في صبيحة ذلك اليوم أفاقت عائلة محمد بوهلال على صوت مرتعش بالذعر من الهاتف الخلوي لخاله المقيم بفرنسا ليؤكد أن محمد ليس سوى السائق المجنون.

في البداية رفضت العائلة تصديق الخبر متسائلة كيف لابنها الذي لم تره يوما ساجدا أو صائما أن يتحول إرهابي متطرف يقتل ويجرح الأبرياء بدم بارد بلا رحمة.

“لم نصدق الرواية بأن محمد هو من قام بالاعتداء وما زلنا غير قادرين على تصديقها حتى اللحظة. كيف لأخي أن يفعل ذلك؟” يقول جابر شقيق محمد لـ”مراسلون”.

في صبيحة ذلك اليوم أفاقت عائلة محمد بوهلال على صوت مرتعش بالذعر من الهاتف الخلوي لخاله المقيم بفرنسا ليؤكد أن محمد ليس سوى السائق المجنون.

في البداية رفضت العائلة تصديق الخبر متسائلة كيف لابنها الذي لم تره يوما ساجدا أو صائما أن يتحول إرهابي متطرف يقتل ويجرح الأبرياء بدم بارد بلا رحمة.

“لم نصدق الرواية بأن محمد هو من قام بالاعتداء وما زلنا غير قادرين على تصديقها حتى اللحظة. كيف لأخي أن يفعل ذلك؟” يقول جابر شقيق محمد لـ”مراسلون”.

فاجأ محمد بوهلال الذي شغل اسمه فجأة كل وسائل الإعلام العالمية الجميع بتطرفه. فلا عائلته ولا أصدقائه ولا السلطات الفرنسية كانوا يعلمون بنزوعه للتشدد.

تقول رحاب شقيقته “نحن أسرة محافظة نعيش حياة عادية ككل التونسيين لا نعرف عن التشدد والإرهاب إلا ما نسمعه بوسائل الإعلام. كيف لمحمد أن يفعل ذلك؟”.

كان السجل القضائي لمحمد بوهلال خاليا من كل سوابق المتعلقة بانتمائه لأي تنظيم متطرف وكل ما كان يخصه بعض الجرائم الصغيرة التي ارتكبها بفرنسا.

حسب السلطات الفرنسية تلقى حكما قبل أشهر من محكمة فرنسية بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ وذلك بسبب مهاجمة سائق دراجة نارية بعصى خشبية.

وفيما بقيت عائلته عاجزة عن التصديق تؤكد الأبحاث الأمنية الفرنسية أنه التحق بالفكر المتشدد قبل فترة وجيزة وأنه كان يدمن مشاهدة فيديوهات القتل والجنس.

“شقيقي لم يصل أو يصم يوما في حياته وكل ما كان ينشره على مواقع التواصل هي فقط مقاطع طريفة ومضحكة” يقول جابر بوهلال نافيا أن يكون أخاه إرهابيا.

لكن تحليل شرائط كاميرات مراقبة مثبتة في الشوارع الفرنسية أثبتت أن محمد بوهلال خطط بعناية للاعتداء وقام قبل الاعتداء بتفقد الشارع الذي نفذ فيه عملية الدهس.

وقد تبنى تنظيم الدولة (داعش) بعد يومين الاعتداء الوحشي الذي هز العالم، واصفا في بيان له محمد بوهلال الحويج بأنه “أحد جنوده الذين لبوا النداء”.

تقوقع

لكن ما الذي جعل هذا الشاب الثلاثيني الوسيم والد ثلاثة أطفال مقيمين بفرنسا أن يتحول في لمح البصر إلى قاتل متوحش رغم خلو سوابقه العدلية من آثار التطرف؟

كان محمد الابن البكر لعائلة الحويج التي تقيم بمدينة المساكن (جنوب تونس). ساعة ولادته استبشرت عائلته بقدومه وعاهد والده نفسه على أن يجعل منه ابنا صالحا.

“لقد بذل والدي كل ما في وسعه ليكون ابنه محمد مثالا يحتذي به بقية إخوته” يقول شقيقه جابر مسترجعا ذكريات بعيدة عن أخيه الذي كان دوما على اتصال به.

منذ طفولته كان محمد طفلا متقوقعا بلا صداقات كثيرة، فضل أن ينطوي على نفسه ممضيا أوقات فراغه في العمل مع والده بتربية الأبقار، بحسب شقيقه جابر.

كانت عائلته مطمئنة باعتقادها أن ابنها يسير على الطريق السوي مبتعدا عن أصحاب السوء، غير جالب للمتاعب، مثابرا في مساعدة والده وناجحا في الدراسة.

“كان قليل الاختلاط ولم يكن له أصدقاء وهذا يعود ربما لشدة والده الذي كان يراقبه باستمرار خوفا عليه من الانحراف” يقول وليد جار العائلة لـ”مراسلون”.

