لم يكن يوم السبت 4 يونيو، الماضى، يوما عاديا فى مصر؛ إذ كسر حدة حرارة الطقس “برودة” قرارين حكوميين: بإلغاء امتحانات نصف المليون طالب كانوا يؤدون امتحان التربية الدينية- إسلامية ومسيحية- ضمن امتحانات الثانوية العامة لهذا العام، وتحديد يوم إعادة الامتحان فى نهاية الشهر.

القراران إعلان رسمى “تاريخى” وحسام من الدولة المصرية بأنها مصابة بعجز كلى شامل يمنعها عن إدارة شأن من شئون الدولة الحديثة، بأقل مستويات الكفاءة.

لم يكن يوم السبت 4 يونيو، الماضى، يوما عاديا فى مصر؛ إذ كسر حدة حرارة الطقس “برودة” قرارين حكوميين: بإلغاء امتحانات نصف المليون طالب كانوا يؤدون امتحان التربية الدينية- إسلامية ومسيحية- ضمن امتحانات الثانوية العامة لهذا العام، وتحديد يوم إعادة الامتحان فى نهاية الشهر.

القراران إعلان رسمى “تاريخى” وحسام من الدولة المصرية بأنها مصابة بعجز كلى شامل يمنعها عن إدارة شأن من شئون الدولة الحديثة، بأقل مستويات الكفاءة.

ورغم تباين التعليقات والتوصيفات الرسمية والأهلية لما حدث من تسريب ورقة الأسئلة والإجابات النموذجية إلا أن المثير أن الدولة تعاملت بهدوء وروتينية بيروقراطية؛ فألغت امتحانات نصف مليون طالب، وجعلتهم يعيدون الامتحان، وباشرت النيابة التحقيق، ولاحقت أجهزة الأمن عشرات المتهمين بالضلوع فى تسريب الأسئلة والأجوبة النموذجية قبل دخول الطلاب إلى قاعات الامتحان بساعات، وربما أيام، وبقى إيقاع الحدث مسيطرا عليه، وتحول إلى مسألة “جنائية”، وإدارية، وحتى عندما حاول بضعة آلاف من الطلاب التظاهر تعاملت الدولة وفق سياساتها الأمنية المعتادة: فرقت تجمعات الطلاب المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، ثم طاردتهم فى الشوارع الجانبية المتفرعة من أمام بوابات وزارة التعليم ومن الشوارع المؤدية إلى ميدان التحرير، لكن إشارة عابرة فى كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حفل إفطار رمضانى عقب إنتهاء إعادة امتحان التربية الدينية نبه البعض إلى أن الضوء الخافت الذى يراه الجميع ما هو إلا نتيجة إنفجار هائل تم منذ فترة ليست بالقصيرة لكنه وصلنا الآن فقط.

إشارة السيسى قد تدلنا على بداية البحث عن طبيعة ما حدث وعن مكوناته وأسبابه وما يمكن أن يفضى إليه.

الأبوية

“إفطار الأسرة المصرية”، تحت هذا العنوان المكرر فى اللوحة التى تظهر فى المقطع المصور خلف السيسى إلتقت عدة مجموعات منتقاة على حفلات إفطار رمضانى، صاحب الدعوة هنا- رئاسة الجمهورية، أو رئيس الجمهورية- قد يفهم على أنه: أحد افراد الأسرة، أو” ربها، الآب، الأخ الأكبر”، أو- مع إبداء حسن النية المفرطة، حتى لا نقول السذاجة-، أمين أموالهم.

أيا ما كانت الصفة الملحقة بصاحب الدعوة فإن المغزى أننا ضمن علاقات “الأسرة” وامتداداتها، لكننا إذا ربطنا بين نوعيات الضيوف، والكلمات التى قالها السيسى لن نجد صعوبة فى اختيار أننا أمام شخص يتصور نفسه “الآب” بكل دلالالته الأسطورية، وضيوف يتموضعون فى أماكنهم بحسبهم “أبناء” ذلك الآب الأسطورى، أما من هم خارج “الحفل” فهم فى أفضل الأحوال “منسيون” إن لم يكونوا “مطردون” من “بيت العائلة”.

السيسى “أب” مسئول، عرف، وتضايق من “تسريب الامتحانات”، وبشر الملايين: مجلس الدفاع الوطنى بحث الأمر، ووعد: “العام المقبل لن تشهد الامتحانات مثل هذه الأمور”.

