يقترب مجلسا إدارتي مؤسستي الاستثمارات الخارجية في ليبيا من توحيد صفيهما وتشكيل مجلس واحد ستتضح ملامحه الأسبوع القادم. يأتي تكاتف الجهود بين مجلسي الشرق والغرب بعد دخول مجلس جديد للإدارة على الخط تم تكليفه في الثالث عشر من أغسطس/آب المنصرم من قِبل المجلس الرئاسي المدعوم دولياً.
هذا القرار يراه الطرفان المتحدان باطلاً قانونياً، ولكن لعل إقراره هو ما ساهم في تسريع عجلة الاتفاق التي تقود الفريقين للاجتماع تارة في الإمارات وأخرى في مصر وهذا الأسبوع في مالطا، لرسم نهايةٍ للانقسام الحاصل بين المؤسستين في الدولة الواحدة التي تمتلك 550 محفظة استثمارية بين أوراق مالية وعقارات واستثمارات نفطية. وحسب ما يشاع فإن أصول تلك المحافظ تُقدر بـ 67 مليار دولار أمريكي، ولكنه رقم غير دقيق حسب ما يؤكد رئيس مجلس إدارة مؤسسة الاستثمارات الخارجية بالمنطقة الشرقية فوزي فركاش الذي التقاه مراسلون فكان معه هذا الحوار التالي:
س – توحيد المؤسستين الآن أليس متأخراً؟
ج- الخطر بالتأكيد يزداد كلما تأخرنا في توحيد المؤسسة. حقيقة كانت هناك جهود سابقة مبذولة، لكن الاختلاف بين رئيس المؤسسة في طرابلس ورئيسها السابق في البيضاء حسن بوهادي الذي استقال في فبراير/شباط الماضي حال دون ذلك، فالأول له خلفية اقتصادية وعلاقة مباشرة بالتعامل البنكي، أما الثاني مهندس كهرباء، وبالتالي من الطبيعي أن يكون الخلاف موجوداً.
س- الانقسام في المؤسسة في طريقه للانتهاء كما صرّحتم، كيف سينتهي والرئاسي المدعوم دولياً شكل لجنة تسييرية جديدة منتصف أغسطس/آب؟
ج- عند تكليفي في فبراير/شباط الماضي بعد استقالة بوهادي حاولنا التواصل مع المجلس الرئاسي، وتحديداً مع وزير خارجيته السيد محمد سيالة المكلف بمتابعة الاستثمارات الخارجية، ولكنه لم يكن متجاوباً.
قمنا بعدها بمحاولة شخصية عن طريق أصدقاء عملوا معنا في الاستثمارات وهم أصدقاء للسيد فايز السراج، واقترحنا عليه إكمال بقية عدد أعضاء المؤسسة وفقاً للقانون رقم 13 لسنة 2010 المنظم لعمل المؤسسة، فعددنا الآن أربعة: ثلاثة من الغرب وأنا من الشرق، والقانون يقضي بوجود 3 من الغرب و3 من الشرق وواحد من الجنوب؛ لكن السراج رفض الاختيار وقال إن القرار سيصدر من الرئاسي بتكليف البقية، وهذا مخالف للقانون، لأن القرار يجب أن يصدره مجلس الأمناء المكون من رئيس الوزراء والوزراء الذين لهم علاقة مباشرة بعمل الاستثمار. ومجلس الأمناء موجود في البيضاء ومعترف به من البرلمان، والرئاسي لا يملك مجلس أمناء لأن البرلمان لم يقر حكومته، إضافة لكون القرار سيادياً يجب أن يصدر بإجماع الرئاسي، لكنه أصدره بدون أن يكون له علم بالقانون الأساسي المنظم لعمل المؤسسة.
س- هل يوافقك الرأي السيد عبد المجيد بريش، رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار في طرابلس؟
ج- نعم، فقد تواصلت معه وهو رجل على دراية بعمل المؤسسة ناهيك عن تخصصه في البنوك والأسواق المالية، بخلاف بعض أعضاء مجلس الإدارة الذين لا علاقة لهم بالاستثمار.
توصلنا أنا وبريش لنقاط مشتركة كثيرة، وأصدرنا بياناً مشتركاً الأسبوع الماضي يرفض القرار غير القانوني من الرئاسي، وبدأنا في الخطوات الفعلية بتشكيل مجلس إدارة موحد. ومن المتوقع أن ننتهي منه بشكل رسمي الأسبوع القادم. كما وضعنا عدة خيارات لمقر المجلس تأتي في مقدمتها مصر ومالطا وبريطانيا. هناك بعض المشاكل الفنية العالقة حول المعايير التي بناء عليها سيتم اختيار الأعضاء، ولكننا في تقدم توافقي ملحوظ رغم كل شيء.
س- ومع ذلك، ما هي ردود الفعل الدولية حول ما تقومون به، لا سيما بوجود قرار المجلس الرئاسي؟
ج- أعيد وأكرر بأنه قرار من طرف رئيس المجلس فقط. وقد علمنا من مصادرنا أن معظم أعضاء الرئاسي غير راضيين عن القرار، فالقرار غير شرعي بموجب القانون رقم 13 للعام 2010 الذي لا يزال منظماً لعمل المؤسسة حتى الآن.
لقد تقدمنا بمذكرات قانونية إلى السفير الأمريكي ونظيره البريطاني بالإضافة إلى منظمة الأمم المتحدة والسوق الأوروبية المشتركة، ووضّحنا لهم كل الملابسات المتعلقة بقرار السيد السراج، ونحن الآن ننتظر ردودهم.
