قبل فتح التحقيق في قضية التلاعب في توريدات القمح المعروفة إعلاميا بقضية فساد القمح منتصف أغسطس (آب) الماضي، قال الرئيس السيسي أثناء افتتاح مجمع إثيديكو بالإسكندرية إن الدولة المصرية جادة في محاربة الفساد.

لكن خلال التحقيقات في القضية التي قدر إهدار المال العام فيها بأكثر من نصف مليار جنيه، تصالحت النيابة مع متهمين بالفساد بعد أن سددوا مئات الملايين وأخلت سبيلهم.

فهل الدولة جادة فعلاً في محاربة الفساد؟

قبل فتح التحقيق في قضية التلاعب في توريدات القمح المعروفة إعلاميا بقضية فساد القمح منتصف أغسطس (آب) الماضي، قال الرئيس السيسي أثناء افتتاح مجمع إثيديكو بالإسكندرية إن الدولة المصرية جادة في محاربة الفساد.

لكن خلال التحقيقات في القضية التي قدر إهدار المال العام فيها بأكثر من نصف مليار جنيه، تصالحت النيابة مع متهمين بالفساد بعد أن سددوا مئات الملايين وأخلت سبيلهم.

فهل الدولة جادة فعلاً في محاربة الفساد؟

خلال عامي 2014 و2015 غير رئيسا الجمهورية عدلي منصور وعبد الفتاح السيسي البنية التشريعية لعقوبة الفساد من خلال إصدار ثلاثة قوانين منعت الردع العقابي للفاسدين سارقي المال العام، وحصنت قرارات المسئولين وعقود خصخصة الشركات وبيع ممتلكات الدولة لرجال الأعمال، كما سمحت للمسئولين بتنفيذ مشاريع بالأمر المباشر تحت بند عاجل بملايين الجنيهات من موازنة الدولة.

وبسبب تغيير المناخ التشريعي وغياب سياسة الردع العقابي ارتفعت فاتورة الفساد وأصبح الفاسدون أكثر جرأة. وعلى جانب آخر حبست الدولة رئيس أكبر جهاز رقابي بتهمة نشر أخبار كاذبة بعد تصريحاته عن أرقام فاتورة الفساد في مصر، وعينت محافظ العاصمة المتهم بالتربح من وظيفته حينما كان وزيرا للنقل.

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي صدق البرلمان المصري على قرارات بقوانين أصدرها رئيسي الجمهورية عدلي منصور وعبد الفتاح السيسي خلال عامي 2014 و2015 تحمي من خلالهم رجال الأعمال المعتدين على المال العام وأملاك الشعب، كما تشجع الموظفين على الفساد.

التصالح مع الفاسدين

إذا اختلست مال عام أو تربحت من وظيفتك العامة أو تعديت على الأراضي العامة أو أتلفت المال العام أو السلع التي تمس قوت الشعب وتم ضبطك فيمكنك التفاوض مع ممثل للسلطة التنفيذية والتصالح على تلك الجرائم ورد جزء من الأموال التي حصلت عليها بدون وجه حق وتصبح حرا ولا يمكن مقاضاتك. هذا هو ملخص تعديل قانون العقوبات المعروف بتعديلات التصالح مع الفاسدين الذي أصدره الرئيس السيسي رقم 16 – لسنة2015  في مارس (آذار) 2015.

وقد جاء في نص المادة 18 مكرر من القانون “يجوز التصالح في الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ويكون التصالح بموجب تسوية بمعرفة لجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من رئيس مجلس الوزراء … ويتولى مجلس الوزراء إخطار النائب العام سواء كانت الدعوى ما زالت قيد التحقيق أو المحاكمة ويترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية.. وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبات المحكوم بها على المتهمين في الواقعة .. وفي جميع الأحوال يمتد أثر التصالح إلى جميع المتهمين أو المحكوم عليهم …”.

هذه التعديلات  يرى فيها مراقبون مخرجا تشريعيا لإفلات الفاسدين من العقوبة، كما أنها تعطي ميزة أخرى للهاربين منهم خارج البلاد بأموال الشعب، لأنها تسمح لوكلائهم بالتفاوض حول رد جزء من الأموال التي نهبوها مثل ما حدث مع رجل الأعمال الهارب حسين سالم. ورغم أن هذه التعديلات وضعت لبقايا نظام مبارك بحجة استرداد أموال الشعب إلا أنها تطبق على من يعتدي على المال العام بدون تحديد مدة زمنية، فتم تطبيقه على المتهمين بالفساد في قضية فساد القمح وغيرهم.

والقانون هنا يفرق بين جرائم سرقة الأموال الخاصة التي لا تسقط برد الأموال، وبين جرائم سرقة الأموال العامة المملوكة للشعب التي يمكن أن يرد جزء مع الإفلات من العقوبة.

