عند رجوعها إلى مسقط رأسها بالسبيخة بمحافظة القيروان (الوسط) لم تكن الشابة فتحية الهمادي، المهندسة في التنمية الفلاحية، تتوقع أن تجد أهلها وجيرانها بقرية عين بومرة في ذلك الوضع القاسي الذي خلفه الجفاف والظمأ.

تألمت فتحية كثيراً وهي تتابع بعينين حزينتين جحافل النساء يجلبن على ظهورهن أوعية الماء الذي لا يصلح حتى للشرب، فيما بقيت تتابع شاردة نساء أخريات يسرعن لنقل الماء من بئر مهجورة جفت مياهها منذ أشهر.

أزمة السدود

عند رجوعها إلى مسقط رأسها بالسبيخة بمحافظة القيروان (الوسط) لم تكن الشابة فتحية الهمادي، المهندسة في التنمية الفلاحية، تتوقع أن تجد أهلها وجيرانها بقرية عين بومرة في ذلك الوضع القاسي الذي خلفه الجفاف والظمأ.

تألمت فتحية كثيراً وهي تتابع بعينين حزينتين جحافل النساء يجلبن على ظهورهن أوعية الماء الذي لا يصلح حتى للشرب، فيما بقيت تتابع شاردة نساء أخريات يسرعن لنقل الماء من بئر مهجورة جفت مياهها منذ أشهر.

أزمة السدود

وحتى سد نبهانة، الذي كان مصدراً رئيساً لتوزيع المياه، لم يحصّن تلك المنطقة القريبة من العطش في ظل انحباس الأمطار وارتفاع الاستهلاك. الأمر الذي زاد من استفحال معاناة السكان.

فقد تسبب ارتفاع استهلاك مياه الري والشرب ونقص الأمطار في غلق سد نبهانة، ما خلق حالة احتقان لدى فلاحي المنطقة المحاذية للسد التي أصبحت مزارعها من الزيتون والقوارص والأشجار المثمرة مهددة بالإتلاف.

رغم إرادتها في تغيير أوضاع قريتها بقيت فتحية، التي تعمل خبيرة في مجال المياه مع منظمات دولية للنهوض بالتنمية في البلاد، عاجزة عن فعل أي شيء أمام اكتساح الجفاف أغلب المناطق بقريتها وفي أماكن عديدة بالبلاد.

وقبل إغلاق سد نبهانة أجبرت السلطات على غلق سد الهوارب، الذي كانت طاقة استيعابه تبلغ فيما مضى 95 مليون متر مكعب، لكنه أصبح اليوم ينتظر ربطه بسد سيدي سعد بالقيروان من أجل إيصال الماء إليه.

انقطاع مياه الشرب طال جهات غنية بمواردها المائية، فمحافظة باجة (شمال غرب) التي تعد أكثر الجهات التي تشهد هطولاً للأمطار، مع توفر ثلاثة سدود، أصبحت اليوم مهددة بالعطش. وقد شهدت احتجاجات شعبية للمطالبة بتوفير مياه الشرب.

أما محافظة جندوبة المحاذية لها، التي يوجد بها سبعة سدود و13 بحيرة كانت قد تسببت سابقا في فيضانات عارمة آخرها في شتاء 2015، فهي تعاني بدورها من أزمة جفاف وعطش جراء تراجع نسبة تعبئة السدود هذه الصائفة بنسبة أقل من مخزون السنة الفارطة والمقدر بـ 184 متر مكعب.

قطع الماء

وأمام تفاقم هذا الوضع الخطر انتهجت شركة توزيع المياه الحكومية سياسة التقشف في توزيع الماء. وتتالت بلاغاتها لقطع الماء عن مختلف الجهات بشكل متواتر، بما فيها مدن الساحل التي يتزود معظمها من المخزون المائي لمناطق الشمال والوسط.

وأمام هذا التوجه تقدم آلاف المواطنين بشكاويهم إلى المرصد التونسي للمياه (منظمة غير حكومية) الذي حذر الحكومة من خطر قطع الماء على الناس وطالب بتوفير الماء كحق مكفول بالدستور.

واتهم المركز شركة توزيع المياه الحكومية بالتهرب من مسؤولياتها في توفير المياه الصالحة للشرب وسوء استغلال السدود، محملاً إياها أزمة العطش التي تغزو الأرياف والمدن الساحلية والجنوبية.

لكن مدير عام الإدارة العامة للموارد المائية بوزارة الفلاحة رشيد خنفير أكد بأن أزمة العطش تفجرت جراء تراجع كميات الأمطار وارتفاع استهلاك المياه، الذي قلص من منسوب مياه السدود هذا العام.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد نبه هذا المسؤول إلى التوسع المفرط في المساحات المروية في عدد من المناطق التي تعاني سدودها من قلة المياه، إلى جانب ارتفاع ظاهرة حفر الآبار الجوفية العشوائية بدون تراخيص قانونية.

حلول بديلة

وبالنسبة إلى أغلب المختصين في مجال المياه، فإن استمرار أزمة الجفاف التي تضرب البلاد التونسية ستعمق مشكلة تراجع مخزون المياه في السدود. ما قد يؤدي إلى ارتفاع انقطاع مياه الشرب في عدد من المناطق بالبلاد.

ورغم أن بعض المسؤولين لا يخفون قلقهم من استمرار حالة الجفاف، إلا أنهم أعربوا عن أملهم في تجاوز الأزمة مع إمكانية هطول كميات كبيرة من الأمطار.

كما أكدوا بأن تونس ستلجأ إلى عدة حلول تفادياً لشح المياه في حال عدم هطول الأمطار: من ذلك وضع برنامج لتحلية مياه البحر في جزيرة الجنوب التونسي.