” دى زى ماتكون عزبتهم الخاصة” ..هكذا انفعل محمد صالح أحد الشباب المقيمين بمدينة الإسماعيلية بعد قراءته لمنشور داخلي لهيئة قناة السويس، حصلت “مراسلون” على نسخة منه، يمنح أبناء العاملين بعض الاستثناءات في التقدم لإحدى المدارس الفنية التابعة للهيئة، والتي يضمن خريجيها التعيين بعد تخرجهم في إحدى الوظائف داخل هيئة قناة السويس.

” دى زى ماتكون عزبتهم الخاصة” ..هكذا انفعل محمد صالح أحد الشباب المقيمين بمدينة الإسماعيلية بعد قراءته لمنشور داخلي لهيئة قناة السويس، حصلت “مراسلون” على نسخة منه، يمنح أبناء العاملين بعض الاستثناءات في التقدم لإحدى المدارس الفنية التابعة للهيئة، والتي يضمن خريجيها التعيين بعد تخرجهم في إحدى الوظائف داخل هيئة قناة السويس.

ولم يكن غضب صالح تجاه هيئة قناة السويس فقط، بل خلال جلوسه مع بعض زملائه، صبوا جميعا ً جام غضبهم على معظم الهيئات الهامة في الدولة، التي يتعاملون معها في بعض الأحيان، ويجدون أن أبناء العاملين قد تم حجز معظم الوظائف لهم.

الفساد عند مكافحيه

“وحتى النيابة الإدارية اللى مفروض تراقب وتكافح الفساد الإداري..الفساد كان فيها بتعيين أبناء العاملين ..لكن ربك بالمرصاد ” ..كما يقول الدكتور إبراهيم إلياس، المحامي الذي تهللت أساريره فور سماعه حكم المحكمة الإدارية فى جلستها المنعقدة نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، رفض استشكال هيئة النيابة الإدارية، الذي يطالب بوقف تنفيذ الحكم الصادر ببطلان تعيينات النيابة الإدارية الأخيرة، وتغريم وزير العدل، ورئيس هيئة النيابة الإدارية مبلغ 800 جنيه، بعد أن تقدم أحد زملائه المحامين، وهو الدكتور محمد إبراهيم أحمد، المحامي بالنقض،  ببلاغ ودعوى قضائية يؤكد خلالها أن تلك التعيينات شابها المحسوبية والوساطة وتعيين أبناء العاملين بالمخالفة للدستور والقانون، وبعد دراسة أوراق القضية حكمت المحكمة ببطلان تعيينات النيابة الإدارية الأخيرة.

ويؤكد إلياس على أن الدستور المصري ينص في مادته التاسعة على أن تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز، وتنص المادة الرابعة عشرة على أن الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة.

لأبناء العاملين حقهم

ولكن المستشار سامح كمال، رئيس هيئة النيابة الإدارية السابق والذى جرت في عهده المسابقة، كان له رأي آخر بخصوص مسألة تعيين أبناء العاملين ..كما أكد لـ “مراسلون ” ..فيقول كمال: “بعض الهيئات لها لوائحها الخاصة فيما يتعلق بتعيين بعض أبناء العاملين بشرط انطباق الشروط عليهم ..وهذا لا يُسمى فساداً أو جريمة بالمعنى المعروف، بل مراعاة للظروف النفسية للعاملين داخل تلك الهيئة، والتي تقوم على أكتافهم منظومة العمل بأكملها، وخلينا صرحا، فالإنسان لن يحب الأخرين أكتر من نفسه، ومفيش حد ممكن يدي وظيفة لغيره وابنه يكون محتاجها”!

يفسر كمال كلامه قائلاً: “ظاهرة تعيين أبناء العاملين، مينفعش نفصلها عن الوضع الاقتصادي للبلد، ففى ظل وجود ندرة في فرص العمل، لابد أن تجد كل ولي أمر يحرص على ضمان مستقبل أمن لأولاده بمحاولة إلحاقهم بأي وظيفة داخل الكيان الذي عمل به لعشرات السنين. والظاهرة دى مكنتش موجودة أيام لما اتخرجت من كلية الحقوق سنة ستين، لأن البلد كان أيامها فيها مشروعات وفرص عمل كتير، وبالتالى مكنش فيه الصراع الموجود حاليا على الوظائف الحكومية”.

