على الرغم من كونها منطقة أثرية هامة تحتوي على “آثار لا تقدر بثمن” يرجع تاريخها إلى 1500 عام، إلا أن عزبة طابية صالح أو كما يطلق عليها سكانها “جبل مهران” تعاني إهمالا واضحا وانهيارا تاما في كافة الخدمات، فيما يعيش سكانها محاصرين بين الفقر المدقع والأمراض المنتشرة وخطر انهيار منازلهم المقامة أساسا فوق أحد التلال ما يجعلها دوما عرضة للهبوط الأرضي بسبب محاولات التنقيب عن الآثار.
على الرغم من كونها منطقة أثرية هامة تحتوي على “آثار لا تقدر بثمن” يرجع تاريخها إلى 1500 عام، إلا أن عزبة طابية صالح أو كما يطلق عليها سكانها “جبل مهران” تعاني إهمالا واضحا وانهيارا تاما في كافة الخدمات، فيما يعيش سكانها محاصرين بين الفقر المدقع والأمراض المنتشرة وخطر انهيار منازلهم المقامة أساسا فوق أحد التلال ما يجعلها دوما عرضة للهبوط الأرضي بسبب محاولات التنقيب عن الآثار.
واليوم يواجه الأهالي تحديا جديدا بعدما طالبتهم محافظة الإسكندرية – التي تتبعها طابية صالح إداريا – بإخلاء منازلهم دون أن توفر لهم البديل. فقد أصدرت المحافظة قرارا بإخلاء المكان في ٢٥ يوليو المنقضي، ومنذ ذلك الحين يعيش السكان مطاردين، ويرفضون الرحيل لغياب البديل.
جبال قمامة وبيوت صفيح
بمجرد دخولك إلى طابية صالح لن تجد أمامك سوى أكشاك خشبية ومنازل حجرية لا تزيد عن طابقين، متهالكة متآكلة الجدران تتراص متجاورة ومحاطة بجبال صغيرة متهدمة ومكتظة بالقمامة وبقايا الأكشاك المهدمة والمنهارة. ولا يختلف حال الطرق عن حال المباني فمعظمها مغلقة بسبب بيارات الصرف الصحي الغائرة والتي تصل إلي داخل منازل السكان، والتي تمتلئ بدورها بالحشرات والقوارض والزواحف وتخلو من من أي مرافق أو خدمات.
على مقربة من إحدى العشش يجلس الحاج فرج مصباح، رجل نحيل البنيان ذو بشرة سمراء تبدو عليه سمات التقدم في السن والحزن، ملابسه متهرئة ومتسخة، يدخن سيجارة محاولا أن يخرج مع دخانها جزءا من همومه.
يقول الحاج فرج إنه يعيش في طابية صالح منذ قرابة 60 عاما، وأن أسرته وأولاده وأحفاده يعيشون في نفس المنطقة إما داخل عشش صفيح دون سقف أو في أكشاك حجرية مغطاة بالصفيح بنوها لتحجب عنهم أمطار الشتاء وحرارة الصيف، مؤكدا أنهم يعيشون أدنى كثيرا من خط الفقر ولا يملكون سوى “العمل أرزقية على باب الله” على حد تعبيره.
ويضيف أنهم يعيشون داخل تلك المنازل الصغيرة هم وأسرهم لأنهم لا يملكون البديل ولا يملكون أموال للخروج من هذه العزبة التي أفنوا أعمارهم فيها، مشيرا إلى أنهم يعيشون وسط الفئران والزواحف والقوارض ومياه الصرف الصحي التي تغرق عششهم بصفة مستمرة بسبب عدم وجود شبكات للصرف الصحي.
أسفلنا آثار!
“اكتشفنا منذ فترة وجيزة أن أرض العزبة مليئة بالآثار الرومانية، وفوجئنا بين ليلة وضحاها بمسئولين يأتون يوميا للبحث والتنقيب تحت منازلنا حتى عثروا على أقدم جبانات أثرية ترجع للعصر اليوناني. ومنذ ذلك اليوم قرر المسئولون طردنا من العشش التي تؤوينا نحن وأسرنا بدعوى الخوف على هذه الآثار من أن ينهبها السكان”، هكذا شرح مسعد غريب، أحد الاهالي المتضررين، بداية الازمة.
ويضيف غريب: “جاءتنا حملة من محافظة الإسكندرية وهيئة الآثار لإعلامنا بأن تلك المنطقة أثرية ولا يمكن العيش أعلاها لأنها كنز ملك الدولة، لذلك قرر المسئولون نقل السكان لأماكن بديلة استعدادا لتحويلها لمنطقة أثرية، كما حذروهم بأن عليهم تنفيذ قرار اخلاء منازلهم خلال أسبوعين فقط”.
أحياء أموات
ومضى الأسبوعان ولم يرحل أحد من السكان بالطبع لعدم وجود بديل لديهم. ويقول الحاج سلامة خليل، أحد سكان العزبة، إن محافظ الاسكندرية ومسئولي الآثار يريدون طردهم من العشش للحصول على الآثار الرومانية المدفونة في باطن الأرض، معتبرا أن هؤلاء المسئولين لا يأبهون لحياتهم أو حياة أطفالهم الصغار الذين لن يجدوا مأوي إذا تم تنفيذ قرار الإخلاء “الظالم” وذلك لعدم توافر البديل.
