدستور المقترح وردت إشارة إلى “المذاهب والاجتهادات المعتبرة شرعاً” لمساندة الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، ما هي هذه “المذاهب والاجتهادات” المشار إليها لتفسير أحكام الدستور؟

ج- جاء في النص بأن الشريعة الإسلامية مصدر التشريع، وليست المصدر الوحيد للتشريع، والفرق بين الاثنين كبير وشاسع، لأن القول بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع يصطدم مباشرة بإشكالية البحث عن المرجعية التشريعية للمسائل والأمور التي تركتها الشريعة نفسها دون أن تبت فيها أو تحدد لها أي حكم على الإطلاق، أو تركتها بشكل كلي شمولي شديد العمومية، وتركت التفصيل بشأنها لرأي واجتهاد الناس بحسب ظروف زمانهم ومكانهم، وبحسب ما تقتضيه وتمليه حاجاتهم ومصالحهم، ونعتقد بأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم “أنتم أعلم بشؤون دنياكم” هو قول الفصل الذي يضع الحد لأي جدل حول هذه المسألة.

ونظراً للتنازع الدائر حول تفسير كلمة الشريعة الإسلامية، هل تعني المصادر الأصلية والتبعية (القرآن والحديث)؟ أم يقصد بها أيضاً الفقه وما فيه من تعدد المذاهب والاجتهادات؟، لهذا اتفق أعضاء الهيئة على إبقاء تفسير الأحكام وفق المذاهب والاجتهادات المعتبرة شرعاً من غير إلزام برأي معين.

لأن النصوص قطعية الثبوت والدلالة، وهي النصوص المقطوع بنسبتها إلى الشرع كالقرآن والسنة المتواترة، وهي النصوص التي لا مجال للاجتهاد فيها تبقى قليلة على كل حال، وبالتالي أوجب مشروع الدستور اللجوء إلى الاجتهادات والمذاهب المعتبرة فقط، دون تحديد، وهذا يعطي الفرصة للخروج عن المذاهب الفقهية السنية المعروفة والمشهورة الأربعة، ويمنح الفرصة للاستفادة من جميع مذاهب أهل السنة والجماعة، التي تتعدى خمسين مذهباً، ومن أشهرها على سبيل المثال مذهب الليث بن سعد، وهو فقيه مصر وقال فيه الشافعي “الليث أفقه من مالك”، ومذهب الظاهري، والثوري، والأوزاعي، وغيرهم الكثير، وكذلك عدم حصر الرأي بآراء الفقهاء المشهورين، و لكن يجب الاستفادة من آراء الفقهاء الأخرين، على أن تكون في دائرة مذهب أهل ليبيا وهو المذهب السني.

س- في إطار الاحتكام للشريعة أيضاً جاء في الفقرة الثالثة من المادة رقم (170) دعم المرأة وضمان عدم التمييز ضدها، كيف يمكن النظر في حقوق المرأة ودعمها من حيث المساواة بينها وبين الرجل في مسألة الميراث مثلاً بما يخالف الشريعة؟

ج- الشعب الليبي شعب مسلم يحتكم في تشريعاته إلى الإسلام، وكما جاء في المادة الثامنة الشريعة الإسلامية مصدر التشريع عليه لا يعتبر الفرق بين الرجل والمرأة في الميراث مظهر إجحاف، كون ذلك جاء عن طريق نصوص قطعية الثبوت والدلالة، ثم إن المرأة في حالات عدة تنال نصيباً من التركة أكثر من الرجل.

جاء في المادة (57) الموصوفة بدعم حقوق المرأة “النساء شقائق الرجال….”، وهذه الكلمات هي استهلال لحديث شريف، وكلمة شقائق تعني النظير أو المثيل وبالتالي الإسلام جعل من المرأة نظيراً للرجل ومساوياً له في الحقوق، أيضاً ورد في نفس المادة “حظر التمييز” ولم يقل “منع” وهو أشد حالات المنع، كل ذلك حفاظاً على مكانة المرأة في المجتمع.

ثم لم يأتِ نص واحد على منع حق للمرأة ولو كان هذا الحق سيادياً كمنصب رئاسة الدولة، ففتح الباب مشرعاً أمامها لتوليه في حال كسب الثقة من الشعب عن طريق الاقتراع.

س- المادة (172) من المسودة نصت على إنشاء “مجلس البحوث الشرعية”، هل هذا المجلس هو بديل عن دار الافتاء و هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية، هل سيحل المجلس محل المفتي؟

ج- نعم.. مجلس البحوث الشرعية سيكون بديلاً عن دار الافتاء، وقد أُسندت إليه وظائف معينة كإصدار الفتاوى الفردية في شؤون العقائد والعبادات، والمعاملات الشخصية، وإعداد البحوث الشرعية وغيرها.

أمّا الفتاوى العامة فيجب ألا تصدر إلا بأمر وطلب من سلطات الدولة، لمنع فوضى إصدار الفتاوى، والشيء المهم هو كيفية تشكيل مجلس البحوث ويراعى فيه اختيار أعضائه عن طريق التوزيع الجغرافي وبمعرفة السلطة التشريعية، ويشغل العضو المنصب لمدة محدودة تقدر بست سنوات، ويجب أن يكون شغل منصب الرئيس والنائب لمدة ثلاث سنوات، وبطريقة التناوب.

