مازال مشروع دستور ليبيا حبيس أدراج مجلس النواب منذ أبريل/نيسان الماضي حين سُلمت مسودته للمجلس بغرض إصدار قانون ينظم عملية استفتاء الشعب عليه في غضون شهر من تاريخه. ولكن هذا الحق، الذي ينتظر الليبيون ممارسته منذ سنوات، يبدو أنه لن يُمنح لهم، إذ تسعى عدة جهات لمصادرته بذرائع مختلفة.

مازال مشروع دستور ليبيا حبيس أدراج مجلس النواب منذ أبريل/نيسان الماضي حين سُلمت مسودته للمجلس بغرض إصدار قانون ينظم عملية استفتاء الشعب عليه في غضون شهر من تاريخه. ولكن هذا الحق، الذي ينتظر الليبيون ممارسته منذ سنوات، يبدو أنه لن يُمنح لهم، إذ تسعى عدة جهات لمصادرته بذرائع مختلفة.

فمثلاً الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية بالحكومة المؤقتة التابعة لمجلس النواب أصدرت بياناً في يوليو/تموز توصي فيه برفض المسودة، بسبب مخالفات قالت إنها تصادم الشريعة الإسلامية والأمن القومي والسلم الاجتماعي! فضلاً عن كونها – حسب البيان – لا تحقق العدل والتكافؤ في تقسيم الموارد والثروات ولا في توطين المؤسسات العامة.

تفتقد المهنية

هيئة الأوقاف قالت في بيانها إنها شكلت “لجنة تواصل” قامت بمراجعة المسودة “مادة مادة” وقدمت بخصوصها ملاحظات للهيئة التأسيسية قبل إصدار المسودة، إلا أن الأخيرة أهملت تلك الملاحظات.

وهو ما يرد عليه الدكتور الهادي بوحمرة، عضو لجنة الحقوق والحريات بالهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، الذي رجح في حديثه لـ”مراسلون” أن الهيئة لم يقرأ مكلّفوها مسودة الدستور، لأنهم يتكلمون عن مسائل “لا وجود لها في المشروع، وربما سمعوها من الإعلام؛ وهو ما يفقدهم الكثير من المصداقية”. وفي بعض الفقرات كانوا يقرؤونها “كلاً على حدة، وليس داخل نظام قانوني متكامل”.

ويدلل على ذلك بأن لجنة التواصل أحالت ضمن الملاحظات ما يتعلق برفضهم لحرية الاعتقاد، والتي لم ينص عليها في مشروع الدستور المُحال لمجلس النواب، ويطالبون بالعودة إلى دستور عام 1951 الذي ينص صراحة على حرية الاعتقاد؛ ما يجعل دراستهم للمشروع – حسب رأيه – “تفتقد للمهنية والقراءة القانونية الصحيحة في كثير من جوانبها”.

فضلاً عن ذلك يقول بوحمرة إن هيئة الإفتاء تعترض على مشروع الدستور لأنه يُقر المساواة بين المواطنين والمواطنات، والانتخاب المباشر لرئيس الدولة، وتنص على أن النظام السياسي يقوم على التعددية السياسية والحزبية، فيما هم يطالبون بأن يتم اختيار الرئيس من “أهل الحل والعقد”، وبرفض التعددية الحزبية، بل وفكرة الأحزاب بشكل كامل.

عرقلة متعمدة

كان من اللافت للانتباه أن ثمة عرقلة متعمدة تحول دون إصدار قانون الاستفتاء على مشروع الدستور المُنجز في الفترة ما بين 21 أبريل/نيسان 2014، و هو تاريخ بدء مزاولة الهيئة لأعمالها، و19 أبريل/نيسان 2016، وهو تاريخ الانتهاء من إعداده والتصويت عليه بما يتوافق مع الإعلان الدستوري وقانون رقم 17 المنظم لأعمال الهيئة، وتسليمه لمجلس النواب في السادس والعشرين من أبريل/نيسان الماضي.

