على “جادة الانجليز” بمدينة نيس الفرنسية يجلس أنيس مهاجر تونسي غير شرعي كل مساء لساعات طويلة يراقب البحر تارة والمارة أخرى.

على بعد أمتار من المقعد الذي يجلس عليه قتل العشرات منذ أسابيع دهسا بشاحنة مجنونة في ليلة الاحتفال بذكرى عيد الجمهورية الفرنسي.

يدخن أنيس سيجارته ببطء مستحضرا تلك الليلة المرعبة “كنت ليلتها رفقة شريكي في السكن نتجول ثم صدمنا برؤية المارة يركضون مذعورين في كل الاتجاهات” يقول لمراسلون.

على “جادة الانجليز” بمدينة نيس الفرنسية يجلس أنيس مهاجر تونسي غير شرعي كل مساء لساعات طويلة يراقب البحر تارة والمارة أخرى.

على بعد أمتار من المقعد الذي يجلس عليه قتل العشرات منذ أسابيع دهسا بشاحنة مجنونة في ليلة الاحتفال بذكرى عيد الجمهورية الفرنسي.

يدخن أنيس سيجارته ببطء مستحضرا تلك الليلة المرعبة “كنت ليلتها رفقة شريكي في السكن نتجول ثم صدمنا برؤية المارة يركضون مذعورين في كل الاتجاهات” يقول لمراسلون.

في اليوم الموالي لم يغادر أنيس (28 سنة) مقر سكنه بسبب شعوره بالخوف بعد أن علم بأن منفذ تلك العملية تونسي الجنسية.

يقول “لا أقيم بفرنسا بطريقة شرعية لذا خشيت أن توقفني الشرطة ويتم ترحيلي”.

وبات الكثير من التونسيين المقيمين بفرنسا بطريقة غير شرعية يخشون ترحيلهم بعد تزايد العمليات الإرهابية التي نفذها أو شارك في التخطيط لبعضها تونسيون.

وقد شددت السلطات الفرنسية الرقابة الأمنية في كثير من المناطق تحسبا لوقوع اعتداءات جديدة على غرار ما أقدم عليه الشاب التونسي محمد الحويج بوهلال ليلة 14 جويلية/يوليو الماضي بعد دهسه العشرات من المواطنين بمدينة نيس بواسطة شاحنة أسفرت عن مقتل 84 شخصا.

وبعد تلك العملية تعالت الأصوات من أقصى اليمين الفرنسي للمطالبة بترحيل التونسيين بدعوى أنهم يساهمون في نشر ثقافة الموت والإرهاب.

يعلق الشاب التونسي أنيس على تلك الدعوات بأنها ردود أفعال متوقعة نافيا أن يكون التونسيون قد تعرضوا لأعمال عنصرية ممنهجة بعد ذلك الاعتداء.

صعوبات مادية

ولكن بقطع النظر عن أعمال العنف العنصرية يعاني التونسيون المقيمون بفرنسا بشكل غير قانوني من صعوبات في إيجاد مواطن شغل.

ويضطر البعض منهم لاتخاذ المنازل المهجورة بالأماكن النائية كسكن لهم، أما المحظوظون منهم فيتقاسمون غرفا صغيرة لا تتسع لأكثر من شخص أحيانا.

ويرفض المشغلون الفرنسيون الاستعانة بمن لا يملكون بطاقات إقامة قانونية ويحجر القانون الفرنسي تشغيل أجانب لا يملكون أوراقا ثبوتية.

وهذا المشكل يعيق التونسي أنيس في العثور على عمل بعد أن سافر قبل أكثر من خمس سنوات لفرنسا لتحقيق حلمه بتغيير وضعه الاجتماعي نحو الأفضل.

“فشلت في دراستي ولم أجد عملا قار في تونس حيث كنت أعمل بسوق الأثاث بالملاسين (من الضواحي الفقيرة للعاصمة) بمقابل زهيد لذلك قررت الهجرة إلى فرنسا”.

وعرفت تونس بعد ثورة 2011 موجة من الهجرة غير الشرعية بسبب حالة الانفلات الأمني التي مرت بها البلاد. وهاجر عشرات الآلاف من الشباب إلى إيطاليا وفرنسا عبر البحر بطريقة غير شرعية.

واليوم يعيش أنيس بنيس بغرفة صغيرة جدا يتقاسمها مع تونسيين آخرين. ورغم ذلك فرفقاه يقولون لمراسلون إنه “محظوظ لأنه وجد من يأويه”.

لم ينجح أنيس في تحقيق أبسط أحلامه التي كان يفكر فيها وهو متجه لإيطاليا في رحلة بحرية سرية محفوفة بالمخاطر قبل خمس سنوات.

على العكس تماما استيقظ أنيس على كابوس مفزع فكثيرا ما يحدث أن يبيت بلا أكل لأنه لم يشتغل لأيام.

وأنيس هو واحد من آلاف الشباب التونسيين الذين حلموا بالهجرة لأوروبا لتحقيق ثروة لكن المئات منهم التهمهم البحر بعد غرقت زوارقهم المليئة بالمهاجرين غير الشرعيين.

صعوبة الاندماج

لا تختلف قصة الشاب التونسي عاطف عن قصة أنيس كثيرا فمنذ أكثر من عشر سنوات أبحر عاطف من شواطئ الوطن القبلي بتونس (شمال شرق) باتجاه إيطاليا ثم إلى فرنسا.

لا يملك عاطف (35 عاما) حياة اجتماعية في فرنسا كما كان ينعم بها في بلده فالتواصل مع الفرنسيين “أمر صعب بسبب اختلاف العادات والتقاليد” حسب قوله.

عجز عاطف عن تحصيل شهادة إقامة ككثير من الشباب المقيم في فرنسا لذلك هو يمضي أغلب وقته متسكعا في الشوارع.

يقول “حاولت بكل الطرق تسوية وضعيتي لكنّني فشلت، طرقت أبواب المحاكم دون جدوى فبعد الأحداث الإرهابية التي جدّت هنا أصبح الأمر صعبا للغاية”.

حاول عاطف في أكثر من مناسبة الارتباط بفرنسيات “مهما كان سنهن” لعله يحصل على حق الإقامة هناك لكنه فشل في ذلك أيضا.

يقول “بتن يخشين الارتباط بأي شاب عربي لأنهن على دراية بأن الشاب العربي يرغب في الارتباط بهن فقط من أجل تسوية وضعيته”.

ويرى عاطف أن الشعور بعدم الاستقرار والقدرة على التنقل بحرية ينعكس على الحالة النفسية للمقيم بفرنسا بشكل غير قانوني “فيتحول البعض إلى مرتكبي جرائم أو إرهابيين أو مدمني مخدرات وكحول أو حتى الانتحار”.

تراود عاطف كثيرا فكرة العودة لتونس خصوصا وأنه أرسل لوالدته جزءا من المال الذي جناه في غربته لتشييد طابق علوي فوق منزل والدته.

لكنه يتراجع بسرعة عن ذلك كلما فكرة فيما سيقوله عنه أصدقاؤه بأنه “عاد فاضيي اليديين”، حسب تعبيره.

قصة هؤلاء الشباب تتكرر يوميا في فرنسا حيث يتبادل شبان تونسيون أطراف الحديث عما يجرى في تونس وفي فرنسا وعن أحلامهم التي قد لا تتحقق.

قبل سنوات لم يكن هؤلاء يحلمون إلا باليوم الذي يغادرون فيه أرض تونس أما اليوم فلا حلم لهم بعد أن تبخرت باقي الأحلام، سوى ملامسة أرض تونس مرة أخرى.