يتأمل منير الجلالي بإعجاب وهو يحمل ابنه الرضيع الذي لم يتجاوز عمره عشرة أيام متذكرا أنه اضطر لبيع ثلاجة منزله من أجل ولادته بخير.

فقبل أيام لم يكن يحلم هذا الرجل الفقير بولادة ابنه وإنقاذ زوجته التي حاصرها ألم المخاض من الموت بسبب ما تعرض له من ابتزاز.

في المستشفى المحلي بمحافظة قفصة (جنوب) لم يكن يصدق منير ما سمعه من أحد أطباء التوليد الذي طلب منه دفع رشوة قبل إجراء عملية قيصرية.

يتأمل منير الجلالي بإعجاب وهو يحمل ابنه الرضيع الذي لم يتجاوز عمره عشرة أيام متذكرا أنه اضطر لبيع ثلاجة منزله من أجل ولادته بخير.

فقبل أيام لم يكن يحلم هذا الرجل الفقير بولادة ابنه وإنقاذ زوجته التي حاصرها ألم المخاض من الموت بسبب ما تعرض له من ابتزاز.

في المستشفى المحلي بمحافظة قفصة (جنوب) لم يكن يصدق منير ما سمعه من أحد أطباء التوليد الذي طلب منه دفع رشوة قبل إجراء عملية قيصرية.

يقول منير لمراسلون “رغم مجانية العلاج في هذا المستشفى الحكومي إلا أن طبيب التوليد طلب مني دفع مبلغ 300 دينار (150 دولار) مقابل إجراء عملية جراحية لتمكين زوجتي من الولادة”.

كان منير يفكر ساعتها في إنقاذ ابنه الرضيع وزوجته رغم أنه كان يعلم أن الطبيب يطلب مبلغا لن يسجل في دفاتر حسابات المستشفى.

لم يجد هذا الرجل خيارا آخر غير القبول بشروطه فاتجه مسرعا لأقاربه وأصدقائه لاقتراض ذلك المبلغ لكنه عاد يجر أذيال الخيبة.

حينها قرر أن بيع ثلاجة منزله لتوفير 200 دينار (100 دولار) قدمها للطبيب بعد إقناعه بخفيض المبلغ المتفق عليه سابقا.

لكن هذه الحادثة كانت مجرد بداية القصة فقد قرر منير بعد ولادة زوجته فضح ممارسات الطبيب غير القانونية بطريقة متطورة.

حول هذا يقول “لقد قمت بتصوير عملية تسليم الرشوة من قبل الطبيب بهاتفي دون إعلام زوجتي تفاديا لإرباكها قبل الولادة”.

لكن منير لم يكن يتوقع بأن ما سينشره سيكون محل اهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي ويجبر السلطات على فتح تحقيق وعزل الطبيب.

وهذا الرجل هو واحد من بين مئات المواطنين التونسيين الذين قرروا توظيف التكنولوجيا لمحاربة الفساد من خلال توثيق التجاوزات ونشرها على شبكة الانترنت لإحراج السلطات.

تفاعل كبير

ويحظى هؤلاء المواطنين بتفاعل واسع من قبل متابعي مواقع التواصل الاجتماعي إلى جانب مكونات المجتمع المدني على غرار جمعية “أنا يقظ” المختصة في فضح الفساد بمتخلف أصنافه في تونس.

وكانت هذه الجمعية قد أنشأت قبل سنتين موقعا إلكتروني تحت عنوان “بالكمشة” (متلبسا بالجريمة) وجعله بمثابة خريطة تفاعلية لتلقي معلومات عبر رسائل إلكترونية عن الفساد من المخبرين بهدف تكوين ملفات بعد جمع الأدلة والتأكد منها ثم وضعها على ذمة الصحافيين والمدونين والقضاء.

وكانت هذه المرحلة من أبرز نقاط تشجيع المواطنين على التبليغ عن الفساد قبل الانتقال إلى مراحل متطورة تتضمن الصورة والصوت ويكون مصدرها المتضرر نفسه. 

وفي هذا الصدد تقول عضوة الجمعية انتصار عرفاوي “من الصعب جدا إثبات أدلة الرشوة والفساد لكننا وضعنا إستراتجية ستساهم في توثيق عناصر الإدانة كي يتمكن القضاء من الاستناد على عناصر أساسية للنظر في هذا النوع من القضايا”.