وهذه العرقلة لم تتسبب بها هيئة الإفتاء وحدها بالطبع، بل حتى بعض أعضاء الهيئة التأسيسية الذين قاموا برفع دعاوى قضائية ضد تسليم المسودة لمجلس النواب، ومن بعدهم بعض أعضاء مجلس النواب الذين يتعمدون عدم حضور الجلسات كي لا يكتمل النصاب ويصح التصويت على قانون الاستفتاء، كل ذلك ألقى بأثره السلبي على السياق العام الداعم للمشروع.

عضو مجلس النواب عن منطقة الزنتان عبدالسلام نصية قال لـ “مراسلون” إن من بين النواب من يرفض فكرة إعداد مشروع دستور جديد للدولة أصلاً، ولذلك يتعمدون عدم الحضور.

وأكد “نصية”، الذي يؤيد إصدار قانون للاستفتاء بشكل عاجل على مشروع الدستور، أن التأخير في إصدار القانون والتصويت عليه سيُعقد الأمر أكثر، بخاصة إذا تم تضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري، بحيث سيصبح قانون الاستفتاء في هذه الحالة يتطلب المصادقة عليه من قبل المجلس الرئاسي بالإضافة إلى مجلس النواب، وهو ما سيصعب تحقيقه في حالة الخلافات المتصاعدة داخل هذه المؤسسات.

القانون جاهز

قانون الاستفتاء الذي يُنتظر من مجلس النواب إصداره هو الآخر جاهز، حسب عضو لجنة العمل بالهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الدكتور مراجع علي نوح، الذي قال لـ”مراسلون” إنه تم تشكيل لجنة تضم أعضاء من الهيئة التأسيسية وأعضاء من مجلس النواب ومفوضية الانتخابات، وقامت اللجنة بإعداد قانون “يلائم المرحلة” حسب تعبيره، وقد سُلّم لمجلس النواب أيضاً للتصويت عليه واعتماده.

حسب كلام نوح فإن مشروع الدستور خرج إلى النور بعد عناء طويل وعراقيل واجهتها الهيئة بسبب اختلاف توجهات الأعضاء والتباين في القيم والتصورات التي يحملونها إزاء القضايا المطروحة في المشروع، بالإضافة إلى التوجهات الجهوية، والخوف، والتوجس من الآخر، نتيجة الاحتراب بين أطراف الصراع وانعكاس ذلك على أعضاء الهيئة الذين يمثلون شرائح المجتمع.

ويقول مستغرباً “في نهاية المطاف خرجنا بمشروع الدستور، ليس ليكون حبيس أدراج مجلس النواب، لا يوجد أي مبرر قانوني مقنع لكل هذا التأخير في إصدار القانون”.

مماطلة ومصادرة

“مراسلون” حاول الحديث إلى عدد من أعضاء مجلس النواب المعارضين لمشروع الدستور، ولكن معظمهم رفض التعليق. كما حاول “مراسلون” الحديث إلى النواب الممثلين للتيار الفيدرالي وأيضاً تهرب من التقيناهم من الإجابة، وكان تعليق أحد قيادات التيار – نتحفظ على ذكر اسمه – “دعهم يجتمعون ولنرى ما سيحدث”.

هذه المماطلة والتأجيل المتعمد للجلسة دفع ببعض الأصوات من الجهة المقابلة للمطالبة بتمرير الدستور دون استفتاء الشعب عليه، كون الهيئة – حسب رأيهم – منتخبةٌ من الشعب، بالتالي تمكن المصادقة عليه من السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس النواب، دون الحاجة لاستفتاء عام من المواطنين، وهذا الرأي الذي يصادر حق المواطنين في الاستفتاء بدأ يعلو صوته أكثر مؤخراً.

وفي غياب النية لدى مجلس النواب لاتخاذ قرار جدي بشأن مشروع الدستور، تبقى الأعين معلّقة على مصير هذه المسودة التي يبدو أنها ستطوى كغيرها من المشاريع الوطنية الأخرى، التي لم يعد لها مكان على رقعة صراع أتى على كل ما في ليبيا من أحلام.