يدافع كمال عن المسابقة التي جرت في عهده، مؤكداً أنها كانت الأنزه في تاريخ النيابة الإدارية، وسمحت بوجود الحاصلين على تقديرات مرتفعة بجانب نسبة من ذوي الإعاقة. ولم ينكر وجود نسبة من أبناء العاملين المنطبق عليهم شروط المسابقة، التي أُعلن عنها أمام الجميع وتميزت بالشفافية، وحتى بعد أنه تم تعديل بعض الشروط، التي تم الإعلان عنها.

ولكن كمال أراد أن يوضح شيئاً قد يغفله البعض، في مدى تفضيل هيئته لأبناء العاملين عن باقي المتقدمين، كما أكدت الدعوى القضائية، قائلاً: “على فكرة ناس متعرفش أن مش شرط يكون خريج كلية حقوق الزقازيق مثلاً وجايب جيد جداً وأفضله عن خريج كلية جامعة القاهرة أو عين شمس حتى لو جايب جيد، لأن خريج الكلية الأخيرة، وخاصة بجامعات العاصمة يفوق مستواه بكثير نظرائه بالجامعات الإقليمية، وهذا ماقد يتسبب في حدوث نوع من القلق عند البعض أو الشعور بالظلم”.

ويختتم كمال حواره معنا، قائلاً : “مفيش عدالة مطلقة في الأرض، وكل دول العالم فيها نفس الكلام ده بتفضيل أبناء العاملين بشروط معينة، وماينفعش تطلب المستحيل وأنت عارف أن ظروف البلد ماتسمحش بانتهاء الظاهرة”.

العواقب خطيرة

لكن المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، يناقض تصريحات كمال فيما يتعلق بأن ظاهرة تعيين أبناء العاملين موجودة في كل دول العالم، مؤكداً لــ “مراسلون” عدم صحة هذا الأمر، مستشهداً بالمملكة المتحدة البريطانية، التي ينص فيها القانون على عدم وجود أقارب الدرجة الثالثة مع مشتغلي الوظائف العامة، وبخاصة القضائية منها، قائلاً: “مثل ذلك الأمر من أولى أبجديات العدالة في المجتمع”.

يعود الجمل بذاكرته عندما كان رئيساً لمجلس الدولة قائلاً: “تعرضت لضغوط كتيرة جداً من أبناء المستشارين والقيادات الكبيرة في المجلس من أجل السماح بتعيين نسبة من أبناء العاملين. وهذا ما رفضته إطلاقاً، لآنه من أشد أنواع الفساد، ويؤدي لعواقب وخيمة على المجتمع. وعندما أجريت مسابقة للتعيين اخترت الأوائل على الجامعات المصرية، وهم الآن القائمون بمهام المجلس، ولايخشوا في الحق لومة لائم”.

يؤكد الجمل أن وجود نسبة معينة من الوظائف المخصصة لأبناء العاملين ليس له أي أساس دستوري أوقانوني، لأن تخصيص أو تمييز جزء من المجتمع سيجعل من عديمي الكفاءة يتسلمون المناصب القيادية والحساسة، وبالتالي سيختل ميزان العدالة، وستكون له آثاره السلبية على المجتمع بأسره وليس السلطة القضائية فقط.

الآثار التي ستعود سلباً على المجتمع وضحها الدكتور إبراهيم بيومي، الخبير الاقتصادي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، قائلاً : “المشكلة أن هذه الظاهرة تزداد انتشاراً مع مرور الوقت في مصر، في حين أن التطور الطبيعي والحداثة من شأنها أن تنهي مثل تلك الظاهرة الخطرة، ولكن يحدث العكس في مصر للأسف. وهو ما ينتج عنه نشوء انقسامات في المجتمع وحزازات نفسية ومشاعر سلبية بين أفراده، بخاصة وأن القطاعات الكبيرة في المجتمع ستشعر بالظلم واختلال العدالة بسبب عدم وجود تكافؤ فرص بين الجميع”.

ولم يقتصر الأمر على الجانب الاجتماعى فقط، بل يتعداه إلى الجوانب الاقتصادية للبلد بأكملها كما يقول بيومي، مؤكداً أنه ليس من المؤكد أن يكون نجل القاضي أو الضابط أو الموظف العادي ناجحاً مثله، حتى يلجأ لتعيينه في سلك وظيفته. وبالتالي سيتم تعيين عديمي الخبرة والكفاءة، مما يؤدي لتدني مستوى أداء الوظائف العامة، وبالتالي ينخفض معدل النمو في الوطن، وبعدها يقترب الاقتصاد القومي من الخسارة أو الانهيار”.

