هاجس يعيشه تاجر المواشي محمد الجراري في طبرق (200 كلم شرق بنغازي) من نقص شديد في الأغنام قد تشهده ليبيا في المستقبل القريب، بسبب تهريب مئات منها يومياً إلى جمهورية مصر العربية عبر مدينة امساعد الحدودية (160 كلم شرق طبرق) تزامناً مع اقتراب عيد الأضحى.

هاجس يعيشه تاجر المواشي محمد الجراري في طبرق (200 كلم شرق بنغازي) من نقص شديد في الأغنام قد تشهده ليبيا في المستقبل القريب، بسبب تهريب مئات منها يومياً إلى جمهورية مصر العربية عبر مدينة امساعد الحدودية (160 كلم شرق طبرق) تزامناً مع اقتراب عيد الأضحى.

حسب الجراري (46 عاماً) فإن التجار المصريين يدفعون مبالغ مغرية للتجار الليبيين مقابل الأغنام التي تدخل الأراضي المصرية تهريباً، حيث يبلغ سعر الخروف الذكر في مدينة طبرق من 550 إلى 650 دينار ليبي (400 إلى 475 دولار أمريكي)، بينما يدفع التجار المصريون 850 دينار (620 دولار) ويصل الثمن إلى  950 (695 دولار) ثمناً للخروف.

ولهذا لا يتردد التجار الليبيون في بيع أغنامهم “رغم علمهم بأنه سيتم تهريبها خارج البلاد”، كما يقول الجراري.

لا يستطيعون فعل شيء

يقول العقيد عمران أبريّد مدير مديرية الأمن الوطني بامساعد إنه وبالرغم من تأكدهم من أن أفواج الأغنام التي تدخل المدينة الحدودية سيتم تهريبها، لكنهم لا يستطيعون فعل شيء، فليست هناك قوانين تمنع التجار من جلب أغنامهم لساحة المدينة، “وعند سؤالنا أي تاجر لماذا أنت هنا؟ يجيبنا لبيع الأغنام في السوق المحلي”.

وحسب كلام المسؤول الأمني فإن التهريب يتم عبر فتحات في الأسلاك الشائكة الفاصلة بين الدولتين، وغالباً ما يتم ليلاً عن طريق خبراء لهم دراية بتلك المنطقة.

حسب ابريّد فإن مديرية الأمن بمدينة طبرق هي كغيرها من الجهات الأمنية الليبية، تعاني نقصاً في الإمكانيات وعدم توفر مقار وسيارات مجهزة خاصة بهم لمقاومة ومحاربة تلك الظاهرة، “فعملنا يعتمد أغلبه على المجهود الذاتي داخل نطاق امساعد حسب ما هو متاح لنا”.

تحدث ابريد أيضاً عن المشاكل التي يواجهونها بعد حجز الأغنام التي يُشتبه أنه سيتم تهريبها، فحجزُها يتطلب إطعامها، وهذا ما لا يقدرون عليه، وإذا مات بعضها فإن مديرية الأمن ستضطر لدفع ثمنها للتاجر.

الوضع الاقتصادي

يزعم أحد المهربين – رفض ذكر اسمه – أن انهيار الوضع الاقتصادي في ليبيا هو ما دفعه لبيع أغنامه لأحد المهربين من مصر، فنقص السيولة المالية في المصارف الليبية وكساد تجارة الأغنام والاحتياج المستمر لشراء الأعلاف – بالرغم من ارتفاع أسعارها – كلها عوامل جعلت ناقوس الوطنية يتوقف عن الضرب عنده.

حول هذا يوضح مدير مديرية أمن امساعد أن التهريب يكون في أوجه عندما تتراجع قيمة الدينار الليبي أمام الجنيه المصري، فالحدود الليبية المصرية شهدت موجة تهريب لا سابق لها بعد هبوط سعر الصرف إلى 3 جنيه مصري مقابل الدينار الواحد.

