يفترض أن يكون القانون الحكم الأساس لأي خلاف داخل مؤسسات العدالة، ويتطلب أي خروج عن مساره تدخلًا سريعًا من جانب هذه المؤسسات من أجل تحقيق إرادة القانون. لكن حينما تحمل القضية وجها سياسيًا أو حقوقيًا يعاني المتقاضون، والمحامون كذلك.

مؤخرا شاهدنا ممارسات وأحكام تشوب التصوّر المثالي عن العدالة، نرصد هنا جانبا من معاناة المدافعين عن ممارسي الحقوق والحريات، حينما يكون المحامون ضحايا لمهنتهم ودفاعهم عن موكليهم.

 

يفترض أن يكون القانون الحكم الأساس لأي خلاف داخل مؤسسات العدالة، ويتطلب أي خروج عن مساره تدخلًا سريعًا من جانب هذه المؤسسات من أجل تحقيق إرادة القانون. لكن حينما تحمل القضية وجها سياسيًا أو حقوقيًا يعاني المتقاضون، والمحامون كذلك.

مؤخرا شاهدنا ممارسات وأحكام تشوب التصوّر المثالي عن العدالة، نرصد هنا جانبا من معاناة المدافعين عن ممارسي الحقوق والحريات، حينما يكون المحامون ضحايا لمهنتهم ودفاعهم عن موكليهم.

إذا عدنا لنشأة مهنة المحاماة في مصر سنجد أنها لم تكن تشترط خبرة علمية، خاصة أن نظام القضاء الشرعي لم يكن يحتاج لهذه المهنة بشكلها الحديث. في نهايات القرن التاسع عشر حينما أسست المحاكم المختلطة والأهلية كذلك جاءت الحاجة لوجود ممثل للمتقاضي، لكنه كان وكيلا وليس محام. حقق ممارسو هذه المهنة، من خلال نضالهم وكفاحهم، أدوارًا لحماية وتنظيم المحاماة، حيث أسست ثلاث نقابات لتطوير المهنة في مسألة الدفاع عن حقوق المتقاضين أمام أنواع المحاكم الثلاثة.

استمر عمل النقابة الخاصة بالمحامين أمام المختلطة حتى إلغاؤها في العام 1949، وكذلك الأمر بالنسبة لزملائهم أمام القضاء الشرعي حتى العام 1956، لتستمر حتى الآن نقابة واحدة فقط، أسست في العام 1912 لتجمع المحامين العاملين أمام المحاكم الأهلية.

تعذيب وقتل

في فبراير/ شباط 2015 عُذِبْ المحامي كريم حمدي حتى الموت على أيدي ضباط من الأمن الوطني في قسم المطرية، شرق القاهرة.كان الراحل محتجزًا بقسم المطرية بأمر النيابة خلال التحقيق معه بشأن تنفيذه جرائم لصالح جماعة الإخوان المسلمين. حرّكت قضية حمدي المحامين ضد النائب العام، صاحب قرار حظر النشر في تفاصيلها. في مارس من العام قبل الماضي نظمت مسيرة بالأردية السوداء إلى مكتب النائب العام  لكشف ملابسات القضية. حبس الضابطان بشكل مشدد لمدة خمس سنوات في ديسمبر/ كانون أول من العام الماضي. جاء في حيثيات الحكم أن حمدي توقف قلبه وتنفسه نتيجة لإصابات بالصدر والبطن والعنق بسبب كسور بالأضلاع الصدرية وتهتك بالرئتيَن وتكدم بالقلب والكبد وكيس الصفن وما صاحب ذلك من نزيف بتجويف الصدر والبطن وبالخصيتين وحول الكليتين.

من ناحية أخرى يواجه أكثر من 600 ألفًا من المحامين معاناة أثناء ممارستهم لمهام عملهم بسبب تهمة “إهانة الهيئة القضائية”، التي قد يوجهها أي قاضي إلى المحامي أثناء ممارسته لعمله أمام القاضي نفسه أثناء دفاعه عن موكله.

 محامي إلى الحبس

كما يتجسد وجه آخر لهذه المعاناة إذا كان المحامي يحرّك دعاوي قضائية دفاعًا عن حقوق مثل التظاهر أو بطلان اتفاقية وقعتها الحكومة أو حق المحامي في دخول محاكم أمن الدولة مثلما جرى مع  المحامي مالك عدلي. حبس عدلي في مايو/أيار الماضي في زنزانة فردية، وقد استمر حبسه لمدة تزيد عن 68 يومًا بشكل يتجاوز المدة القانونية لهذه العقوبة التأديبية وهي ثلاثين يوما.ويستمر حبس عدلي، في زنزانة لا تزيد مساحتها عن 2*3 متر، وقد حددت جلسة 18 من الشهر الجاري للنظر في قضيته.

يحاكم عدلي على إذاعة بيانات وأخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام، محاولة قلب دستور الدولة ونظامها الجمهوري، الانضمام إلى جماعة تبغي تعطيل أحكام الدستور والقوانين، منع مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة من ممارسة عملها، واتهامات أخرى. كان عدلي قد رفع مع آخرين دعوى أمام مجلس الدولة ببطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر.

من ناحية أخرى عقدت مؤخرا عدة محاكمات في مقار شرطية.من أجل توفير حماية أمنية لعملية سير العدالة خالف هذه المحاكمات شرط ألا يكون موقع الاحتجاز مكانًا للتقاضي، كان آخرها احتجاز ومحاكمة المتهمين بالتظاهر في جمعة الأرض، 25 أبريل/ نيسان، بسجن الجيزة المركزي، المؤسس في 30 ديسمبر 2014، والذي كان سابقًا معسكر للأمن المركزي على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي.

