يعيش المصريون أزمة في توافر العملات النقدية الصغيرة، بينما يؤكد البنك المركزي المصري على توافر الفُكُة بقيمة 989 مليون جنيها من العملات المعدنية والورقية داخل البلاد.لكن نلمح غياب الفَكَة في أغلب المعاملات المالية في مصر. إشارة إلى مشكلة مرتبطة بالمال وتوفره.

يعيش المصريون أزمة في توافر العملات النقدية الصغيرة، بينما يؤكد البنك المركزي المصري على توافر الفُكُة بقيمة 989 مليون جنيها من العملات المعدنية والورقية داخل البلاد.لكن نلمح غياب الفَكَة في أغلب المعاملات المالية في مصر. إشارة إلى مشكلة مرتبطة بالمال وتوفره.

تأتي الأزمة بالتزامن مع معاناة البلاد من ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، حيث وصلت قيمة الأخير إلى ثمانية جنيهات وسبعة وثمانين قرشا حسب البنك المركزي المصري، والذي يسمح بزيادات طفيفة لتدواله، حيث يصل إلى 8.88 في البنوك ويزيد إلى خمسة عشر قرشًا عند صرفه من مكاتب الصرافة الخاصة، بينما يرتفع في السوق السوداء إلى 11.70 ويتوقعأن يزيد.

يحدث ذلك على الرغم من استمرار تمسك طارق عامر محافظ البنك المركز بسياسات نقدية من أجل حماية الجنيه، وقد بدأت هذه السياسات قبل ثلاث سنوات مع سلفه هشام رامز.يعد غياب الدولار مؤشرًا خطير على تراجع الاقتصاد المصري، بينما تعد أزمة الفكة مؤشر آخر على تعثر معاملات المصريين المالية البسيطة، وتسبب لهم إزعاجًا بشكل يومي مع حظر استيراد بعض السلع من أجل تقييد خروج الدولار من مصر. أزمة الفَكَة تكشف الغضب المكتوم بشأن الاقتصاد والغلاء،وشعور الناس بضيق ذات اليد.

فراطة أو فكة

يعيش الناس في مصر آثار هذه الأزمة منذ فترة زادت لأشهر.

في أحد محالات البِقالة بمدينة السادس من أكتوبر، كان البائع لا يبيع شيئا. كلما دخل أحدهم، وطلب شراء سلعة سأله صاحب المحل: هل معك فَكَة؟ وإذا كان لا يملك قيمة السلعة بالضبط يعيد له الأموال، ويرفض البيع.

تكرر المشهد السابق مع كل الزبائن الوافدين إلى المحل. بائع لا يبيع وزبائن لا تشتري، صرخ أحدهم في البائع:” مش شغلتي اديك فُراطة”، حيث لم يحتمل هذا الزبون السوري غضب البائع الذي يعاني من قلة مكسبه بسبب الفَكَة. وفي النهاية لم يأخذ السوري سجائره ولا حظى المصري بماله المنتظر.. هكذا يتعطل البيع والشراء!

من سيتنازل عن البقية؟

داخل أحد أفرع سلسلة مقاهي راقية كان أحد العاملين يشكو من غياب الفَكَة، مؤكدًا أنها مستمرة منذ أشهر، وإن كانت ظهرت بوضوح خلال فترة شهر رمضان وفترة إجازة العيد لزيادات معدلات الشراء.

داخل المحل الصغير الذي يبيع السجائر والقهوة والمياة المعدنية وبعض المأكولات الجافة صار من أدبيات التعامل أن يكون العميل مترفعًا عن الحصول على بقية الأموال التي دفعها إذا لم يملك فَكَة أو يأخذ مقابلها علكة أو زجاجة مياه وإلا سيطلب منه البائع بشكل مهذب أن يسامحه  لعدم توافر بقية ما دفع.

دفعت الأزمة المصريين إلى الوقوف في طوابير الفكة، حيث ينتطموا في طوابير تنتظر توافر بقية أموالهم بعد شراء البضائع المختلفة. يفسر بعض المتضررين داخل هذه الطوابير أن الفَكَة اختفت لأن هناك من يواظب على جمعها وبيعها بمكسب. يلجأ بعض أصحاب المحلات لشراء الفَكَة وذلك عبر دفع زيادة تبلغ قيمتها 10% عند تحويل/ فك أي مبلغ إلى عملات نقدية صغيرة، والبعض الآخر يتحصل على الفَكَة من المتسوليين من أجل تحرّيك عمليات البيع.

كما نلمح آثار الأزمة داخل محطة تزويد السيارات بالوقود، وإن كانت آثارها أقل لحرص العاملين في محطات التزود على التنقيب عن الفَكَة. هذه المحطات كانت دائمًا مصدرًا للعملات النقدية الصغيرة. رغم ذلك لم تنج محلات بيع المأكولات والمشروبات السريعة داخل هذه المحطات من هذه الأزمة.

خلال السنوات الماضية واظبت بعض سلاسل المقاهي على تأسيس أفرعًا لها داخل محطات التزود بالوقود، داخل واحد منهايؤكد أحد العاملين أن العودة لصرف العملات الورقية بقيمة الجنيه ونصفه وربعه لم يحل المشكلة.

مال الماضي

داخل الأسواق المصرية يتبادل الناس أوراق مالية تعود لفترة تولي محمود أبو العنين لمنصب محافظ /رئيس البنك المركزي المصري. كانت هذه الأموال ممنوعة حتى وقت قريب، خاصة أنها حملت تاريخ طباعة في العامين 2002 و2003. حمل بعضها الآخر توقيع فاروق العقدة، الذي شغل منصب محافظ المركزي لمدة عشر سنوات حتى استقال في العام 2013، ثم دخلت الأسواق أوراق حديثة ممهورة بتوقيع محافظ البنك المركزي الحالي طارق حسن عامر. بينما يبحث المصريون عن الفَكَة التي تحولت قبل تسع سنوات إلى الشكل المعدني، ومع تعذر وجودها حضرت أموال الماضي.

لكن الأزمة لا تزال قائمة رغم عودة البنك المركزي لطرح العملات النقدية الصغيرة في شكلها الورقي إلى السوق المالي،حيث عاد المركزي لصرف العملات النقدية الصغيرة الممنوعة منذ العام 2007.

طرحت مصر عملات معدنية، قبل تسع سنوات، لتكون مهمة إصدار الجنيهات خاصة بمصلحة سَكّ العملة التابعة لوزارة المالية، وتتطلب هذه العملات شراء خامات مستوردة، وهو الأمر الذي يتطلب صرف الكثير من حصة البنك المركزي من الدولارات لتوفير الفَكَة في الأسواق، حيث كان آخر ما صرفته مصلحة سَكّ العملة 15 مليون جنيه من فئة الواحد وخمسة ملايين من فئة النصف وقد حملت شعار قناة السويس، كان ذلك في أغسطس/ آب العام الماضي.  تسعى مصر، في الفترة القادمة، إلى استيراد 200 مليون قرص معدني، لسَكّ الجنيه، و100 مليون لسَكّ نصفه ومثلها للربع.. وحتى يحدث ذلك ستسمر حكاية المصريين مع الأموال، والتي تتنوع فصولها بين تراجع القيمة الشرائية للجنيه، وطيران الدولار وغياب الفَكَة عن الأسواق.