قديماً، أي قبل أربعة آلاف عام دوّن البابليون والآشوريون قوانينهم، ووقائع زمنهم، وأخبار حروبهم، وبطولات ملوكهم وفرسانهم باستخدام الحجارة والطين. تلك المدونات كانت بمثابة إرهاصات أولى مهدت لاكتشاف الصحافة.

فيما بعد ، وخلال سنة 1750 ق م ، استخدم الفراعنة ورق البردي في تحرير صحيفتهم الرسمية والتي كانت تسمى: صحيفة البلاط. ثم توالت الفتوحات تباعاً، من الصين إلى روما، حتى منتصف القرن السادس عشر الميلادي، حين توصلت أوربا لصناعة الصحافة الورقية بشكلها الحديث.

قديماً، أي قبل أربعة آلاف عام دوّن البابليون والآشوريون قوانينهم، ووقائع زمنهم، وأخبار حروبهم، وبطولات ملوكهم وفرسانهم باستخدام الحجارة والطين. تلك المدونات كانت بمثابة إرهاصات أولى مهدت لاكتشاف الصحافة.

فيما بعد ، وخلال سنة 1750 ق م ، استخدم الفراعنة ورق البردي في تحرير صحيفتهم الرسمية والتي كانت تسمى: صحيفة البلاط. ثم توالت الفتوحات تباعاً، من الصين إلى روما، حتى منتصف القرن السادس عشر الميلادي، حين توصلت أوربا لصناعة الصحافة الورقية بشكلها الحديث.

كان على العرب انتظار دخول المطبعة إلى أهم عواصمهم الثقافة، لكي تصدر “الوقائع المصرية” في القاهرة  سنة 1828، كأول جريدة مصرية. وقد وصلت منها بضع نسخ  في سنتها التالية إلى ولاية طرابلس الغرب، مرسلة بشكل شخصي إلى أحد أعيانها.

في ذلك الوقت كان الطرابلسيون يطلقون على صاحبة الجلالة اسم: كازيطه. فوقتذاك لم يكن مصطلح (الجريدة) قيد التداول. واستئناساً برأي الباحث المدقق: عمار جحيدر، فإن تثبيت مفردة  الجريدة، كمصطلح لغوي جاء بفضل: أحمد فارس الشدياق، الذي أطلقه على العدد الأول من صحيفة الجوانب، التي ترأس تحريرها  باستانبول سنة 1861.

في ليبيا عرفت ولاية طرابلس الصحافة كصناعة محلية خلال العهد العثماني الثاني، وفقاً لقانون (حريات مقيدة) كأول فرمان للسلطنة العثمانية  ينظم الصحافة، أصدره السلطان عبد العزيز سنة 1865. وهكذا ولدت الصحافة الليبية بلسان  تركي عربي، عبر أول صحيفة رسمية، صدرت تحت اسم (طرابلس الغرب) في العشرين من شهر سبتمبر 1866. لتأتي ليبيا في الترتيب السادس عربياً، بعد مصر والجزائر ولبنان وتونس وسوريا. ومن البديهي أن يرتبط تطور ونمو هذه الصناعة محلّياً بدخول المطبعة الحديثة عوضاً عن الحجرية لتتوالى عناوين الصحف والمجلات، بين رسمية تصدرها سلطاتُ الدولة، وأخرى خاصة، يصدرها أشخاص أحبوا هذه المهنة وأخلصوا لها، ولاسيما في فترة أواخر العهد العثماني الثاني، والتي شهدت زخماً استثنائياً من حيث عدد الصحف في فترة قصيرة جداً لا تتجاوز ثلاث سنوات، استئناساً بالدستور التركي الجديد (1908)، والذي فتح هامشاً للحريات. حيث شرعت العاصمة طرابلس تؤثث مشهدها الثقافي كمدينة عريقة، وعاصمة لها ما لها من عتاقة التاريخ، ولعلها الآن تُعَد ثاني أقدم عاصمة تاريخية لا تزال مأهولة بالسكان بعد دمشق.

ولا شك أن حراك الصحافة قد أسهم في إحداث متغيرات اجتماعية وثقافية، كان لها تأثيرها في عملية إيقاظ الوعي وتحريك الحس الوطني. فمقاهي المدينة وأنديتها وصفوةُ مثقفيها، فضلاً عن تجمعات الأدباء والكتاب، بدت أكثر انتعاشاً واستجابة لفعل الكلمة. لكن أنفاس صاحبة الجلالة ما تلبث أن تكتم تماماً في عهد الاحتلال الايطالي، جراء الممارسات القمعية.

خلال فترة الإدارة البريطانية على إقليمي برقة وطرابلس ستستعيد الصحافة الليبية شيئاً من هامشها وتعود للصدور، وإن ظل الحيز المتاح لحرية الرأي بين مدّ وجزر، مشروطاً في الغالب بثوابت سنّتها قوانين الإدارة. هذا الهامش سيشهد حركة أكثر انتعاشاً بعد الاستقلال، وبالمثل سينعكس على انتظام صدور الصحف وتنوعها. لكن بعد انقلاب سبتمبر سيهيمن مرة أخرى فرمان (حريات مقيدة) بطريقة أشد وطأة وأكثر دهاء وبشاعة، عبر ممارسات تضييق الرقابة وإقفال الصحف الخاصة وتحجير الرأي.

بعد ثورة السابع عشر من فبراير، استبشرنا خيراً خلال السنوات الثلاث الأولى، لكن يبدو أن لعنة فرمان (حريات مقيدة) ما تزال متربصة بالحياة الصحفية في ليبيا. ويكفي الإشارة هنا إلى حملة استهداف الصحفيين والنشطاء الوطنيين، والتي وصلت إلى حدّ الاغتيال والخطف والاعتقال والتعذيب.  مما أدى إلى نزوح وهجرة أغلب النخب المثقفة من صحفيين وإعلاميين وأدباء وكتاب إلى خارج البلاد. وتلك حكاية أخرى.   

لست هنا في مجال التأريخ لصحافة ليبيا ومسيرتها التي تربو على قرن ونصف القرن. لكنني فقط أردت من جهة الاحتفاء بهذه الذكرى، ومن جهة أخرى التذكير بأن مهنة الصحافة ينبغي أن يردّ إليها اعتبارها، ليس من مؤسسات الدولة وحسب، بل من العاملين بهذا الحقل، ولاسيما الكتّاب الذين أمسوا ينحرفون بعيداً عن ميثاق شرف الكلمة. فلكي تتوحد ليبيا، وتحقق أمنها واستقرارها، تقع مسؤولية جسيمة على عاتق أهل المهنة، بأن ينأوا عن ألاعيب التضليل، وأية شيطنة من شأنها ضخ الفتن، ونعرات الاصطفاف القبلي والمناطقي والأيديولوجي. عليهم فقط أن يصطفوا مع وحدة ليبيا، وأن يضعوها نصب أعينهم، ثم ضميرهم.