ولا تكتفي منظمة “أنا يقظ” بإنجاح مشاريعها لمكافحة الفساد والحملات التوعية وإنما تحرص على التواصل مع أصحاب مقاطع الفيديو التي توثق مظاهر الفساد قبل عرض خدماتها لهؤلاء المتضررين بتمكينهم من مساعدات قانونية وتوفير محامين متطوعين للدفاع عنهم.

هذا بالإضافة للإطلاق حملات ضد الوزارات لإجبارها على عدم الاكتفاء بالعزل وضرورة المحاسبة القانونية ضد الفاسدين.

فضح التجاوزات

ولا يقتصر نشاط المدونين والمواطنين المهتمين بالفساد في تونس على فضح تلقي مبالغ مالية مقابل خدمات تندرج صلب عملهم في المؤسسات الحكومية، فقد صار هؤلاء متسلحين بهواتفهم الذكية لرصد وتصوير السيارات التابعة للدولة التونسية خارج أوقات العمل الرسمية.

ونجح هؤلاء النشطاء والمواطنين في التقاط صور تكشف عن استعمال سيارات ادارية خلال أوقات العمل لقضاء شؤون خاصة مثل استخدامها في حمل بضائع والتجول على الشواطئ أو حتى بصدد التزود بالبنزين المهرب من ليبيا رغم تخصيص وصلات من طرف الإدارات التي يقع استبدالها من قبل الموظفين بمقابل مادي في محطات البنزين الرسمية.

ويحرص هؤلاء الناشطون على إظهار أرقام اللوحات المنجمية للسيارات لإثبات تورط مستعمليها. وغالبا ما ينشرون الصور مرفقة بتعاليق تسخر من الإدارة التونسية لجلب انتباه الرأي العام وإحراج المسؤولين.

ويؤكد المدون هشام الجمني بأن هذه الحملات ستتواصل خاصة بعد تسجيل تفاعل ايجابي معها من قبل مكاتب الاتصال في الوزارات التي تسعى لنقل ما ينشر للوزراء الذين يعلنون مباشرة عن فتح تحقيقات للتأكد من المعلومات وتسليط العقوبات اللازمة.

وتهتم أيضا هيئة مكافحة الفساد والرشوة (هيئة دستورية) بجميع ما ينشر في هذا المجال وتسارع لرفع قضايا باسمها حتى في حالة تظلم المتضررين لدى القضاء التونسي.

ويرى رئيسها شوقي الطبيب أن من واجب الهيئة الوقوف إلى جانب المواطنين للقضاء على الفساد الذي ارتفع منسوبه بعد الثورة بحسب عديد المراقبين.

ويقول “العمل على التحقيق في قضايا فساد كبرى لا يجب أن يكون عائقا في التفاعل مع تلقي الرشاوي من قبل الموظفين”.

لكن نجاح هذه الحملات لم يعد ضامنا للحقوق بحسب الصحفي منتصر ساسي الذي تمكن من استدراج أحد موظفي مراكز الفحص الفني للسيارات، وتسليمه مبلغ مالي مقابل الحصول على أحد الوثائق.

ويتذكر منتصر أنه توجه قبل شهر إلى مركز الفحص الفني للسيارات حيث طالب بالحصول على وثيقة سلامة سيارته غير أن الموظف طلب الحصول على رشوة.

حيرة قانونية

وبعد أن زعم أنه امتثل لشروط الموظف قام منتصر بتوثيق ما حدث بواسطة هاتفه لينجح بعد ذلك في دفع وزارة النقل على فتح تحقيق وإيقاف الموظف عن العمل مؤقتا.

لكنه مع ذلك يتساءل حائرا “ماذا سيفعل القضاء ضد هذا الموظف الفاسد؟ هل سيعتبرني متورطا في تسليم رشوة بحسب ما ينص عليه القانون ضد الراشي والمرتشي؟ أم سيتعامل معي كمواطن وصحفي قرر فضح التجاوزات الإدارية في تونس؟”.

ويرى المراقبون أن التحقيقات الإدارية غير كافية لردع الفاسدين في الإدارة التونسية وضرورة تدخل القضاء من أجل سجن المتورطين.

وفي السياق ذاته يفيد مصدر من النيابة العمومية بتونس بأن القضاء يعتمد على كل وسائل الإثبات مؤكدا أن هذه المقاطع المصور بداية حجة أو حجة كاملة لتكوين قضية لأن الإثبات في القضاء التونسي حرّ وغير مرتبط بقواعد وأي أدلة تنجر عنها العقوبات اللازمة.