س- بالعودة لموضوع الحقوق تنص الفقرة الثانية من المادة (12) على منح الجنسية لمن ولد لأم ليبية “وفق ما ينظمه القانون”، هل نفهم من ذلك إن ابن الليبية هو ليبي، والقانون ينظم ما له وما عليه من حقوق فقط؟ أم للمشرع الحق في منحه الجنسية من عدمها؟

ج- فتح المُشرع الدستوري الباب أمام المُشرع القانوني، بل وجعل مرجعية هذا النص في شطره الثاني تحديداً قانونية، بمعنى أن الأمر يرجع إلى المُشرع القانوني لوضع الشروط والمحددات المطلوبة في منح الجنسية، لأولاد الليبيات المتزوجات من غير الليبيين، تماشياً مع الاتفاقيات الدولية التي تحرص على منح هذا الحق.

تكاملاً مع هذا النص يجب أن ننظر بعين الاهتمام والحرص إلى المادة (58) الفقرة (6) والتي قامت بإيلاء أولاد الليبيات الأجانب كافة الحقوق التي يتمتع بها المواطن، ما عدا الحقوق السياسية والتي أبرزها حق الانتخاب والترشح.

س- وعلى ذكر الانتخاب والترشح ورد في المادة (110) الفقرة الثالثة من مسودة مشروع الدستور “ألا يكون المترشح لرئاسة الجمهورية زوجاً لأجنبي أو أجنبية”، أليس في ذلك مصادرة لحق من حقوق شريحة من الليبيين؟ وأين تكمن المصلحة الوطنية في هذه المصادرة؟

ج- ليس ثمة أية مصادرة هو فقط من ناحية تنظيمية يقصد به المحافظة على سرية ما يؤول إليه المنصب من أسرار واطلاع شاغله على أمور سيادية، وبالتالي عندما يكون أقرب الناس إلى الرئيس لا ينتمي إلى الأصل الليبي وصاحب جنسية أخرى، قد يكون ولاؤه منقسماً أو منحازاً إلى موطنه الأصلي وبالتالي يقتضي الأمر التحوط والسرية.

س- في المادة ذاتها الفقرة الأولى تقول “يشترط في المترشح لرئاسة الجمهورية أن يكون ليبياً مسلماً لوالدين مسلمين”، لماذا التقوقع في هذه الزاوية؟ وما الضير إذا ما كان المترشح أمه ليست مسلمة؟

ج- أكرر الحديث في هذه الفقرة عن منصب سيادي يتمثل في رئاسة الدولة، وبالتالي يتوجب الاحتياط من كل شبهة، وأعتقد بأن الدول المتقدمة أو الموصوفة بالديمقراطية أيضاً تمنع قوانيها الداخلية مثل هذه الحالات، في ألمانيا يوجد حزب ألمانيا المسيحي، وفي أمريكيا لم يعتلِ منصب الرئيس الا أصحاب المذهب “البروتستانتي”، وعندما تولى (جون كينيدي) الرئاسة وهو “كاثوليكي” تم اغتياله.

وعلى العموم هو شرط يسبق التقديم، ولا توجد اتفاقية أو معاهدة دولية تعتبر ذلك خرقاً لحق من حقوق الإنسان.

س- لا زلت أتحدث عن المادة ذاتها، وفي الفقرة الخامسة منها نص على “تعزيز التعاون مع منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية”، ما أوجه التعاون مع منظمات حقوق الإنسان التي تطالب ـ على سبيل المثال ـ بالحق في حرية المعتقد أو الضمير، و كذا حقوق المثليين جنسياً؟

ج- نصت الفقرة على ضرورة تعزيز التعاون مع المنظمات الوطنية أولاً، ثم جاءت المنظمات الدولية ثانياً، في كل الأحوال التعاون يأتي في ضوء ما وافقت عليه ليبيا في اتفاقيات دولية صادقت عليها السلطة التشريعية.

أما ما تحفظت عليه ليبيا من فقرات في اتفاقيات كاتفاقية “سيداو” المختصة بشأن عدم التمييز ضد المرأة، حيث تحفظت ليبيا على عدة فقرات منها الفقرة الثانية، لا تكون الدولة ملزمة بتفعيلها.

وهذا الشيء يرتبط بكثير من الأمور كالمخالفة لثوابت الدين، أو الأمن القومي أو المصلحة، الولايات المتحدة انسحبت من المنظمة العالمية للعمل عندما قامت هذه المنظمة باستنكار أعمال دولة اسرائيل ضد الفلسطينيين، أو عندما رفضت التوقيع على معاهدة “اكيوتو” بشأن الحد من انبعاث الغازات السامة عندما وجدت في توقيعها على المعاهدة إضراراً بمصالحها الصناعية والتنموية.

س- كيف يمكن الكشف عن “حقيقة المنازعات المجتمعية ومعالجتها لتحقيق المصالحة الوطنية” المشار إليها في الفقرة الثالثة من المادة (198)؟

ج- يتم الكشف عن المنازعات المجتمعية عن طريق التحقيق وتتبع الاستدلالات لمثل هذه المنازعات، وذلك عن طريق هيئة العدالة الانتقالية والمصالحة التي ورد النص عليها في المادة (197) الفقرة (6) حيث ستصمم البرامج المتعلقة بالعدالة والمصالحة وفق قواعد الفاعلية والشمولية، في إطار الاستفادة من التجارب السابقة لكثير من الدول والتي مرت بحالات اشبه بالحالة الليبية من الاحتراب والتنازع المسلح، ايضاً ضمان أن تكون هذه اللجان مكونة من المكونات الثقافية المختلفة، التي ورد ذكرها في النصوص الدستورية كالتبو والأمازيغ و الطوارق، لضمان الحياد والاستقلال والكفاءة.