“أنا العميد الشرعي” جملة يرددها ثلاثة أشخاص يدّعي كل واحد منهم أنه عميد بلدية بنغازي بعد انقسام المجلس على خلفيات حكومية وميدانية، ليفاجئهم قرار عسكري بداية شهر أغسطس الجاري بتعطيل عمل بلدي بنغازي السابق وتعيين عميد رابع.

قبل الانقسام

“أنا العميد الشرعي” جملة يرددها ثلاثة أشخاص يدّعي كل واحد منهم أنه عميد بلدية بنغازي بعد انقسام المجلس على خلفيات حكومية وميدانية، ليفاجئهم قرار عسكري بداية شهر أغسطس الجاري بتعطيل عمل بلدي بنغازي السابق وتعيين عميد رابع.

قبل الانقسام

كحال جميع المجالس البلدية المُنتخَبة في ليبيا؛ انتخبت بنغازي مجلسها في 19 إبريل 2014 مكوّناً من 9 أعضاء حسب ما أفاد به الناطق الرسمي باسمها عبد الرؤوف الخضر، الذي قال لـ”مراسلون” إن تبعيته للمجلس وليس لأي عميد من الثلاثة المختلفين.

إلا أن العدد تقلص إلى 8 أعضاء إثر خطف عضو المجلس عصام الغرياني في نفس اليوم الذي قتلت فيه زوجته الناشطة الحقوقية المحامية سلوى بو قعيقيص في يونيو عام 2014، حيث قرر بقية أعضاء المجلس البلدي عدم انتخاب عضو بديل عن الغرياني الذي مازال مختفياً حتى اليوم.

الأعضاء الثمانية اجتمعوا لينتخبوا عميداً من بينهم للبلدية وتم اختيار طارق العرفي لهذه المهمة، ليكون أول عميد لبلدية بنغازي، لكن العرفي غادر المدينة إلى طرابلس بعد انطلاق عملية الكرامة بقيادة اللواء – في ذلك الوقت – خليفة حفتر في 15 أكتوبر 2014.

الانقسام الأول

يقول العرفي لـ”مراسلون” إن “القوة القاهرة” هي من أجبرته وزميله عضو المجلس عبدالسلام البسيوني على الانتقال إلى طرابلس بعد بدء عملية الكرامة، وأنه باشر عمله من العاصمة عميداً لبلدية بنغازي، واستمر إلى أن اجتمع عليه الأعضاء الباقون في مدينتهم ليقرروا إيقافه عن العمل في ديسمبر عام 2014، ثم فُصل هو والبسيوني في فبراير 2016 معتمدين في ذلك على القانون رقم 59 لسنة 2012 للإدارة المحلية الذي ينص على فصل عضو المجلس البلدي إذا غاب ثلاث جلسات دون وجود تبرير.

مبرر الغياب كان مقنعاً من وجهة نظر العرفي، فالحرب هي من أجبرتهم على الذهاب إلى طرابلس كما أجبرت آلاف النازحين في المدينة وخارجها حسب كلامه، وبناء على ذلك يقول إن قرار فصله غير قانوني، فالقانون ينصّ على أن نائب العميد يسيّر العمل حتى رجوع العميد ولا توجد مدة محددة، ولذا فهو عميد بحكم القانون حتى اليوم كما يقول.

الانقسام الثاني

“بمجرد ذهاب العرفي لطرابلس قام أعضاء بلدي بنغازي بتكليف عمر البرعصي خلفاً له إلى أن يتم انتخاب عميد جديد حسب اللوائح” يقول أنيس المجبري عضو بلدي بنغازي.

يضيف المجبري لـ”مراسلون” أن البرعصي استمرّ في منصبه مدة سنتين حتى التحق عضو جديد بالبلدي وهو محمد نشاد ليكتمل النصاب، ووفقاً للقانون 59 لا يستمر العميد المكلف في أداء عمله بعد اكتمال النصاب، بل يجب على الأعضاء انتخاب عميد جديد.

ولكن الأعضاء السبعة الذين يشكلون النصاب مكتملاً لم يكونوا متفقين على مبدأ انتخاب عميد جديد لهذا فقد اجتمع أربعة منهم فقط في مطلع يونيو الماضي وانتخبوا السيد زكريا بالتمر عميداً ثالثاً للبلدي بأربعة أصوات مقابل ثلاثة تغيبوا عن الجلسة، وباشر بالتمر عمله “لكنّ البرعصي رفض التسليم” يقول المجبري.

الانقسام الثالث

إلى هنا يصرح عضو البلدي عوض القويري الذي أعطى صوته لبالتمر أن البرعصي هو الذي يسيّر المجلس فعليّاً، ولم يتم التسليم والاستلام حتى الآن بينه وبين بالتمر بالرغم من نتيجة الانتخاب، ما اضطر بالتمر إلى تقديم دعوى قضائية لدى محكمة بنغازي لحل هذه الإشكالية.

“مراسلون” تواصل مع العميد المنتخب زكريا بالتمر الذي ذكر أن البرعصي رفض التسليم بسبب رسالة من رئاسة وزراء الحكومة المؤقتة التي يرأسها عبد الله الثني تطلب بقاءه في منصبه “وهو أمر مخالف للقانون” بحسب بالتمر.

ويردف بالتمر أن البلدي جهة اعتبارية لا يتدخل في عملها رئيس الوزراء ولا غيره من السلطة التنفيذية، وتعامُلُ البلدي مع وزارة الحكم المحلي يأتي فقط في إطار اعتماد النتائج للتنظيم، “نحن بانتظار القضاء ليقول كلمته في مخالفة رسالة رئاسة الوزراء لصريح وصحيح القانون” يقول.

