لم يعد حلمهم “تراب الميري”، بعدما أصبح اللحاق بقطار الوظائف الحكومية أملاً بعيد المنال لا يستطيع الوصول إليه إلا من يمتلك الوساطة أو المال، في ظل ارتفاع نسبة البطالة في مصر إلى 12.8% بحسب آخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فلجأوا إلى البحث عن طرق أخرى تحقق لهم بغيتهم في الحصول على الرزق، حتى وإن كان ذلك لا يتماشى مع الدرجة العلمية التي حصلوا عليها.

لم يعد حلمهم “تراب الميري”، بعدما أصبح اللحاق بقطار الوظائف الحكومية أملاً بعيد المنال لا يستطيع الوصول إليه إلا من يمتلك الوساطة أو المال، في ظل ارتفاع نسبة البطالة في مصر إلى 12.8% بحسب آخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فلجأوا إلى البحث عن طرق أخرى تحقق لهم بغيتهم في الحصول على الرزق، حتى وإن كان ذلك لا يتماشى مع الدرجة العلمية التي حصلوا عليها.

محمد علي، واحد من هؤلاء الشباب الذين تمردوا على مقولة “إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه”، يبلغ من العمر 28 عاماً، حصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من كلية التجارة، جامعة الاسكندرية عام 2008، لكنه – حسب قوله – رفض انتظار الوظيفة في “مقاهي العاطلين”.

شهادة بلا قيمة

“محمد” أكد أنه فور إعلان إحدى الشركات الخاصة عن مشروع “عربات الطاقة الشمسية لبيع المشروبات والمأكولات على كورنيش الإسكندرية”، بادر مع مئات الخريجين للحصول على ترخيص لإحدى تلك العربات من المحافظة، ليتمكن من العمل على كورنيش المحافظة الساحلية – التي تعاني من ركود سياحي منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 – متناسياً الشهادة التي حصل عليها، والتي أصبحت بلا قيمة.

“المشروع بالنسبة لي كان طوق نجاة.. لذا أطلقت عليه مقهى الأحلام”، هكذا قال “محمد” عقب الحصول على ترخيص عربته، التي تعمل بالطاقة الشمسية ويبيع عليها المشروبات الساخنة للأهالي الذين عادة ما يكتظ بهم الشاطئ ليلاً، وتجتذبهم أضواء عربته، مضيفاً: “كأي شاب كنت أحلم بالوظيفة الحكومية التي تحقق لي الاستقرار، والجلوس في التكييف، والترقي بدون أي مجهود، لكنني كنت متأكداً من أن ما يدور في خلدي هو محض أحلام لا سبيل لتحقيقها. لذا كنت سعيداً بعدما حصلت على واحدة من هذه العربات التي تم تصميمها بطريقة مميزة تعتمد على وضع خلايا الطاقة الشمسية أعلى العربة، لتوفير الإضاءة للعربة ليلاً، والتي تمكن أصحاب العربة من ممارسة عملهم في بيع المشروبات والساندويتشات لهواة المشي والاستمتاع بالبحر والجلوس على الكورنيش، والذين ينجذبون لأضواء العربات المبهجة، ويمنحونا حكماً سريعاً بنجاح المشروع”.

بضعة آلاف جنيه للهروب من شبح البطالة

6 آلاف جنيه هي تكلفة حصول “محمد” على “عربة الطاقة الشمسية” التي منحته صكاً بالخروج من فئة العاطلين عن العمل إلى فئة أصحاب الأعمال. سدد نصفهم للشركة المنفذة عند التعاقد، على أن يتم تسديد الباقي على عدة أقساط. لكن “محمد” طالب الدولة بتقديم مزيد من الدعم للشباب – إن كانت تريد القضاء على البطالة – مؤكدًاً أن الشباب باتوا على ثقة بأنهم لن يلتحقوا بالوظيفة الميري، أو الجلوس في المكاتب المكيفة بشهاداتهم التي حصلوا عليها وحدها. وهو ما يجعل الفرصة مهيأة أمام الدولة لتشغيلهم في مثل هذه المشروعات المبتكرة، التي لا تتطلب رأس مال كبير لدخول سوق العمل.