ليس التهريب لمصر هو النشاط الدائم عند الحدود المشتركة، فابريّد يؤكد أن التهريب يكون بشكل عكسي – أي من مصر لليبيا – عند انتعاش قيمة الدينار الليبي، حيث يتم تهريب نفس الأغنام الليبية إلى وطنها عندما تزيد قيمة الدينار عن ثلاث جنيهات مصرية. وكان أعلى مستوى للدينار لليبي قد وصل إلى 5,5 جنيه مصري قبل ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء بداية عام 2014.

الطرق كثيرة

يكشف المهرب الأربعيني الذي التقاه “مراسلون” عن أن طرق التهريب كثيرة، وبعضها يكون جهاراً نهاراً بالقرب من المنفذ البري، ولكن معظمها يتم عند حلول الظلام، حيث يستلم التجار المصريون ومعظمهم من قبيلة أولاد علي بضاعتهم في سيارات صحرواية أو مراكب بحرية يقوودونها إلى الأراضي والشواطئ المصرية.

وحسب كلام المهرب فإن أسعار الأغنام تختلف بعد التهريب عنها قبله، فسعر الخروف يتجاوز 1200 دينار (875 دولار) إذا ما تم بيعه داخل الأراضي المصرية، ولكن معظم المهربين الليبيين يفضلون بيع أغنامهم عند آخر نقطة تفصلهم عن منافذ التهريب “هذا مريح لنا”.

تلك النقاط الأخيرة التي تحدث عنها المهرب يقول عنها العقيد الصافي عبدالنبي، مسؤول سرية الاستطلاع بقيادة المنطقة العسكرية بطبرق، إنهم يكثفون دورياتهم الأمنية حولها، وعادة ما يتم إبلاغ الجانب المصري في حال اكتشاف أية ثغرات أمنية مشتركة.

وأضاف عبدالنبي لـ”مراسلون” أن دورية أمنية تابعة لمديرية أمن طبرق قامت الأيام الماضية باعتراض شاحنة تقل 200 رأس من الأغنام كانت متجهة نحو منطقة التهريب، مؤكداً أنه تمت إحالة سائقها ومساعده إلى النيابة العامة، كما لفت أن الدوريات الأمنية كثفت تجوالها الآونة الأخيرة بناء على تعليمات وزارة الداخلية بالحكومة الليبية المؤقتة في البيضاء.

يرغبون الإناث

أكثر ما يرغبه المهربون المصريون من الأغنام الليبية هو إناثها، هذا ما أكده الجراري التاجر الليبي، فقد ذكر أنه كثر السحب مؤخراً على إناث الأغنام التي يستغلها التجار في مصر للتناسل، ويؤكد ذلك ابريّد الذي يقول إن نفس الإناث تعود لليبيا بمجرد انتعاش الدينار الليبي، لكنها تعود محمّلة بالأمراض وأهمها الحمى القلاعية التي لم تكن موجودة في شرق ليبيا سابقاً حسب التاجر.

ومن الجراري تاجر الأغنام إلى إبراهيم الجراري رئيس الغرفة التجارية الليبية المصرية المشتركة الذي لفت أن السلطات المصرية لديها علم بكل ما يحدث، ولكن رد المصريين كان دائماً “سنفعل ما بوسعنا” يقول الجراري.

ويردف رئيس الغرفة أن الأغنام عادة ما يتم تهريبها عبر بحر الرمال العظيم من جهة بلدة الجغبوب، إذ يصعب تتبع الشاحنات في تلك المنطقة المعروفة بكثبانها الرملية.

رغم فشل كل محاولات “مراسلون” لمعرفة آخر الإحصائيات عن حجم الثروة الحيوانية من الأغنام في ليبيا، إلا أن تاجر المواشي أكد أن أكثر من 500 رأس من الأغنام يتم تهريبها يومياً إلى مصر، وهو “رقم مخيف” حسب تعبيره، وإذا ما استمر الحال فإن ليبيا بشكل عام وشرقها بشكل خاص ستعاني قريباً فقراً شديداً في ثروتها الحيوانية من الأغنام.