ظروف ولوائح خاصة

ولكن لابد من مراعاة بعض الجوانب الإنسانية، حسب وجهة نظر الفريق مهاب مميش رئيس قناة السويس، الذي قد يلجأ نادراً للموافقة على تعيين بعض الحالات من أبناء العاملين من منطلق إنساني بحت، كأن يكون والده قد توفى أثناء الخدمة، ويفتقد أولاده مصدر دخل إضافي، فيلجأ حينها لتعيين أحد الأبناء كي يعول أسرته ..هذا مايقوله مصدر مسؤول بهيئة قناة السويس رفض ذكر اسمه. مؤكداً أن ما يتعلق بالإعلان الذي أغضب محمد صلاح، يتعلق بمدرسة  ثانوية خاصة بهيئة قناة السويس، وكان من ضمن شروطها حصول المتقدم على تقدير جيد جداً. وبعد مناشدة بعض العاملين لرئيس الهيئة، وافق على النزول بالتقدير لجيد، وهذا القرار من ضمن صلاحيات الهيئة التي قد تكون لوائح خاصة بها عند تعيين البعض.

وفى نفس الوقت نفى المصدر أن تكون هناك حصة لتعيين أبناء العاملين، ذاكراً جملة سابقة قالها الفريق أحمد علي فاضل، رئيس الهيئة السابق للعاملين، عندما طالبوه بحصة لتعيين أبنائهم، فكان رده عليهم: “هى مش عزبتكم عشان نعين فيها ولادكم” ..مؤكدا أن كل مسابقات التعيين بالهيئة يتم الإعلان عنها عبر الموقع الرسمي، وقد يكون هناك بعض التحيز بأن تكون أولوية التعيين لأبناء منطقة القناة؛ وهذا ما قد يغضب بعض أبناء المحافظات الأخرى. ولكن في هذا الأمر يُنظر للمصلحة العامة وتعويض أهالي منطقة القناة عما عانوه من ويلات الحروب السابقة والتهجير وتعرضهم لضغوط أمنية بسبب وجود القناة في منطقتهم.

كيف تنتهي الظاهرة؟

ولكن هل من حلول لمواجهة تلك الظاهرة؟.. طرح “مراسلون” هذا السؤال على عدد ممن حاورهم وآخرين، فيقول الدكتور إبراهيم إلياس المحامي، الأمر لا يحتاج لحلول جديدة، بل لابد فقط من تطبيق القانون، مستشهداً بحيثيات الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري الدائرة الأولى للبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، بوقف تنفيذ قرار الجهة الإدارية المطعون فيه بوقف تنفيذ قرار الجهة الإدارية فيما تضمنه من رفض قبول قيد الطالب أحمد، نجل المواطن الفلاح محمد محمود حسين، بالمدرسة الثانوية الفنية التابعة لشركة مياه الشرب والصرف الصحي بالبحيرة لتفوقه في مجموع درجاته على الطالب علي كامل شلضم، نجل مسؤول بالشركة.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن “المشرع الدستوري ألزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز. والمواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر”.

وأضافت المحكمة أن “المشرع الدستوري جعل التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وألزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، وعهد الدستور إلى القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض لإغلاق الباب في وجه أي فساد أو استبداد، ولعلاج جراح الماضي ولرفع الظلم عن الشعب الذي عانى طويلاً”.

وأما المستشار سامح كمال، فيؤكد صعوبة تطبيق القانون بحذافيره وتحقيق العدالة المطلقة، طالما ظل الوضع الاقتصادي للدولة سيء، مؤكداً أنه متى تحسنت تلك الاوضاع، فمن المؤكد أن تلك الظاهرة ستنحسر بشكل كبير.

من جانبه يؤكد المستشار محمد حامد الجمل على ضرورة أن لا يصمت المواطنون عن حقهم، ويلجأوا فوراً للجهات القضائية إذا حدث أي تجاوز داخل أي مؤسسة، معترفاً بضعف منظومة التقاضي داخل مصر من حيث الأمد الزمني، مؤكداً في الوقت ذاته على أن أكثر من مليوني قضية سنوياً تعرض على 13 ألف قاضٍ فقط، وهو ما يجعله يدعو لزيادة عدد القضاة بشرط ان يتمتعوا بالكفاءة المطلوبة.