في كتابه “مولد البطل في السيرة الشعبية”، يرى الدكتور أحمد شمس الدين حجاجي أن البطل في السير الشعبية يمر بمجموعة من المراحل التي تكوّن بنيته وبنية سيرته على السواء، وهي مراحل “النبوءة” التي تسبق مولد البطل وتحدد مصيره، ثم “النسب” الذي يحدد انتماء البطل، تتلوهما مراحل “الميلاد” و”الغربة والاغتراب” ثم “التعرف والاعتراف” التي تقترن كل منها بمجموعة من أفعال البطل في سعيه لتحقيق ذاته الذي هو في الوقت نفسه تحقيق لقيم الجماعة التي ينتمي إليها ويدافع عنها.

في كتابه “مولد البطل في السيرة الشعبية”، يرى الدكتور أحمد شمس الدين حجاجي أن البطل في السير الشعبية يمر بمجموعة من المراحل التي تكوّن بنيته وبنية سيرته على السواء، وهي مراحل “النبوءة” التي تسبق مولد البطل وتحدد مصيره، ثم “النسب” الذي يحدد انتماء البطل، تتلوهما مراحل “الميلاد” و”الغربة والاغتراب” ثم “التعرف والاعتراف” التي تقترن كل منها بمجموعة من أفعال البطل في سعيه لتحقيق ذاته الذي هو في الوقت نفسه تحقيق لقيم الجماعة التي ينتمي إليها ويدافع عنها.

هل يمكن أن تنسحب هذه المراحل بنيويا إلى أبطال المسلسلات الرمضانية؟ بعبارة أخرى هل يمكن اعتبار السينما والتلفزيون المنتِج للبطل وصياغة السير والملاحم بدلا من السير الشعبية التي تمر بمراحلها هذه عبر رواية يشترك فيها أصوات وأجيال وثقافات للوصول إلى صيغة -أو صيغ- متماسكة؟

في رمضان الحالي بطلان أحدهما تحول إلى “ظاهرة” سواء في تفاعل الناس مع ملحمته الدرامية وهو “ناصر الدسوقي” أو الأسطورة. والثاني هو المعالجة المصرية لكل عناصر الأكشن الأمريكية وهو يوسف رمزي أو “القيصر”. والمسلسل الأول لمحمد رمضان والثاني ليوسف الشريف.

على اختلاف العملين، فإنهما يشتركان في طبيعة تلقي الناس لهذه الأعمال، ومن ثم في تعاطيها مع حيواتهما. ويشتركان أيضا أن اسمي العملين هما “لقب البطل” أي بوابة عبوره اللغوية إلى موديل البطل.

الأول “الأسطورة” خرج من إطار التأثر بعمل درامي إلى حدث اجتماعي صاخب، وانكسر حاجز الوهم بين حكاية بطله الدسوقي وعلاقة الناس به التي حولته إلى شخص موجود من لحم ودم، حتى أن بعض قطاعات هللت لحصوله على حكم براءة، وأقامت عزاءات حقيقية لموته المتخيل. هذا الفاصل المنزوع بين المتخيل والحقيقي في تعاطي قطاعات للعمل.

هذه التفاصيل قريبة الشبه مما يحكى عن غضب الناس وثورتهم في السينما في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، حين تعرض فريد شوقي إلى الضرب على قفاه في بداية فيلم الفتوة، ما جعل الناس تثور “سينما أونطة هاتوا فلوسنا.. الملك مايتضربش” والمقصود هو “ملك الترسو” فريد شوقي، والترسو هي أقل الأماكن تكلفة وأبعدها في السينما. وفريد شوقي هو ملكهم وبطلهم الشعبي محقق أحلامهم. كما لو كان البعد عن الشاشة هو بعد عن “حقيقة” الوهم الذي تخلقه السينما في حكاياتها.

محمد رمضان هذا العام ملتزم بالكتالوج المطلوب من هذا البطل، حتى وإن كان على شاشة التلفزيون، القادر على مواجهة الداخلية بثبات، الذي “يطأ” الطبقات الغنية حرفيا بالزواج من بناتهم، ومجازيا بقدرته على خداعهم. وهو أيضا المحافظ على موديل الأخلاق الشعبية كما يبتغونها: بار بأمه، عاشق حار المشاعر. وفوق ذلك كله يستطيع أن يقول العبارة المناسبة في وقتها المناسب، لتصير أمثولة يرددها الناس.

تنطبق المراحل التي يفصلها حجاجي عن ميلاد البطل الشعبي على بطل الأسطورة مع تغييرات طفيفة مناسبة النسخة الحداثية من هذا البطل، كما تناسب اختلاف الوسيط من بناء لغوي موسيقي إلى تتابع بصري. وفكرة أن “الحارة” والشارع في المسلسل منتحل، والصورة محايدة فذلك مايعطي للبطل قوته الأسطورية، يكون أسطورة بحق، يكرس للملحمة بتجريدها من تفاصيلها الحقيقية بالضبط، لتبدو كل هذه التفاصيل “تخدم” على مركزية البطل لاغيره.

الحكاية مع القيصر، منتحلة قليلا، فإذا كان الأسطورة هو البطل النموذج الذي يطمح إليه المشاهد كاسر عقد الوهم بين الشاشة وبينه. فالقيصر هو التجلي المصري لكل تقنيات البطل الأمريكي في ثمانينياته وتسعينياته السعيدة، حيث شوارزينجر وستالون وفان دام ببنيان جسدي مثالي، تدريبات على القتال والاشتباك، غير أنه ههنا لا يواجه الدولة، بل يتعاون معها لكن دون قيودها القانوينة. ورغم ثورة بعض المشتغلين بالسياسة على الفكرة العامة التي يروجها المسلسل عن الشرطة. فالجهار الأمني كله “متخيل” ليخدم أمريكية الفكرة، وبطلها الذي يلعب على هامش النظام ولا يواجهه بفجاجة. سريع البديهة القادر على حبك خطط محكمة.

المفارقة التي تدعو للكثير من التأمل والتفكير، وربما مشاركة أهل الاختصاص في إجابتها، كيف يكون الإعجاب الشعبي ببطلين لأسباب متناقضة أحدهما مملوء بفوضى العشوائيات والآخر أمريكي صرف؟