محاكم ممنوعة على المحامين!

بواحدة من المقار التابعة لوزارة الداخلية تقام عدة محاكمات منها محاكمة بعض طلاب جامعة الأزهر أمام محكمة جنايات القاهرة، المُنعقدة بمعهد أمناء الشرطة. اعترضت النيابة، في السادس من يونيو/ تموز، على قرار إخلاء سبيل المتهمين. كما نقلت الجلسة إلى مقر شرطي آخر هو أكاديمية الشرطة، وقد منع المحامون من حضور الجلسة ودخول المكان كذلك. لكن المحكمة قضت بتأييد إخلاء السبيل.

خلال واحدة من جلسات قضية القبض على 30 شاركوا في مسيرة إلى قصر الاتحادية الرئاسي للمطالبة بإلغاء قانون التظاهر والإفراج عن معتقلين في يوم 21 يونيو/ حزيران 2014، قام أحد الضباط بالاعتداء على المحامية ياسمين حسام الدين جسديًا، وتحرش بها كذلك.

قدمت حسام الدين بلاغًا ضده وقام الآخر بالمثل، لكن بلاغ الضابط تحرّك وصدر أمر بضبط واحضار المحامية.. هكذا صارت حسام الدين مطاردة حتى تم إنهاء المسـألة من جانب الداخلية. 

حينما بُرء المتهمون في قضية من قضايا معتقلي الذكرى الثالثة للثورة لم يُفرج عنهم رغم مرور أربعة أيام على صدور هذا الحكم، لهذا ذهبت ياسمين إلى الداخلية والنيابة من أجل المطالبة بتنفيذ الحكم، ثم ذهبت إلى سجن أبي زعبل وجلست أمام بوابته واعتصمت حتى تمّ تنفيذ الحكم. كانت الاستجابة بعد ثلاث ساعات فقط، حسبما تؤكد حسام الدين.

عدالة ضد الحريات

كما تتجسد معاناة أخرى أمام المحامين المدافعين عن حقوق مثل حرية التعبير، وهو ما يؤكده محمود عثمان، الباحث والمحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، حيث يقول:”حينما تشتم جهات التحقيق وجود محامي حقوقي يتغير التعامل مع المتهم”.

يشير عثمان إلى ما جرى مع عز الدين خالد، عضو فريق أطفال شوارع.

قبض على عز في 7 مايو / أيار الماضي من منزله، وحُبس لمدة 4 أيام على ذمة اتهامه بالتحريض على التظاهر وإهانة مؤسسات الدولة، ثم  خرج بسبب وجود زميل آخر، مهني وليس حقوقيًا، حسب تعبير عثمان، الذي يقول:” لمسنا أن مسار القضية تغير حينما ظهر أن هناك وجه سياسي للمتهمين، خاصة بعد القبض على بقية أعضاء فريق أطفال شوارع ومشاهدة أعمالهم”.

واظب فريق “أطفال شوارع” على نشر فيديوهات ساخرة على فيسبوك. يتم تصوير أعمال الفريق بشوارع القاهرة، عبر كاميرا المحمول. بدأ نشاط الفرقة مع بداية العام الجاري،وتركز المقاطع القصيرة على السخرية من التيمات الرئيسية في إنتاج الدولة للفنون في عقدي الثمانينات والتسعينيات.

يظهر المؤدون وهم يرددون على الإيقاع الموسيقي نفسه كلمات أخرى غير  الكلمات الأصلية للأغاني، بأداء جاد يضاعف من روح السخرية. لاقت هذه الأعمال رواجًا لافتًا من مستخدمي الإنترنت في مصر.

حبس كل من محمد دسوقي، محمد عادل، محمد جبر، ومحمد يحيي مستمر منذ 10 مايو/ أيار الماضي، وكان أحدث تجديد في 2 يوليو/ تموز لمدة 15 يومًا على خلفية اتهامهم التحريض على التظاهر، إذاعة أخبار كاذبة، نشر مقاطع مصورة تتضمن ألفاظا نابية تسيء لمؤسسات الدولة، والتحريض غير المباشر على جرائم إرهابية. كان هذا التجديد هو الخامس للأربعة.

يشير عثمان إلى حديث أحد أعضاء جهة التحقيق مع المتهمين بقوله أن “النظام لو سابكوا حيفتح الباب للناس تعمل زيكم”. وقد شجع أطفال شوارع مؤكدًا أن لا أحد يدخل التاريخ إلا بعد أن يسجن.

حرّكت بلاغات ودعاوى، مؤخرا، ضد”أطفال شوارع” في محافظة الإسكندرية بتهمة إزدراء الأديان.وكقاضي الاستئناف سأل محمد جبر، عضو الفريق، أثناء جلسة من جلسات تجديد الحبس الخمس : هل تزدري الأديان؟! يؤكد عثمان أن هذه التهمة غير موجودة بلائحة الاتهامات، وأن البلاغات الجديدة لم يحقق بها، لكن السؤال أحد جوانب معاناة يواجها أي متهم يكون له نشاط سياسي أو حقوقي، كما تستند الاتهامات الموجهة إلى أطفال شوارع على مقاطع الفيديو الخاصة بهم مما يعد انتهاكا لحرية التعبير، وهو ما يراه عثمان إرهابًا لكل من يمارس حقه في حرية التعبير.