تشجيع الفساد

في سبتمبر (أيلول) 2013 أصدر الرئيس الأسبق عدلي منصور قرارا جمهوريا بتعديل بعض أحكام قانون المناقصات والمزايدات، ليسمح في الحالات العاجلة، أن يتم التعاقد بطريق الاتفاق المباشر.

وحسب القانون يجوز للوزير أو المحافظ أن يسند أعمال لشركات خاصة بما لا يتجاوز 10 ملايين جنيه في الحالات العاجلة. ولم يحدد القانون طبيعة الحالات العاجلة، ووضع قانون المناقصات والمزايدات لتقديم أفضل العروض الفنية والمالية لمشاريع الدولة والاختيار بينها حسب شروط وضوابط القانون.

ويأتي التعديل ليفتح بابا جديدا لفساد السلطة التنفيذية لإسناد مشاريع تحت بند “عاجل بالأمر المباشر” بدون دراسة للقطاع الخاص، بلا ضوابط.

وجاء في نص القانون في فقرته الأولى: “يجوز في الحالات العاجلة التي لا تحتمل اتباع اجراءات المناقصة أو الممارسة بجميع أنواعها، أن يتم التعاقد بطريق الاتفاق المباشر بناء على ترخيص من رئيس الهيئة أو رئيس المصلحة ومن له سلطاته في الجهات الأخرى، وذلك فيما لا تجاوز قيمته 500 ألف جنيه بالنسبة لشراء المنقولات أو تلقي الخدمات أو الدراسات الاستشارية أو الأعمال الفنية أو مقاولات النقل ومليون جنيه بالنسبة لمقاولات الأعمال، بالإضافة إلي الوزير المختص ومن له سلطاته أو المحافظ فيما لا تجاوز قيمته 5 ملايين جنيه بالنسبة لشراء المنقولات أو تلقي الخدمات أو الدراسات الاستشارية أو الأعمال النفنية أو مقاولات النقل و10 ملايين جنيه بالنسبة لمقاولات الأعمال”.

وفي أبريل (نيسان) 2014 أصدر عدلي منصور قرارا جمهوريا بقانون رقم 32 لسنة 2014 بشأن ضوابط الطعون على عقود الدولة مع المستثمرين، والمعروف إعلاميا بقانون تحصين العقود.

ويمنع القانون في مادته الأولى الطعن على العقود التي تبرمها الدولة أو أحد أجهزتها مع المستثمرين إلا من خلال طرفي العقد، وأوقفت المادة الثانية من القانون الطعون المنظورة أمام المحاكم ولم يصدر بها حكما باتا إذا لم تكن طعن من أحد طرفي العقد.

وتسبب القانون في جدل داخل مجلس النواب يناير الماضي رغم الموافقة عليه بأغلبية، واعتبره البعض تحصين لعقود الخصخصة وبابا لبيع ممتلكات الشعب بأسعار زهيدة للمستثمرين مثما حدث في عدة شركات مثل عمر أفندي وأراضي الدولة بالقاهرة الجديدة والغردقة وغيرها، كما يخالف القانون 9 مواد دستورية أهمها حق التقاضي.

ويجعل القانون عقود الدولة حتى لو كانت تخصيص لعقارات لرجال أعمال محصنة قانونا من الطعن ومن رقابة السلطة القضائية، وتم إحالة القانون إلى الدستورية لبحث مدى دستوريته، فيما أوقفت محكمة القضاء الإداري نظر دعاوى الطعن على عقود الخصخصة من بينها عقد منجم السكري ومدينتي والقاهرة للزيوت والصابون وبنك الإسكندرية وأسمنت أسيوط لحين الفصل في الدستورية.

ويقول حسام حداد المحامي الحقوقي بمركز الجماعة الوطنية إن السياسة التشريعية للقوانين الثلاثة هدفها غل يد السلطة القضائية عن ممارسة دور الرقيب على قرارات السلطة التنفيذية، فالقوانين تمنع التقاضي والطعن على عقود الدولة والنائب العام يخلي سبيل المتهمين بالفساد فور التصالح ولا يجوز له الاعتراض أو حتى تقدير قيمة التسوية مع الفاسدين.

ويضيف بإقرار مجلس الشعب لتلك القوانين تنتفي فكرة تحقيق العادلة والردع القانوني ويتناقض الأمر مع أصل وجود القوانين الإجرائية فى صون مصالح الأفراد وحماية المال العام، مشيرا إلى أن رد أموال الدولة المنهوبة كان ينظمها القانون قبل ذلك بعقاب المتهم بالسجن ومصادرة جميع الأموال المنهوبة وتغريم المتهم.