رسالة أخرى

تُعلل عضو المكتب الإعلامي بوزارة الحكم المحلي انتصار محمد ما جاء في رسالة رئيس الوزراء ببقاء العميد المكلف بأن رئاسة الوزراء ربما نظرت إلى حالة الحرب التي تعيشها بنغازي، ولكنها تؤكد أن وزير الحكم المحلي اعتمد العميد الجديد ولا يملك غير ذلك، بينما يرى محمد نشاد – عضو المجلس الملتحق أخيراً – احتمالاً ثانياً يبرر بقاء البرعصي في منصبه وهو ضغط قبيلة البراعصة التي تشكل غالبية سكان مدينة البيضاء الحاضنة لمقر الحكومة الليبية المؤقتة.

بالتمر الذي اتخذ مكتباً في قطاع التخطيط العمراني في منطقة “الحدائق” جنوب بنغازي مقراً له ليبدأ العمل منه؛ يقول إن رسالة أخرى وصلت من رئيس الوزراء تطلب عدم التحاق أي عضو جديد بالمجلس البلدي بنغازي إلا بعد اكتمال تحرير المدينة، في إشارة إلى التحاق العضو محمد نشاد الذي باشر عمله في أبريل الماضي “وهذا أيضاً مخالف لقانون الإدارة المحلية” حسب بالتمر.

أما نشاد فقد قال لـ”مراسلون” إن التحاقه بالبلدي “قانوني وشرعي بعد أدائه اليمين القانونية”، ولم يتوقف عند هذا الحد؛ بل أفادنا بأنه قام برفع قضية هو الآخر يتهم فيها البرعصي بمنعه من ممارسة عمله الذي كفله له القانون على حد تعبيره.

من المعترف به؟

يعتقد العميد الأول طارق العرفي في طرابلس أنه القانوني، ويرى أن ما يدعمه في ذلك هو تمكنه من الحصول على دعم من حكومة الإنقاذ وإرسال مساعدات غذاء ودواء إلى بنغازي، بالإضافة إلى استقباله في مكتب بعثة الأمم المتحدة في طرابلس عند تقديمه تقريراً عن أوضاع النازحين والمتضررين في مدينته في أغسطس 2015، في حين عجز من هم في بلدي بنغازي عن إعانة النازحين في داخل بنغازي وخارجها بحسب تعبيره.

هو ذات الأمر مع البرعصي الذي يرفض التسليم معتبراً نفسه هو الشرعي الوحيد، وبحسب الناطق باسم بلدي بنغازي فإن بعض المنظمات الدولية ما تزال تتعامل مع البرعصي على أنه العميد، إضافة على ذلك فإن توقيعه ما يزال سارياً في الحسابات البنكية الخاصة بالمجلس حسب تصريح أنيس المجبري.

أما العميد الثالث زكريا بالتمر فيعتمد في شرعيته على دعم أعيان ومشائخ وحكماء بنغازي لعملية الانتخاب التي أعلنوها في اجتماع لهم بعد انتخابه مباشرة، واستمر في حديثه لـ”مراسلون” بتأكيد شرعيته من خلال القول إنه استقبل وزير الحكم المحلي في بنغازي لحضور الإعلان عن البدء في بناء مساكن لنازحي مدينة تاورغاء.

الرابع العسكري

بعد فشل عملية الوفاق التي دعا إليها عضو البلدي أنس المجبري خاصة بين البرعصي وبالتمر؛ قرر اللواء عبدالرازق الناظوري الذي يشغل منصب الحاكم العسكري للمنطقة الممتدة من درنة شرقا حتى بن جواد (400 كلم غرب بنغازي)، تكليف حاكم عسكري لبنغازي وتجميد عمل المجلس البلدي، وذلك في القرار الصادر يوم 11 أغسطس والقاضي بتنصيب نائب رئيس الاستخبارات العامة العقيد أحمد العريبي ليقوم بمهام عميد بلدية بنغازي.

وفي الوقت الذي لم يقم فيه العريبي بأية مهام أو تصريحات تُظهره لحيّز الصراع القائم بين العمداء الثلاثة في بنغازي؛ يرى المستشار القانوني إبراهيم بوشناف أن تعطيل المجلس المنتخب في 2014 هو جائز وصحيح، وخاصة بعد أن تم إعلان بنغازي مدينة منكوبة في نوفمبر 2014 من قبل الحكومة المؤقتة، وبالتالي فإن أولى واجبات الحاكم العسكري تعطيل الحياة المدنية واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإعادة الأمور إلى نصابها لتتمكن السلطة المنتخبة من إلغاء قرارها السابق.

تأثير الانقسام

يقول الإعلامي أحمد المقصبي مدير راديو الوسط إن تسارع الأحداث في بنغازي وضواحيها وما تشهده من مواجهات مسلحة وانعكاس ذلك على الأوضاع المعيشية والإنسانية؛ يتطلب أن يكون المجلس البلدي في مستوى هذه الأحداث، ولكن “للأسف الشديد” انقسم أعضاؤه على أنفسهم، فأصبح بالتالي لدينا مجلسان في بنغازي وثالث في طرابلس، في مشهد جسّد الحالة الليبية وتأزّمها، وفي تقديره من المعيب فشل المجلس في التواصل مع المواطن بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الإعلام والخدمات.

وفي المقابل لا يعتقد الحقوقي إبراهيم الغرياني عضو المؤتمر الوطني السابق عن بنغازي أن لانقسام البلدي تأثيراً على الخدمات التي يقدمها المجلس للمواطنيين بالمدينة، ذلك أن جُلّ الخدمات مرتبطة بشكل مباشر بالحكومة المركزية بالبيضاء، ويرى أنه من الضروري أن ينتهي هذا الانقسام وهذه الخلافات على أساس من القانون.