في السياق نفسه، يقول أحد السكان، ويدعى كرم منصور، إنهم عاشوا بتلك المنطقة كالأموات وكأنهم يعيشون في مقابر يقطنها الاحياء، مضيفا “لا نملك سوى غرفة صغيرة لا تتعدي مساحتها 20 مترا، وتتشارك كل ثلاث أسر في دورة مياه واحدة، ولا يوجد لدينا أية مرافق أو خدمات فنحن نعيش على الهامش”، مؤكدا أن تلك الحياة البائسة طمع فيها المسئولون بسبب الاكتشافات الأثرية التي وجدت في أراضيها والتي حولت حياة السكان لجحيم بسبب الكنز الأثري.
تشريد 500 أسرة
ويؤكد مصباح أن نحو 500 أسرة تعيش بطابية صالح، وأن جميعهم لا يملكون قوت يومهم، وإذا نفذوا قرار الاخلاء فسوف يعيشون على الأرصفة، مؤكدا أن المحافظة وعدتهم منذ شهرين بإخلاء منازلهم مقابل تسليم سكن بديل، مضيفا “لكن طبعا هذا كله كذب وخداع فلا يوجد أي مساكن بديلة وفرتها لنا المحافظة”.
ومدللا على كلامه، يقول مصباح إن هناك نحو 6 منازل انهارت بالعزبة نتيجة عملية التنقيب الأثري التى قامت بها هيئة الأثار والمحافظة، موضحا أن أصحاب هذه المنازل أقاموا مخيمات، وأن المحافظة وعدتهم بتوفير مساكن لهم لكنها لم تسلمهم شيئا.
كما يشير إلى أن المنطقة تحولت إلي بحر من مياه الصرف الصحي بسبب عمليات التنقيب عن الآثار التي يقوم بها الأهالي وبعض الغرباء أسفل المنازل، في محاولة للحصول على جزء من الكنز الأثري.
التأهيل
على الطرف المقابل، يؤكد محافظ الإسكندرية المهندس محمد عبد الظاهر أنه يعمل على خطة متكاملة لتأهيل المناطق الأثرية المتواجدة بالثغر، حيث يضع المناطق الأثرية والسياحية في مقدمة أولوياته من أجل الحفاظ على التراث والتاريخ القديم المتواجد بالمدينة من السرقة والنهب والتنقيب عن الكنوز الاثرية.
ويضيف عبد الظاهر أنه شكل لجنة من خبراء الآثار والسياحة لتطوير وتأهيل المناطق الأثرية والسياحية القديمة لتحويلها لمزارات سياحية عالمية، موضحا أن المحافظة قررت نقل سكان طابية صالح وأنها تعمل حاليا على توفير مساكن بديلة لهم من أجل وقف أعمال التنقيب الأثري التي تحدث للجبانات الرومانية المكتشفة أسفل تلك المنطقة، مؤكدا أن نقل السكان ضرورة لحماية الآثار واستفادة البلاد منها.
لا تقدر بثمن
من وجهة نظر أكاديمية، يؤكد أستاذ الآثار اليونانية بجامعة الإسكندرية الدكتور سعيد فاضل أن طابية صالح تعد من المناطق الأثرية الهامة، لاسيما وأنها أحد أقدم الأحياء الموجودة بالثغر، حيث يرجع تاريخها إلى نحو 1500 عام، وتعتبر من بقايا مدينة الثغر القديمة.
ويضيف فاضل أن تلك المنطقة تحتوي على جبانات الجنود الرومان بالإسكندرية القديمة، موضحا أن المقابر عبارة عن “رفوف” متراصة بعضها فوق بعض، وفي كل رف جثة، موضحا أن هذه الآثار لا تقدر بثمن.
أما مدير منطقة آثار الإسكندرية الدكتور محمد عبد الحميد فيرى أنه لابد من تهجير سكان عزبة طابية صالح حتى تتمكن الهيئة من الكشف عن الكنوز الأثرية الموجودة في باطن الأرض، مؤكدا أنهم في انتظار تنفيذ قرار اخلاء السكان لكي يتم ضم الحي إلى وزارة الآثار، ولكن العائق الوحيد هو رفض الأهالي تنفيذ قرار الإخلاء.
ويلفت عبد الحميد إلى أن المنطقة تعاني من نهب للآثار الثمينة الموجودة بها بسبب عمليات التنقيب المستمرة من قبل الباحثين عن الثروة، مشيرا إلى أن هذا يؤدي لضياع ثروة من الممكن أن تستغل في إقامة متحف يدر دخلا جيدا على البلاد.
ويوافقه في الرأي الخبير الأثري بالإسكندرية عادل عمري، والذي يضيف أن تلك المنطقة مهددة بالانهيار في أى لحظة لكونها موجودة أعلي جبال صخرية معرضة لعمليات هبوط أرضي مستمرة بسبب السراديب الأثرية والجبانات المتواجدة في باطن أرضها، ما يعرض حياة المواطنين لخطر الموت، مؤكدا أنه لابد من نقل السكان إلى مساكن بديلة انقاذا لحياتهم.
وفي النهاية يطالب الحاج فرج مصباح الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتدخل في حل أزمة طابية صالح وتوفير مساكن بديلة لهم، مؤكدا أن السكان “لن يخرجوا من العزبة إلا في حالة توفير سكن أو على جثثهم لأنهم ليس لديهم ما يبكون عليه”.