أزمات تواجه المشروع

بعد 3 أشهر من انطلاق المشروع بدأت الأزمات تلاحقه، فكما يقول وليد المعز، أحد الحاصلين على عربة الطاقة الشمسية: “المشروع جيد، لكن هناك أزمات  تواجهنا، خاصة أولئك الذين حصلوا على عربات في حي الجمرك، فحتى الآن لم يحصلوا على التراخيص الخاصة بهم، والتي تقيهم الوقوف في الممنوع وتحميهم من رجال البلدية. كما أن المحافظة لم تخصص لهم أماكن خلال فصل الشتاء، فكورنيش البحر الذي يصلح للبيع والشراء في الصيف، غير مجدٍ في الشتاء، بخاصة أن المحافظة غرقت العام الماضي وتحول الكورنيش إلى بحر جديد بعدما امتلأ طريق جمال عبد الناصر بآلاف الأمتار من مياه الأمطار، ما يحتم على المحافظة تحديد أماكن بالشوارع الداخلية للمستفيدين من المشروع لممارسة عملهم في فصل الشتاء، خاصة أن العربات مصنوعة من الأخشاب ولا يمكنها مقاومة الأمطار”. موضحاً أن الوقوف في الشوارع الداخلية بدون الحصول على تراخيص سيمثل أزمة كبيرة للشباب وسيضعهم تحت رحمة مسؤولي الحي الذين قد يضطروا لمصادرة العربات”.

كهرباء كافية للمشروع

تعمل خلايا الطاقة الشمسية المثبتة أعلى العربات على توليد طاقة كهربائية كافية لإنارة العربة، وتشغيل سخان كهربائي، دون الحاجة لاستخدام مواقد الغاز أو البطاريات، فكما يقول “محمد”: “لا نستهلك الكثير من الكهرباء، كما أن الطاقة الشمسية منعت المخالفين من سرقة التيار الكهربائي من الأعمدة”، نافياً وجود مضايقات من إدارة الحي، أو من الباعة الجائلين المخالفين، فالجميع يسعى إلى كسب رزقه.

“محمد” أكد أن أصحاب المقاهي والكافتيريات عبروا عن سعادتهم بالمشروع بطريقتهم الخاصة، بعدما أحالت العربات كورنيش المحافظة إلى كرنفال من الألوان المبهجة ليلاً، موضحاً أنهم يحصلون على المياه اللازمة لإعداد المشروبات وطهو الأطعمة من المقاهي الموجودة على الجانب الآخر من الكورنيش. لافتاً إلى أن زبائنهم من جميع الفئات العمرية من الجنسين، والذين يجمعهم هدف واحد هو الاستمتاع ببحر الإسكندرية.

أزمة وقف التراخيص الممنوحة 

“محمد” كان واحدًا من المحظوظين الذين حصلوا على عربة طاقة شمسية، فبعد 3 أشهر أعلنت محافظة الإسكندرية توقف المشروع وعدم التعامل مع الشركة مالكة المشروع بصورة مفاجئة.

وأرجع المهندس محمد عبدالظاهر، محافظ الإسكندرية أسباب توقف المشروع إلى انتشار العربات بصورة كبيرة على الكورنيش، ما تسبب في تشويه المشهد العام. الأمر الذي يحتم على المحافظة تقنين الأمر. وتعهد بتبني المشروع واستكماله تحت إدارة المحافظة، لكنه لم يعلن عن موعد أو خطوات البدء في المشروع من جديد.

التلاعب بأحلام الشباب

رئيس الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية، اللواء أحمد حجازي، اتهم “شركة الأدهم” المسؤولة عن المشروع بالتلاعب بأحلام الشباب لتحقيق مكاسب مالية، موضحاً أن الشركة الموكل لها القيام بالمشروع قدمت المشروع في عهد اللواء طارق المهدي المحافظ الأسبق، وبدأت المحافظة في تقنين أوضاع المستفيدين، وتم الاتفاق بشكل مبدئي على 180 عربة حتى لا ينتشر المشروع بشكل عشوائي ويشوه الكورنيش، بالإضافة إلى 30 عربة للباعة الجائلين بمنطقة القلعة.