منعرج

غير أن أول منعرج في حياة محمد بوهلال كان مع بلوغه سن المراهقة حيث بدأت ملامح شخصيته تتغير وما كان مدعاة للفخر بالأمس أصبح اليوم مصدرا للعار.

في يوم من أيام 2004 طرق والده منذر بوهلال باب عيادة الطبيب النفسي شمس الدين حمودة مصطحبا ابنه معه لمعالجة سلوكه بعد أن بدأ يتصرف بشكل مقلق.

“أرادني أن أفحص سلوكه بعد أن أصبح غير قادر على السيطرة على تصرفاته العنيفة وتعرضه لنوبات غضب هستيرية” يقول الدكتور شمس الدين حمودة لـ”مراسلون”.

حين عاينه أول مرة لاحظ الطبيب أنه يشتكي من صعوبات في التواصل وأنه يحمل سلوكا عنيفا فوصف له أدوية مهدئة منذ الزيارة الأولى وهو أمر نادرا ما يفعله مع مراهقين أمثاله.

يقول الطبيب “لقد كانت تنتاب محمد حالات هستيرية حادة جدا فيقوم بتهشيم كل ما يعترض طريقه وكان الأمر يصل به أحيانا حتى لتعنيف والده ووالدته وسجنهما بغرفته قبل أن يطفأ غضبه”.

في عام 2007 استبشرت عائلة محمد خيرا بقرار زواجه من ابنة خالته المقيمة بفرنسا معتقدة أن سفره إلى الخارج سيكون أفضل علاج لحالة محمد التي ظلت تتدهور.

تزوج محمد وسافر للعيش بنيس الفرنسية لكن اتصالاته انقطعت بعائلته إلا بمناسبات قليلة. “لم يأت لزيارتنا إلا عام 2012 لحضور زفاف شقيقته” تقول أخته رباب.

وقد سجلت مصالح الحدود في وزارة الداخلية التونسية أن محمد بوهلال لم يعد إلى تونس منذ حوالي أربعة أعوام.

“لم نكن نراه إلا نادرا ولم يكن من رواد مقاهي الحي ولا مسجده وحتى خلال زيارته الأخيرة كان قليل الكلام ولا يغادر منزلهم الا في مناسبات قليلة” يقول وليد جاره.

بعد سفره لم يكن محمد يعيش أي ضائقة مادية فقد كان يشتغل سائقا لشاحنة نقل بضائع. أنجب ثلاثة أطفال وواصل ممارسة الرياضة ولم ينقطع شغفه بالرقص.

تقول راقصات “صالصا” التقين سابقا بمحمد بوهلال أنه كان مولعا بالرقص وأنه كان يحاول استدراجهن عبر الانترنت مستعملا اسما مزيفا لإقامة علاقات معهن.

بحسب ما نقلته صحف فرنسية عن محققين في القضية لم يكن محمد بوهلال ميالا فقط للنساء فقد كان على علاقة مع رجل يبلغ من العمر 73 سنة، حسب تلك المصادر.

زواج فاشل

بسبب مغامراته وعنفه توترت علاقته مع زوجته فانفصلا. “لم يحدثنا عن أسباب تلك المشاكل لكن أقاربنا بفرنسا أبلغونا أنه كان يعنف زوجته” يقول شقيقه جابر.

في آخر اتصال به يقول جابر إن أخاه كان ينوي أن العودة إلى تونس قبل يومين من الاعتداء لحضور ختان ابنه، مشيرا إلى أنه كان يمازحه كالعادة في الهاتف.

“كان صوته يومها عاديا لم ألحظ عليه أي تغيير” يقول جابر الذي يؤكد أن أخاه أرسل له صور سلفي قرب الشاحنة من وسط الاحتفالات في نيس وكان “عاديا”.

حتى شقيقه رباب أكدت بدورها أن محمد بوهلال عاد للاتصال بعائلته بشكل منتظم ولم يبدو عليه أي تغيير قبل أسابيع من ارتكاب الواقعة التي عصفت بفرنسا.

مازال وقع الحادثة الأليمة يرهق نفوس عائلة محمد بوهلال الذي ترك خصوصا في قلوب عائلات الضحايا المكوية بلوعة فقدان أحبابهم جرحا عميقا لا يندمل.

تنضاف هذه القضية إلى بقية قضايا الإرهاب الأسود وتعمل حاليا السلطات الفرنسية على كشف الارتباط بين الإرهابي محمد بوهلال وما يسمى تنظيم الدولة (داعش).

يذكرأن صحفا فرنسية نقلت عن محققين قولهم إن محمد بوهلال سحب مبلغا هاما في حدود مائة ألف أورو قبل أيام من تنفيذه العملية وقد يكون أرسلها لعائلته في تونس وهو ما صرحت به العائلة في البداية ثم عادت لنفيه.