تقرير: وليد بكاكو (سبها)

 

“لم أكن أتخيل أن يأتي يوم أقوم فيه بحرق نخلاتي بيدي”، هكذا بدأ المزارع محمد كربللو يروي بحسرة كيف اختار ذلك ليكافح حشرة قضت على معظم محصول مزرعته بمنطقة أقار عتبة (960 كلم جنوب غرب طرابلس).

بعد فوات الأوان

تقرير: وليد بكاكو (سبها)

 

“لم أكن أتخيل أن يأتي يوم أقوم فيه بحرق نخلاتي بيدي”، هكذا بدأ المزارع محمد كربللو يروي بحسرة كيف اختار ذلك ليكافح حشرة قضت على معظم محصول مزرعته بمنطقة أقار عتبة (960 كلم جنوب غرب طرابلس).

بعد فوات الأوان

تشتهر “أقار عتبة” بزراعة أشجار النخيل التي تنتج صنوفاً عدة من التمور أهمها ” التافسرت” المعروف بانخفاض نسبة السكر فيه، ولكن نتيجة لإصابة مساحات شاسعة من تلك المزارع بآفة “الحشرة القشرية” انخفض الإنتاج بشكل كبير حسب ما أكده كربللو لـ”مراسلون”، ما عرض غالبية المزارعين لخسارة كبيرة، حيث كانوا في السابق يجنون كميات تُقدر بمئات الأطنان من التمور، وبسبب هذه الحشرة تراجع الإنتاج إلى أطنان معدودة لا تعوض حتى نصف المجهود الذي قام به المزارعون هذا الموسم.

يضيف المزارع الستيني الذي يملك مزرعة مساحتها 12 هكتار مغروس به أكثر من “300” نخلة أن “270” منها أصيبت بهذه الحشرة، ويذكر أن الأمر بدأ منذ العام 2010، ولكن الإصابة في ذلك الوقت كانت محدودة حسب كلامه.

في عام 2016 انتشرت “الحشرة القشرية” في أكثر من نصف نخلات كربللو، ليضطر لحرقها ظناً منه أنه سيقضي على تلك الحشرة التي بالكاد يمكن رؤيتها، ولكن الحرق لم يكن حلاً أبداً حسب ما قاله أحد المهندسين الزراعيين لكربللو بعد أن نصحوه بالتنظيف والوقاية، “ولكن بعد فوات الأوان” يقول.

“تقتل النخيل”

هذه الحشرة لم تكن معروفة في المنطقة من قبل يقول المهندس الزراعي “علي الديب” لـ”مراسلون”، ومن خلال متابعته يؤكد الديب أن الحشرة انتقلت عن طريق فسائل مصابة، تم جلبها من منطقة “وادي عتبة” (930 كلم جنوب غرب طرابلس).

ويتابع المهندس المتخصص في وقاية النبات التابع للمركز العربي لأبحاث الصحراء أن الاسم العلمي للحشرة القشرية هو (Asterolcanuim phpenicis)، وهي إحدى الحشرات الخطيرة التي تصيب النخيل، “لاحظنا تواجدها في عام 2013 لأول مرة في وادي عتبة”، ومع نهاية 2015 رصد الديب وزملاؤه تواجدها أيضاً في منطقتي “مرزق” و”ادليم” (750 كلم جنوب غرب طرابلس) ما يدل على سرعة انتشارها بحسب الديب.

وبشكل من التفصيل يقول المهندس إن هذه الحشرة تقتل النخيل، فهي تصيب جميع أجزاء شجرة النخيل باستثناء “الجذع”، مسببةً توقف نمو الأشجار وبالتالي موتها، ويصف الأشجار المصابة كأنها تعرضت لصهد ناري، “وحتى الثمار يطالها أذى الحشرة فتصبح غير قابلة للاستهلاك”.

يزيد كربللو على ما قاله الديب أن الإصابة في مزرعته بدأت في الأشجار القصيرة، لكنها مؤخراً انتشرت في الطويلة منها ذات 10 و15 متراً.

“الحجر الزراعي”

ولمكافحة هذه الحشرة ينصح “الديب” بتفعيل قوانين الحجر الزراعي الداخلي والخارجي، أي عدم جلب فسائل النخيل من أي منطقة وغرسها، إلا بعد التـاكد من خلوّها من الآفات والأمراض، بالإضافة إلى جمع وحرق كل أجزاء النخلة المصابة، وتنظيف النخيل وعدم ترك بقايا المحصول على النخلة إلى السنة القادمة.

ولنجاح برنامج المكافحة يوصي الديب بوجوب تدخل الدولة، لأن الحشرة انتشرت بشكل كبير والمُزارع لا قدرة له على شراء المبيدات ورشها.

ويدعم المزارع عبد العزيز إنشي (55 عاما) كلام الديب، فتكلفة المبيدات التي تُستخدم لمكافحة تلك الآفة “لا يمكن بأي شكل من الأشكال تحملها”، وخاصة في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار المبيدات، “فلو كانت نخلة أو اثنتين أو حتى عشرة لاستطعنا تحمل تكاليف رشها” يقول إنشي، ولكنه يتحدث هنا عن مئات الأشجار المصابة.

يختم الديب حديثه بأن المركز أرسل خطابات لوزارة الزراعة بخصوص “الحشرة القشرية ” لكن الوزارة ردت بعم توفرسيولة لديهم، وبهذه الطريقة فهو يحذر من أن تنقرض شجرة النخيل في تلك المنطقة.

رقم مخيف

 يتراوح عدد النخيل في أقار عتبة التي يسكنها قرابة 5000 نسمة بين 100 ألف إلى 150 ألف نخلة حسب ما أفاد به عمران باوه مسؤول المركز العربي لأبحاث الصحراء، وحسب آخر الإحصائيات فإن عدد الأشجار المصابة وصل إلى “14296” نخلة، هو رقم مخيف يقول باوه، ويشير أن إنتاج النخلة الواحدة يصل إلى 50 كيلو جرام، بمعنى أن المنطقة خسرت قرابة 715 ألف كيلو جرام من محصولها السنوي، ما يمثل خسارة كبيرة للمزارعين.

يذكر محمد كربللو الذي يحدثنا وهو يتجول بين ما تبقى من سعف نخيله المحترق أن مزرعته التي أحرق منها 170نخلة كانت تنتج 60 قنطاراً من التمور قبل الإصابة لكن بعد اجتياح تلك الحشرة لها لم تنتج حتى 10 قناطير من تمور النخيل.

تقارير فقط

من جانبه يحدثنا المهدي ادريس مدير مكتب الخدمات الزراعية ببلدية وادي عتبة أن المكتب لا حول له ولا قوة، فكل ما يقوم به هو رصد تلك الخسائر وإحالة تقارير عنها إلى الجهات المسؤولة والمعنية.

وحسب كلامه فقد أحال إدريس أكثر من تقرير إلى وزير الزراعة ومكتب الوقاية والحجر الزراعي بالوزارة في طرابلس، وفي المقابل أرسلت الوزارة فريقاً مختصاً لأخذ عينات من الأشجار المصابة وعادوا بها للعاصمة، ولكن دون حلول مقدمة، فالجميع يتحجج بعدم توفر الميزانية المالية.

يتراجع كربللو في نهاية حديثه لـ”مراسلون” عن قوله “بعد فوات الأوان”، وبتفاؤل يقول إنه يحتاج قليلاً من المساعدة من الدولة الليبية، ولو توفرت تلك المساعدة فإنه سيقوم بإعادة غرس تلك المساحات التي أحرقها بنفسه.