س- عُقد مطلع هذا الشهر أول اجتماع لمجلس الإدارة في القاهرة التي يوجد بها 15 % من استثمارات المؤسسة، ما أبرز ما قررتموه؟
ج- حمّلنا رئيس مجلس الإدارة السابق المسؤولية القانونية المترتبة على عدم تسليمه، وقررنا أن نكون نحن أعضاء مجلس الإدارة تنفيذيين في المحافظ الاستثمارية لنتمكن من الوصول إليها وتقييمها والتدخل لعلاج الخلل فيها. بالإضافة إلى أننا طلبنا من مصر دعماً فنّياً وتمكيننا من استثماراتنا لمتابعتها عن قرب. وهذا سيشكل دعماً قويّاً لنا، فلدينا استثمارات كبيرة في مصر، زراعية وعقارية، وقد أبدى الجانب المصري استعداداً لمساعدتنا.
س- هل طلبتم في الاجتماع رفع التجميد عن أموال المؤسسة؟
ج- لا أبداً لم نفعل، بل على العكس تماماً، فقد طالبنا في البيان المشترك باستمرار التجميد لوجود مجموعة تنتظر رفعه لتقوم بالاستيلاء على الأموال وسرقتها ولو بإهدارها فيما لا يفيد المواطن والوطن.
س- من هذه المجموعة؟
للأسف توجد مكاتب تابعة لمؤسسة الاستثمارات الخارجية لا يهمّها سوى الاستفادة الشخصية، وبعضها يتلقّى الدعم من بعض سفراء ليبيا في الخارج الذين تركوا العمل الدبلوماسي واتّجهوا للاستثمار، لكن يوجد أشخاص وطنيّون نعتمد على تعاونهم، فقد تواصلت معي شخصية ليبية -لم يصرّح باسمها- لها دراية تامّة ونفوذ في المحفظة الإفريقية الكبيرة، وأبدت استعدادها لتسهيل وصولنا إليها والتعاون معنا في المؤسسة الجديدة الموحّدة التي يديرها خبراء ليبيون كانوا يعملون في الخارج سنوات طويلة
س- هل الرقم المتداول للأصول الليبية التي تملكها المؤسسة 67 مليار دولار دقيق؟ وكم تقدرها بحكم خبرتك ومسؤوليتك عنها؟
ج- صعب جدّا تقدير ذلك، استلمنا في فبراير/شباط، وكان لدينا خلاف مع رئيس مجلس الإدارة السابق بوهادي، فكلما طالبنا بمعرفة القيم الكلية للمَحافظ يتهرّب، لم نلتق به إلا في الاجتماع الأخير في فبراير/شباط الماضي بضغط من السيد رئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثني، والذي قدم فيه استقالته دون أن يسلّم عهدته حتى هذا اليوم للمدير التنفيذي، نحن نحمّله المسؤولية القانونية على عدم التسليم.
وبخصوص تقييم قيمة الأصول فنحن نعمل على الاستعانة بمكاتب استشارية تساعدنا على ذلك، ولو تلاحظ منذ سنوات يتحدثون عن هذا الرقم – أي 67 مليار – دون أي تقييم أو زيادة.
س- كنتَ تشغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة، وهي صفة استحدثت لم ينص عليها القانون المنظم لعمل المؤسسة، ما الذي سيتغير بعد تكليفكم بالإدارة؟
ج- اضطُرّ مجلس الأمناء لتعييني كنائب لرئيس مجلس إدارة المؤسسة لتغيّب بوهادي باستمرار واعتذاره بانشغاله بالمحاكمات. وأعطوني صلاحيات رئيس مجلس الإدارة، ولكن في الحقيقة لا توجد صلاحيات لنائب رئيس مجلس الإدارة في القانون رقم 13 لسنة 2010 تمكنني من العمل، بعد استقالته تم تكليفي من قِبل مجلس أمناء المؤسسة برئاسة مجلس الإدارة.
نحن نحاول السيطرة على مكاتبنا في الخارج، فلا يوجد لدينا مكتب رئيس نسيطر عليه، للأسف عندما نتواصل مع بعضهم يردون علينا أنهم يتبعون اللجنة التسييرية المشكلّة من الرئاسي، لكن بعد اتفاقنا مع السيد بريش هو يسيطر على جزء منها ونحن نسيطر على جزء، وقد تواصلنا هذا الأسبوع مع سفارات بعض الدول التي نملك جزءاً كبيراً من استثماراتنا فيها مثل مصر والأردن.
س- متى بدأت المؤسسة الليبية للاستثمار في التخبُّط وبداية الانهيار حسب وصف بعض الخبراء؟
ج- لقد عملت في الاستثمارات الليبية في مطلع الثمانينات وعملت معهم في التسعينات من لندن، الانهيار بدأ منذ 2006 عندما كلّف سيف الإسلام القذّافي مجلس إدارة للمؤسسة من أصدقائه لا علاقة لهم بالعمل الاستثماري. وتسبّب ذلك في خسارة المليارات من الدولارات، أشهرها في القضايا التي ما زالت مرفوعة على مصرفين: أمريكي وفرنسي. واستمرّ التدهور بعد 2011 بشكل كبير ومخيف، بدايةً بتعيين موظف صغير في الاستثمار على محفظة تقدر قيمتها بـ (10 مليار دولار أمريكي)، وهو مطلوب للقضاء في البيضاء بتهم فساد مالي من ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية منذ شهر 5 الماضي، والوضع مستمر في التخبط حتى الآن.