هل الكلمات مسكنات لفظية؟ ماذا تعنى نلك الإشارات حول تواريخ محددة: فى سبتمبر سيناقش المجلس الإستشارى للتعليم- التابع لرئيس الجمهورية- المشكلة برمتها، والحل فى العام المقبل، وما هو “مجلس الدفاع الوطنى”، وما علاقته بتسريب أسئلة الامتحانات؟.

البحث عن معلومات لها معنى عن ذلك المجلس لا بد أن تبدأ من البحث فى الدستور المصرى المعدل فى 18 يناير 2014 ، فهو مقسم إلى أبواب، وفصول، وفروع، ومواد، وأخيرا فقرات ضمن المواد.

نظام الحكم

فى الباب الخامس المعنون “نظام الحكم”، وفى الفصل الثامن المعنون “القوات المسلحة والشرطة” نجد الفرع الثانى “مجلس الدفاع الوطنى” والمادة” 203″. هكذا وجدنا النص الدستورى، لكن الفضول، وربما الغرابة والخلط، مُومِئ إلى الفرع الرابع “مجلس الأمن القومى” مادة 205.

إنهما مجلسان، يضع النص الدستورى بصرامة الخطوط العامة لكل منهما ليقوم القانون بعد ذلك بوضع التفاصيل التى لا يمكن ان تتعارض مع هذه الخطوط العامة وإلا وضع فى مخالفة دستورية.

النصان قصيران: يذكر أولهما: “يُنشأ مجلس للأمن القومى برئاسة رئيس الجمهورية، وعضوية رئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، ووزراء الدفاع، والداخلية، والخارجية، والمالية، والعدل، والصحة، والإتصالات، والتعليم، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب.

ويختص بإقرار إستراتيجيات تحقيق أمن البلاد، ومواجهة حالات الكوارث، والأزمات بشتى أنواعها، وإتخاذ ما يلزم لاحتوائها، وتحديد مصادر الأخطار على الأمن القومى المصرى فى الداخل، والخارج، والإجراءات اللازمة للتصدى لها على المستويين الرسمى والشعبى.

وللمجلس أن يدعو من يرى من ذوى الخبرة والإختصاص لحضور اجتماعه، دون أن يكون لهم صوت معدود.

ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى، ونظام عمله.”

ويذكر الثانى:” يُنشأ مجلس الدفاع الوطنى، برئاسة رئيس الجمهورية، وعضوية رئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، ووزراء الدفاع، والخارجية، والمالية، والداخلية، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة، وقادة القوات البحرية، والجوية، والدفاع الجوى، ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ومدير إدارة المخابرات الحربية والإستطلاع.

ويختص بالنظر فى الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد، وسلامتها، ومناقشة موازنة القوات المسلحة، وتدرج رقماً واحداً فى الموازنة العامة للدولة، ويؤخذ رأيه فى مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة.

ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى. وعند مناقشة الموازنة، يُضم رئيس هيئة الشئون المالية للقوات المسلحة، ورئيسا لجنتى الخطة والموازنة، والدفاع والأمن القومى بمجلس النواب.

ولرئيس الجمهورية أن يدعو من يرى من المختصين، والخبراء لحضور اجتماع المجلس دون أن يكون له صوت معدود.”

السؤال السهل للغاية الآن؛ ودون تسريب للاجابة: إذا أراد رئيس الجمهورية- أو “أب مسئول”- أن يبحث شأنا متعلقا بالتعليم ففى اجتماع أى المجلسين يجب أن يطرح المشاكل؟.

أسئلة إجبارية

وسؤال إضافى: إذا كانت ثلاث وزارت: التعليم، الداخلية، والاتصالات تتعاون منذ سنتين فى متابعة امتحانات الثانوية العامة والتصدى لظاهرة الغش فى الامتحانات بمختلف مكوناتها القديمة والحديثة، الجماعية والفردية، والورقية والإلكترونية- عبر وسائل الاتصال: هواتف وغيرها،- والتى توصف منذ العام 2008 بأنه محدود- وتشكل هذه الوزرات لجانا، وتخصص ميزانيات، وتسورد أجهزة، وتعقد اجتماعات، فيا هل ترى إذا أعلنت الوزرات الثلاث عجزها الكلى الشامل يوم السبت 4 يونيو فأى مجلس من المجلسين سيدعو “الأب” الرئيس للإنعقاد؟.

