كتبت: حسناء محمد*

«المدينة الفاضلة تغرق في الفقر»، تصدر هذا العنوان وتنويعاته بعض المواقع الإلكترونية عن وضع قرية ميت شماس التابعة لمركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة جنوب العاصمة، في فبراير/شباط 2012. جاء ذلك بعد فشل مشروع تنمية القرية المُعدمة الذي بدأ قبل ثلاث سنوات لتزويدها بالخدمات الأساسية كالماء الصالح للشرب والمدارس والمراكز الثقافية.

كتبت: حسناء محمد*

«المدينة الفاضلة تغرق في الفقر»، تصدر هذا العنوان وتنويعاته بعض المواقع الإلكترونية عن وضع قرية ميت شماس التابعة لمركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة جنوب العاصمة، في فبراير/شباط 2012. جاء ذلك بعد فشل مشروع تنمية القرية المُعدمة الذي بدأ قبل ثلاث سنوات لتزويدها بالخدمات الأساسية كالماء الصالح للشرب والمدارس والمراكز الثقافية.

القرية تحتوي فقط على مدرستين للفتيات، مما يضطر بعض الأهالي لإرسال بناتهن لمدارس قرى مجاورة. إلا أن أغلب الأهالي يرفضون ذلك خشية على بناتهم من المسافة، فارتفعت نسبة تسرب الفتيات من التعليم بالقرية، ليقرر الشيخ بيومي التطوع ومد يد العون، فافتتح كُتّابًاً لتلقين من فاته التعليم المدرسي بالقرية قواعد القراءة والكتابة، وبخاصة الفتيات، مستنداً إلى كونه مدرساً للغة العربية بمدرسة بمنطقة الهرم.

يقول الشيخ: «منذ عدة سنوات صدرت إحصائية عن نسبة التعليم في قريتنا، جاء فيها أن نسبة تسرب البنات من التعليم قد بلغت 89 في المائة. لم تتبع تلك الإحصائية أية إجراءات من الدولة لإنقاذ بنات القرية من الأمية، فنصحتني زوجتي بإنشاء كُتاب لتعليمهن القراءة إلى جانب تحفيظ القرآن».

الصحافية الصغيرة

في وسط القرية الصغيرة تلك، تجلس حسناء بأعوامها العشر متكئة على أحد المقاعد، تصب جام تركيزها على كتابة ما أورده عليها شيخها في كُتّاب القرية. تلتمع الكاميرا تحت ضوء الشمس فتخطف أنظارها، ودونًا عن جميع أطفال القرية الذين غلبهم الحياء، تطلب هي التصوير.

تسألني الفتاة الصغيرة عن هويتي، وحين أجيب «صحافية» تتهلل أساريرها وهي تنادي على باقي الأطفال لتخبرهم بالسر الذي اكتشفته وحدها والصورة التي نالتها.

تقول بفخر: «مش قولتلكوا إني صحافية شاطرة». الصفة التي قررت الصغيرة حسناء إلصاقها باسمها بأنها صحافية بدأت حين كانت جالسة داخل «كُتّاب الشيخ بيومي» في أحد صباحات شهر أبريل/نيسان. كان الشيخ يتلو شعراً، ولم تكن حسناء حينها تعرف ما هو الشعر.

ولكن وقعه على نفسها كان أشد من قدرتها على الفهم، لتجد نفسها تخط خواطرها على أوراق صغيرة، لتتخذ مع الوقت شكلاً قصصياً. فتقرر أختها التي تكبرها بسبع سنوات أن تأخذ بيديها إلى طريق الصحافة.

سها، الأخت الكبرى لحسناء، كان حظها أوفر في تعلم القراءة مبكراً. وقد بدأت بتعليم نفسها بنفسها عبر قراءة الصحف والكتب، لتجد شغفها في الصحف، فتقرر أن تنقله إلى أختها الصغرى التي بدأت لتوها تعلم القراءة.

ملأت سها حياة حسناء بقراءة روايات الجيب والصحف ليتحول شغفهما إلى حلم تعافر الفتاتان لتحقيقه، رغم بخل القرية على بناتها بالتعليم، إذ لم يتبق لهن سوى الكُتّاب. “اتعلمنا من شيخنا في الكُتاب إن القراءة الأهم وهي التعليم بجد، مش تعليم المدارس. وبقيت أنا وسها بنقرأ كتير ونشتري جرايد ونقرأه او نكتب سوا، ومع الوقت خدنا بالنا إن اسم قريتنا مابيذكرش في الجرايد غير في الحوادث، وفكرنا نعمل مجلة لينا نتكلم فيها عن كل تفاصيل قريتنا”

مجلة القرية الأسبوعية

المجلة على بدائيتها إلا أنها تشمل جميع أخبار القرية من وفيات وميلاد وزواج ونجاح أبنائها، إلى جانب أخبار عن الزراعة ومواسمها وطرقها، مع إضافة بعض المعلومات المبسطة في مختلف المجالات العامة مثل الرياضة والفيزياء. 

نَمت موهبة سها وحسناء حتى قرأ الشيخ يوما ما تكتبانه ليعجب بموهبتهما ويقرر تبنيها أدبياً. فحدد لهما مواعيد لجلسات ثقافة خاصة لتزويدهما بروايات لنجيب محفوظ والحكيم وماركيز وغيرهما الكثير، ومتابعة كتابتهما.

يقول الشيخ: «هذا أحد أسباب فخري، حين عرضتا عليّ أول عدد من مجلتهما أعجبتني بشدة. قررت تصحيحها لغوياً وإضافة جزء ديني عليها كي تكتمل، وبدأت في طباعتها على حسابي الخاص وتكليف تلاميذي بتوزيعها على جميع أهالي القرية. بفضل حسناء تحوّل الكُتّاب إلى مقر نصدر منه مجلة القرية الأسبوعية».

من جد وجد

فوجئ أهالي قرية ميت شماس بالمجلة، وتكفل من يستطيع القراءة بقراءتها لمن لا يستطيع، وهكذا انتشرت المجلة ولاقت إعجاب الأهالي، مما شجع الفتاتين والشيخ لمواصلة عملهم على المجلة، والتخطيط إليها لخروج أعداد أفضل تساعد الأهالي في التعبير عن مشاكلهم وحلها.

وصلت المجلة أخيرا إلى أيدي وكيل وزراة التربية والتعليم بالجيزة بثينة كشك، تقول: «أتابع جيداً مجلة ميت شماس والمستوى الثقافي للقرية مؤخراً. سبق أن تلقيت عدداً من الشكاوى من أهالي القرية بخصوص احتياجهم لبناء مدارس إضافية بالقرية». تضيف: «تعمل الوزارة منذ عدة شهور على إعداد ميزانية وخطة لتطوير قرى الجيزة ودعمها بمدارس إضافية».

 أما حسناء فهي فخورة بأن مجلتها الصغيرة باتت تؤخذ على محمل الجد من قبل مؤسسات الدولة، فبالنسبة لها «ميت شماس ليست مجرد قرية» ومشاكلها يجب أن تصل إلى أصحاب القرار. «ميت شماس دي فيها كل حاجة..  احنا عيلة واحدة..بنكون جنب بعض في كل حاجة.. بنزرع وناكل من أرضنا وبنحل مشاكل إهمال الدولة لينا بنفسنا». 

وتتسائل ضاحكة: «أمّال إحنا بنتعلم بالكتاب ليه؟!».

*حسناء أحمد مراسلة صحفية حرة لعدة صحف أجنبية ومصرية، ومهتمة بالصحافة المحلية.