يصارع المئات من الأطفال المبتسرين من أجل مواصلة الحياة، في ظل نقص عدد الحضانات الخاصة برعايتهم في محافظة الفيوم، التي تقع جنوب غربي القاهرة. يولد الأطفال المبتسرون قبل اكتمال شهور الحمل التسعة، ويكونوا في حاجة إلى رعاية خاصة، فيُدخلون إلى هذه الحضانات لعدة أيام، حتى تتحسن حالتهم الصحية ويعيشوا مرحلة الأطفال الرضع الطبيعية. ولا تكمن مشكلة الحضانات فقط في التكلفة العالية التي تقع على كاهل العائلة، والتي تقدر بنحو ألف جنية مصري في اليوم الواحد، بل أيضا في قلّة عدد هذه الحضانات. في الوقت الذي لا يرى فيه مسئول الصحة بالمحافظة، وجود أزمة في الحضانات.

يصارع المئات من الأطفال المبتسرين من أجل مواصلة الحياة، في ظل نقص عدد الحضانات الخاصة برعايتهم في محافظة الفيوم، التي تقع جنوب غربي القاهرة. يولد الأطفال المبتسرون قبل اكتمال شهور الحمل التسعة، ويكونوا في حاجة إلى رعاية خاصة، فيُدخلون إلى هذه الحضانات لعدة أيام، حتى تتحسن حالتهم الصحية ويعيشوا مرحلة الأطفال الرضع الطبيعية. ولا تكمن مشكلة الحضانات فقط في التكلفة العالية التي تقع على كاهل العائلة، والتي تقدر بنحو ألف جنية مصري في اليوم الواحد، بل أيضا في قلّة عدد هذه الحضانات. في الوقت الذي لا يرى فيه مسئول الصحة بالمحافظة، وجود أزمة في الحضانات.

ولدت لتموت

“حاولت إنقاذ حياة مولودتي الرابعة التي توفيت بعد دخولها حضانة للمبتسرين، بعد أن كلفتني آلاف الجنيهات، وأنا رجل على باب الله”..هكذا بدأ ياسر عبدالتواب محمود، “صنايعي عفشة”، من أبناء قرية جرفس، بمركز سنورس، محافظة الفيوم، جنوب غربي، العاصمة المصرية القاهرة، حديثه عن معاناته.

قصة مؤلمة يرويها ياسر، الذي قام طبيب بإحدى المستشفيات الخاصة، بتوليد زوجته، قيصريا، بعد أكد لهم أن المياه في رحم الأم جفت، من حول الجنين، وأنه لابد من توليدها، خاصة وأنها تعاني من أنيميا، لا يمكن معها، استمرار الجنين في بطنها أكثر من ذلك، وكان الجنين وقتها يتبقى له عشرين يوما، ليكمل شهره السابع في بطن أمه.  

“هذه هي الولادة الرابعة لزوجتي، وفي كل مرة احتاج فيها، لإدخال الطفل في حضانة، والثلاث الذين ولدوا قبلها توفوا، منهم جنين توفي بعد يوم من ولادته، حيث أخذته معي في جولة فاشلة على المستشفيات بحثا عن حضانة للمبتسرين، حتى تقبله لإنقاذ حياته، حيث كان يحتاج تنفس صناعي”..حسب ما ذكره والد الطفلة.

تكاليف باهظة

ويضيف ياسر، أن ولادة الطفلة الرابعة كلفته ألفين جنيها مصريا، وأنه بعد أن زار عدد من المستشفيات العامة والخاصة، بحثا عن حضانة بها جهاز تنفس صناعي كامل، لم يجد سوى مكانا في مستشفى النقل البري بحي الحواتم بمدينة الفيوم، تكلفة الليلة فيها800 جنيها، منها 50 جنيها قيمة علاج للطفل، حيث فشلت محاولاته في العثور على مكان بمركز للحضانات في أي من المستشفيات العامة، بتكلفة مادية أقل، بسبب نقص عدد الحضانات التي تعمل بجهاز تنافس صناعي كامل، على مستوى المحافظة.

“بالفعل تكلفة الحضانة العادية في اليوم الواحد تصل إلى 200 جنيها، والفقراء في الأحياء الشعبية، يعانون من عدم توفر أماكن في حضانات المستشفيات العامة والمركزية، وكثير من المواليد يموتون بسبب الفقر، وعدم قدرة أبائهم على تحمل تكاليف البقاء في الحضانات الخاصة، لعدة أيام، لعدم كفاية عدد الحضانات مع المواليد ناقصي النمو”، هذا ما يؤكده الدكتور محسن جمعة، أمين عام نقابة الأطباء بالفيوم.

