ورقة مصرفية صغيرة الحجم، حمراء اللون باسم “محمد القبايلي”، تفيد أنه تم حجز مبلغ وقدره 20 ديناراً ليبياً من حسابه المصرفي لصالح حساب عبدالله المقريف الذي يملك دكاناً لبيع المواد الغذائية، ليشتري القبائلي مقابل هذه الورقة حاجيات بيته اليومية. حلٌ أصبح شائعاً في اجدابيا الليبية (160 كم غرب بنغازي) في ظل نقص السيولة المالية في المصارف العاملة بالمدينة.

قصاصة بخط اليد

ورقة مصرفية صغيرة الحجم، حمراء اللون باسم “محمد القبايلي”، تفيد أنه تم حجز مبلغ وقدره 20 ديناراً ليبياً من حسابه المصرفي لصالح حساب عبدالله المقريف الذي يملك دكاناً لبيع المواد الغذائية، ليشتري القبائلي مقابل هذه الورقة حاجيات بيته اليومية. حلٌ أصبح شائعاً في اجدابيا الليبية (160 كم غرب بنغازي) في ظل نقص السيولة المالية في المصارف العاملة بالمدينة.

قصاصة بخط اليد

ليس دكان المقريف هو فقط من يتعامل بهذه الطريقة، بل انتشر الأمر ليشمل محلات بيع السجائر ومواد البناء والملابس وحتى الكثير من العمال الليبيين في الأعمال الحرفية أصبحوا يتقاضون أجور أعمالهم بهذه الطريقة.

يقول محمد القبايلي (36 عاماً) لـ”مراسلون” إنه يشتري ما يلزمه من مواد غذائية لمنزله بهذ الطريقة منذ أكثر من 5 أشهر، ويروي مبتسماً أنه بدأ ينسى شكل النقود الليبية الخضراء حينما حلت في جيبه تلك القصاصات الحمراء التي يطويها تماماً مثلما يفعل مع النقود.

يقصد القبائلي مصرفه الكائن في وسط المدينة أكثر من 4 مرات في الأسبوع ليقوم بتحويل النقود التي تصل كرقم مجرد من حسابه إلى حسابات بعض التجار، ويستلم مقابل ذلك تلك القصاصات التي تكتب بخط يد الموظف وتكون غير واضحة نتيجة زحمة الطلب عليها، فمنها ما يذهب للدكان وأخرى للصيدلية، حتى الحلاق الذي يقصده القبائلي أصبح له نصيب من هذه القصاصات التي تضمن له حقه رقمياً.

في المقابل لم يكن عبد الله المقريف صاحب دكان المواد الغذائية راضياً تماماً عن هذه الطريقة، “ولكن لا سبيل سوى ذلك”، فهذا أفضل من أن تظل بضاعته “كاسدة” حسب ما قاله. وبينما يقوم بتنظيم تلك الأوراق التي تكدست من زبائن كثر على طاولة الحساب يتحدث المقريف ممعن النظر في القيم المكتوبة، “نحن نقدر الوضع الحالي الذي تمر به البلاد، ولكن لا أعتقد أن هذه الطريقة ستستمر طويلاً”.

زحمة في المصارف

القصاصات مقابل البضاعة، هذه الطريقة أرجعت الحياة من جديد لصالات ومكاتب مصارف المدينة، فالمئات من المواطنين يتجمهرون بشكل يومي قبل حتى أن تفتح أبواب المصرف، ليتدفقوا أفواجاً ويتراصوا على الشبابيك التي لا تعمل إلا لأجل هذا الأمر.

يقول سعد العيضة مدير مصرف الجمهورية باجدابيا، إنه يجب أولاً أن يكون للمواطن رصيد في حسابه المصرفي، وما عليه سوى تعبئة صك باسم ورقم حساب التاجر المستفيد، وبناء على ذلك يتم إيداع القيمة المكتوبة في حساب التاجر مباشرة وتُعطى له إفادة تُعرف بالقسيمة. هذه القسيمة التي يتوجه بها المواطن للتاجر، هي طريقة بيروقراطية وغير منطقية يقول العيضة، ولكنه أيضاً يرى أنها الحل الوحيد حالياً.

