“القبة الخضراء والمسجد النبوي والجمل بالمحمل كانت أولى رسوماتي حينما كنت طفلا صغيرا عام 1965.. تعلمت هذا الفن على يد عمي الشيخ تقادم الذي كان من علماء الأزهر الشريف والذي كان يعمل في نفس الوقت خطاطا بقرى كوم أمبو شمالي مدينة أسوان.” بهذه الكلمات يتذكر أحمد يس على الشهير باسم عيد السلواوي بداية عشقه لفن رسومات الحج على جدران المنازل.

أدوات وخامات طبيعية

“القبة الخضراء والمسجد النبوي والجمل بالمحمل كانت أولى رسوماتي حينما كنت طفلا صغيرا عام 1965.. تعلمت هذا الفن على يد عمي الشيخ تقادم الذي كان من علماء الأزهر الشريف والذي كان يعمل في نفس الوقت خطاطا بقرى كوم أمبو شمالي مدينة أسوان.” بهذه الكلمات يتذكر أحمد يس على الشهير باسم عيد السلواوي بداية عشقه لفن رسومات الحج على جدران المنازل.

أدوات وخامات طبيعية

ويشير الفنان، الذي يعمل بشكل رئيسي في قرى كوم إمبو وإدفو بمحافظة أسوان وصولا إلى محافظتي الأقصر وقنا شمالا، إلى أنه اعتاد استخدام أدوات رسم مستوحاة من الطبيعية بلا أي أدوات صناعية، مضيفا “على سبيل المثال أقوم بتصنيع ورشة الرسم من جريد وطلع النخيل، حيث أقوم بقطع جزء من جريدة النخيل وأدق على طرفها بالحجر ثم أتركها في الماء لمدة أسبوع لتصبح جاهزة لاستخدامها في الرسم. كما استخدم الخامات الطبيعية للحصول على الألوان، فمثلا استخدم الفحم لرسم الأشكال ذات اللون الأسود، أما التربة الحمراء والصفراء الموجودة في الجبال فاستخدمها أيضا كألوان طبيعية، لكن في الآونة الأخيرة بدأت استعمال بعض الأكاسيد من محلات +الحدايد والبويات+ للحصول على ألوان أكثر تنوعا”.

يوضح السلواوي أن الفنانين المتخصصين في رسومات الحج أصبحوا الآن قلائل يعدون على أصابع اليد الواحدة، مشيرا إلى أن تعلم القراءة والكتابة لم يكن عائقا أمام هذا الفن، مذكرا بأن أحد أشهر فناني جداريات الحج السابقين، والذي توفي منذ سنوات بمدينة كوم أمبو، كان لا يجيد القراءة والكتابة لدرجة أنه كان يرسم الحروف على الحوائط وينقلها كما هي دون أن يستطيع قراءتها.

كما يتذكر أن بعض المتشددين في فترة السبعينيات والثمانينات كانوا يعارضون رسمه لجداريات الحج، وطالبوه بكتابة الآيات القرآنية فقط على الحوائط دون رسومات، مضيفا “لكنني كنت أقنعهم بأن رسم الكعبة ومناسك الحج ليست حراما، وتعتبر نوعا من الفن والتوعية بهذه المناسك”.

لوحة المناسك

ويوضح الفنان الأسواني الذي يعمل منذ أكثر من 50 عاما في هذا المجال “جداريات الحج تعتبر لوحة فنية متكاملة تشرح المناسك بشكل مبسط، ففي البداية نرش المنزل بالجير الأبيض مرتين متتاليتين ثم نرشه مرتين أيضا باللون الأزرق. بعدها نبدأ برسم الجمل بالواجهة الأمامية للمنزل باعتباره وسيلة المواصلات التاريخية التي يستخدمها الحاج عند السفر للأراضي المقدسة”.

ويتابع “مع تطور الزمن استبدلنا هذا الجمل برسم وسائل المواصلات العصرية الحديثة مثل الطائرة أو الباخرة أو الأتوبيس، وبجوارها نرسم الكعبة المشرفة ثم باقي المناسك مثل الوقوف على جبل عرفات ومني ورمي الجمرات وذبح الاضاحي، وتنتهي هذه اللوحة الفنية بمنظر للمدينة المنورة ومسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم وبجوار كل رسم نكتب الآية القرآنية المعبرة عنه”.