وأضاف أن المقابل المتفق عليه كان 6 الاف جنيه ثمن ايجار العربة، لكننا فوجئنا بمطالبة الشركة للشباب بدفع خمسة آلاف جنيه سنوياً نظير الوقوف على الرصيف، بالإضافة إلى 2500 جنيه مقابل تجهيز العربة، كما تم تصميم العربة بالأخشاب المخالفة للاتفاق مع المحافظة، والذي ينص على تصنيعها من الحديد، الأمر الذي دفعنا لمطالبة الشباب بعدم الانصياع لشروط الشركة وعدم الدفع أو التعاقد.

في انتظار رحيل المحافظ

ياسر الأدهم، رئيس شركة “الأدهم” للاستثمار والتنمية، قال من جانبه إن الشركة طرحت المشروع بعد انتشار سيطرة البلطجية على الكورنيش، وزيادة عدد العشش والكافيهات العشوائية بعد ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013 بسبب الفراغ الأمني في تلك الفترة، ما دفعنا للتفكير في عمل عربة مجهزة بالسماعات وطفاية حريق وسلتي قمامة، وتعمل بالطاقة الشمسية، وذلك للقضاء على ظاهرة سرقة الكهرباء من الأعمدة، وهو ما كان يتسبب في فصل الكهرباء عن بعض المنازل، إضافة إلى إهدار المال العام.

وأضاف “كان من أهداف المشروع تطوير وتجميل المنظر العام بكورنيش الإسكندرية، وعدم احتكاك الباعة الجائلين بشرطة المرافق، وإحكام سيطرة المحافظة والأحياء على الباعة الجائلين، بخاصة أننا اشترطنا تقديم الشاب شهادة صحية وصحيفة الحالة الجنائية “فيش وتشبيه” وصور شخصية، قبل التوقيع على التعاقد الذي يحصل الحي على نسخة منه في حين تظل النسخة الثانية لدى الشركة”.

وأشار إلى أن المشروع كان مخصصاً للباعة الجائلين، لكننا فوجئنا بتقدم شباب خريجين من كليات الآداب والزراعة وتجارة إنجليزي للحصول على العربات، وبدأ المشروع بالفعل في عقد المحافظ السابق هاني المسيري، وقبل رحيله وقع على 33 رخصة بحي شرق، رغم تقدمنا بأوراق ترخيص 50 عربة، إلا أن الفساد بالأحياء كان يستهدف إيقاف المشروع، بحيث قام الموظفون بعرقلة الأوراق رغم موافقة المحافظ، وبدأت الشائعات تتزايد أن الشركة رفعت سعر العربة إلى 10 آلاف جنيه، وهو ما نفيناه.

وأوضح أن إيجار العربة يبلغ قرابة 500 جنيه شهرياً، بما يعادل 6 آلاف جنيه سنوياً تؤول للمحافظة، ورغم ذلك تصدى المحافظ ورجاله في الأحياء للمشروع، وأوقف العمل به، رغم تحقيقه نحاجاً كبيراً في محافظة بني سويف، ونحن الآن في انتظار رحيل المحافظ حتى نبدأ من جديد في حل مشكلة البطالة. 

“محمد” أكد في النهاية أن الروتين والتعنت الحكومي أوقف المشروع، الذي كان كفيلاً – حسب قوله – بحل أزمة نسبة كبيرة من العاطلين في المحافظة، مطالباً المسؤولين بالبحث عن أفكار جديدة خارج الصندوق، وأن تعيد النظر في فكرة إيقاف المشروع، أو على الأقل البدء في تصنيع العربات وتوزيعها على الشباب، وتحصيل ثمنها وإيجار مكان الوقوف من الشباب.