يضيف العيضة أن هناك مشاكل أصبحت تحدث مؤخراً بسبب هذا الأمر، بسبب إيداع أكثر من مواطن نقوداً لحساب واحد، وتحدث المشكلة عند تسليم القسائم التي تتم بالنداء بالصوت العالي على اسم التاجر المستفيد، الذي عادة ما يكون مكتوباً في أكثر من قسيمة خاصة إذا كان يملك محلاً كبيراً للمواد الغذائية. هي “طريقة بدائية” حسب كلامه، ويكرر من جديد “لكن لا مفر”.

ليس كل التجار

بالرغم من رواج هذه الطريقة في التعامل إلا أن بعض التجار قرروا إيقاف التعامل بها معللين ذلك بأنه لا ربح فيها أبداً، وهذا ما أكده أحمد عبد الحميد – صاحب محل مواد بناء – الذي قال لـ”مراسلون” إن محله تعرض لخسائر بسبب ذلك، فحسب كلامه هو يقوم بشراء بضاعة محله نقداً من تجار الجملة، ويقوم في المقابل ببيعها مقابل هذه القصاصات، “ماذا سأفعل بالقصاصات؟” يتساءل.

ولكن في المقابل يقول المقريف إن ذلك يعتمد على تجار الجملة الذي يوردون بضاعتهم للمحلات الصغيرة، فهناك تجار جملة يقبلون هم أيضاً بتحويل الأموال مصرفياً إلى حساباتهم، وهذا ما دفع المقريف إلى أن يتعامل مع زبائنه على هذا الأساس، بالإضافة إلى الكثير من التجار الذين يقومون بتعليق لافتات على أبواب محالهم مكتوب عليها “نقبل القسائم” لجذب الزبائن وتوفير الإحراج عليهم من السؤال عن ذلك.

طريقة منظمة

بين المقريف وعبدالحميد يرى الأستاذ الجامعي بكلية الاقتصاد بجامعة اجدابيا صالح عبدالرحمن أن هذه الطريقة قد تشجع المصرف المركزي على الاستمرار في عدم وضع حلول لمعالجة نقص السيولة المالية، ومهما كان الحل الذي تقدمه تلك الطريقة، إلا أن عبدالرحمن يعتبرها “غير منطقية ومآخذها أكثر من منافعها، وإن كان لابد من ذلك فعلى المصارف إيجاد طريقة أكثر تنظيماً من ذلك”.

ولعل ما يقصده الأستاذ الجامعي هو ما أعلنت عنه إدارة مصرف التجارة والتنمية في العاشر من أغسطس/آب، إذ وجهت عبر موقعها الإلكتروني الدعوة لأصحاب المحال التجارية والمستشفيات وحتى المطاعم لزيارة إدارة فروع المصرف للاشتراك في خدمة “ادفع لي”.

هذه الخدمة حسب البسكري الطيب مدير مصرف التجارة والتنمية باجدابيا انطلقت فعلاً في المدينة البالغ عدد سكانها 150 ألف نسمة، ويتم الانتفاع بها حسب الطيب بتوقيع عقد شراكة بين المصرف والتجار الراغبين في الاشتراك بالخدمة، بناءً عليه يتم ربط رقم هاتف التاجر بمنظومة المصرف وما عليه سوى إرسال رسالة نصية تتضمن رقم حساب الزبونوقيمة المشتريات المستحقة للتاجر، ليقوم المصرف مباشرة بإرسال “كود” على رقم هاتف الزبون للتأكيد على رغبته بتحويل القيمة، إلا أن هذه الخدمة تبقى مقتصرة فقط على من يملكون حسابات في مصرف التجارة والتنمية.

ومع اقتراب عيد الأضحى المبارك الذي تشتعل فيه أسعار الأغنام لم تبدُ على القبايلي أية علامات انزعاج، فالسماسرة الذين يبيعون أغنامهم على جوانب الطرق انضموا أيضاً لباقة المتعاملين بالقسائم المصرفية، ومحمد جهز بالفعل قسيمته التي تفيد بتحويل مبلغ 500 دينار ليبي مقابل خروف العيد، مختتماً “لا تهمني طريقة الدفع ما دمت أحصل على حاجتي”.