تقاليد الصعيد

ومراعاة للعادات والتقاليد في صعيد مصر، لا يرسم عيد السلواوي أي منظر للسيدات على الجدران الخارجية للمنازل حتى لو كانت صاحبة المنزل هي التي أدت مناسك الحج، ويقتصر الامر على رسم امرأة على الجدران الداخلية للمنزل وهي تستقبل احدى العائدات من الحج للتهنئة مع كتابة جملة “حج مبرور”.

أحد العقبات التي بدأت في الظهور مؤخرا هي أن رسومات الحج تظهر بشكل رائع على الحوائط الطينية دون الحوائط الحديثة المقامة بالطوب الأحمر أو الخرسانة المسلحة وخلافه، ولكن عيد السلواوي يوضح أنه بدأ في ابتكار أفكار جديدة لترويض الحوائط الخرسانية لتكون أرضية خصبة لرسوماته عن طريق تبطين هذه الحوائط بمادة الجبس ثم دهنها بالغراء السائل قبل البدء في رسم مناسك الحج عليها.

عمل موسمي

العمل في رسم جداريات الحج يعتبر عمل موسمي يبدأ بنهاية شهر ذي القعدة ويستمر لمدة شهر كامل حتى عودة الحجاج من أراضي الحجاز، ويمكن لعيد السلواوي أن يرسم خلال هذه الفترة حوالي 15 أو 20 منزلا، وعقب انتهاء موسم الحج يحاول أن يكسب لقمة عيشه من خلال الرسم على جدران منازل العرسان الجدد.

يشير السلواوي إلى أنه لا يطلب مبلغ مالي محدد نظير رسم جداريات الحج، بل إنه في بعض الأحيان يرسمها مجانا لبعض الأرامل اللاتي يذهبن إلى الحج ولا يمتلكن القدرة على سداد مقابل مادي لرسوماته. ويؤكد أنه يشعر داخل طيات نفسه بأن الله سبحانه وتعالى أكرمه بموهبة الرسم لإدخال البهجة والسرور على الجميع سواء كانوا فقراء أو أغنياء.

موهبة فطرية

من جانبه، يري الفنان التشكيلي رجب سيد أن هذا النوع من الفن يستهوي الفنانون المحليون الذين يقومون برسم مناسك الحج كما رأوها بأعينهم، خاصة وأن كثيرا من فناني جداريات الحج لا يجيدون القراءة والكتابة ولكنهم يستخدمون موهبتهم الفطرية في التعبير التلقائي.

ويشير سيد، الذي يترأس أيضا العرض المتحفي بمتحف النوبة‏ في أسوان، إلى أن رسومات الحج منتشرة بشكل كبير في الأرياف خاصة الريف الصعيدي، وتعتبر جزء من الفلكلور الشعبي كما تجسد الموروث الثقافي الذي يعتز فيه المواطن الصعيدي بأداء فريضة الحج، مضيفا “لكن هذا الفن مهدد بالاندثار بسبب التوسع في إنشاء المباني الخرسانية بدلا من البيوت المقامة بالطين اللبن، وهذا هو شأن الكثير من الفنون التي اختفت تدريجيا بسبب انتشار الحداثة التي تأخذ في طريقها الكثير من الأشياء الجميلة”.

موروث فرعوني

بدوره، يري الفنان التشكيلي على المريخي أن تميز مصر دون كثير من الدول الإسلامية الأخرى بجداريات الحج يرجع للتقدير الديني الكبير للمصريين لزيارة الأراضي المقدسة. ويربط المريخي هذا الفن بالموروث الثقافي القديم لدي المصريين، إذ اعتاد الفراعنة على توثيق مناسكهم الدينية على الجداريات.

وفي محاولة لتوثيق هذا الفن المهدد بالاندثار، يعد المريخي كتابا عن جداريات الحج تحت عنوان “الخلود فوق جدران زائلة” ويتضمن صورا فوتوغرافية لبعض أعمال الفنان عيد السلواوي على الحوائط الطينية القديمة، بالإضافة إلى شرح مبسط لها.