إجاباتكم إعزائى القراء خطأ، فالسيسى ناقش تسريبات أسئلة الثانوية العامة فى مجلس الدفاع الوطنى وليس “الأمن القومى”، ناقشه فى المجلس الذى تتكون اغلبيته المطلقة من عسكريين، وليس فى المجلس الذى أغلبيته مدنيين، لم يناقشه فى مجلس يضم فى عضويته وزيرى: التعليم والاتصالات، ناقشه فى مجلس اختصاصاته: النظر في الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها. تحديد الهدف السياسي العسكري. اقرار وثيقة السياسة العسكرية وتنسيقها مع كافة السياسات التخصصية خاصة الخارجية.اصدار التوجيه السياسي العسكري. دراسة مسائل الدفاع عن الدولة وحالة الإستعداد القتالي للقوات المسلحة بما يحقق الأهداف السياسية للدولة. تنسيق جهود كافة الأجهزة الحكومية والسياسية لصالح الدفاع عن الدولة. دراسة آليات توفير الموارد من المواد الخام والأغذية للإمداد المستمر للقوات المسلحة. تحديد شكل الحماية المدنية وتكوينها ودراسة اجراءات إعداد الدولة والشعب للدفاع ضد العدوان. دراسة وإعداد مشروعات المعاهدات والإتفاقيات المتعلقة بالشئون العسكرية والأمن القومي وكذا التدابير المتعلقة بتقوية التعاون العسكرى بين الدول العربية. مناقشة موازنة القوات المسلحة.

الأمن والدفاع لا يجتمعان!

هل نحن أمام مجرد إختلاط الأمر فيما يتعلق بالإختصاص؟. أم أن الرئيس إذا تصادف موعد انعقاد مجلس الدفاع الوطنى مع مسألة “تسريبات الامتحانات” طرح على المجلس المنعقد البحث فى موضوع ليس من شأنه. أم أن المسألة أعقد؟

تنص المادة الأولى من قانونى المجلسين: “الأمن القومى” و”الدفاع الوطنى” على أنه “يدعو رئيس الجمهورية المجلس للانعقاد مرة كل ثلاثة أشهر، وكلما دعت الضرورة إلى ذلك”، لكننا نعرف أن مجلس الدفاع الوطنى لم يدعٍ للانعقاد لستة أشهر ماضية، ذلك أن اجتماعه ما قبل الأخير عقد فى يناير الماضى ما يعنى أن المجلس- الرئيس فى الحقيقة، ذلك أن المجلس لا ينعقد إلا بعد دعوة الرئيس له بالانعقاد- قد وقع فى خطأ إجرائى؛ على الأقل بالامتناع عن الانعقاد لستة أشهر بينما البلاد تواجه “حربا ضد الإرهاب”، والغريب، وغير المفهوم، أن مجلسا بهذه التركيبة ووسط هذا الظروف يناقش شأنا لا يعنيه، ومن غير حضور المسئولين عنه مباشرة.

أما مجلس الأمن القومى فقد عقد أخر اجتماع له فى 18 و19 مايو الماضى، وكان على رأس جدول أعماله بحث ظروف سقوط الطائرة المصرية التى كانت قادمة من باريس إلى القاهرة وسقطت فى البحر المتوسط، ووقتها كان المجلس أيضا قد وقع فى خطأ إجرائى بعدم الانعقاد لستة أشهر هو الآخر، وهذا أيضا غريب!.

فهل هناك “عوائق” أمام اجتماع كل ثلاثة أشهر، لمجلسين يحملين هذه الصفات “الخطيرة”: أمن ودفاع، ووطنى وقومى؟، هل يثير هذا ريبة ما بوجود تباينات فى الروئ تحول دون انعقادهما؟، هل تحال إليهما قرارات تحتاج فقط أن يوقع أعضاؤهما عليها؟.

هل يطمئن المصريون على بشرة ووعد السيسى فى إفطار الأسرة المصرية.؟

وهل يمكن أن يُبحث أمر التعليم وتفاصيله فى ظل هذه الظروف، وفى مثل تلك الاجتماعات؟.

الواقع أن مصداقية التعليم المصرى إنتهت ظهر يوم السبت 3 يونيو. ليست هذه نكسة، إنها هزيمة مدوية مطلقة. هزيمة بالأساس لقواعد “نظام الحكم”، وفصول الدستور، وأبواب الأمن والدفاع، وربما للعلاقات الأسرية الأبوية التى تبحث وتقرر أخص أمور الملايين فى غيابهم ومع الأشخاص الخطأ وفى المكان الخطأ.