ويضيف جمعة، أن غالبية السيدات حاليا يلدن قيصريا لسهولته، وهي ظاهرة مستجدة، مؤخرا، أدت في بعض الأحيان إلى زيادة عدد الأطفال المبتسرين، لاسيما في حالات الحمل المتكرر، حيث يجد طبيب النساء والولادة، توليدها بهذه الطريقة أكثر راحة له، وكذلك أكثر دخلا، حيث تزيد تكلفة العملية القيصرية عن الولادة الطبيعية، بمقدار 500 جنيها تقريبا، مشيرا إلى أنه لابد من توعية السيدات بضرورة البعد عن الولادة القيصرية إلا في الحالات الطبية التي تحتاج لذلك.

12 ساعة في انتظار الموت

لم تكن حالة مولود “ياسر” هي الوحيدة بالطبع. ربيع مصطفى عيسى، من منطقة الساحة الشعبية، بمدينة الفيوم، أب لخمسة فتيات، أنجب طفل سادس، منذ عدة أشهر، وتم ولادة الطفل قبل أن يكمل الشهر السابع في بطن أمه، أي “ناقص النمو”، وذلك في عيادة طبيب خاصة، وخاض رحلة البحث عن حضانة لإدخال طفله فيها، فلم يجد مكانا خاليا سوى بحضانة جزئية في مستشفى الشيخ موسى، لحين تدبير حضانة في مكان أخرى بها جهاز تنفس صناعي كامل، لإنقاذ حياة الطفل.

استعان الأب، بأحد النشطاء السياسيين، يدعى أحمد السني، منسق حركة “راقب..شارك..إفضح”، من مركز سنورس، لمساعدته في الوصول إلى المسئولين، حيث اتصل الأخير على وكيل وزارة الصحة بالمحافظة، وقتها، لتدبير مكان في حضانة كاملة التنفس الصناعي، فطلب منهم التوجه إلى مستشفى الفيوم العام، بعد أن وعدهم بتدبير مكان للطفل بمستشفى أبو الريش بالقاهرة، وبعد أن مكث الطفل في حضانته بمستشفى الشيخ موسى، 12 ساعة، اصطحباه إلى مستشفى أبو الريش، بحثا عن مكان في الحضانة الكاملة، وقبل دخولهم المكان، لفظ الطفل أنفاسه الأخيرة، كما يروي والده.

هذه الوقائع دفعت منسق حركة “راقب..شارك..إفضح” بالفيوم، إلى تبني حملة لتشغيل غرفة عمليات مغلقة في المركز الطبي بمركز سنورس، خاصة بالتوليد، وأن يتم إنشاء قسم حضانات للمبتسرين جزئيا وكليا، يكون بها جهاز تنفس صناعي كامل، حيث لا يوجد الجهاز الأخير في المستشفى الأولى بالمركز، وهي مستشفى سنورس المركزي. مما يدفع الأباء إلى إدخال الأطفال ناقصي النمو إلى حضانات خاصة. لا يقدرون على تكاليفها المادية، حسب ما يؤكده منسق الحركة.

بلاغات رسمية

وافتتح المستشار وائل مكرم، محافظ الفيوم، وحدة للأطفال المبتسرين بمستشفى الفيوم العام، خلال الأسابيع القليلة الماضية، لمواجهة عجز عدد الحضانات، مقابل المواليد ناقصي النمو، والتي تبرعت بها مدارس خاصة، حيث تضم 20 حضانة للأطفال المبتسرين حديثي الولادة، إلا أن المشكلة ما زالت قائمة. وقال مكرم إن المحافظة سوف تتسلم الأسبوع المقبل 5 حضانات جديدة، لتزويد مستشفيات الفيوم بها، لرفع العبء عن كاهل محدودي الدخل واستيعاب جميع الأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية فائقة بوحدات الأطفال المبتسرين.

ومع ذلك وصلت أزمة نقص الحضانات، إلى بلاغات رسمية، حيث تقدم سيد حسين السيد-42 سنة، سائق، مقيم بقرية منشأة عبد الله، بمركز الفيوم، ببلاغ إلى قسم شرطة الفيوم، برقم 3740 لسنة 2016م، ضد مستشفى الفيوم العام، لعدم توفير أماكن بحضانات المستشفى  لـ4 توائم أنجبتهم ابنة شقيقته، في ولادة قيصرية بمستشفى الفيوم العام، بعد أن أوصى الأطباء بوضعهم بقسم الحضانات بالمستشفى، وعند توجهه للقسم رفضوا قبول الأطفال لعدم وجود أماكن.

إجراءات حكومية

وبعد تفاقم أزمة الحضانات للأطفال ناقصي النمو، أعلن الدكتور أحمد عماد الدين راضي، وزير الصحة والسكان، مؤخرا، عن بدء إجراءات تطوير منظومة 137 للرعايات وحضانات الأطفال لتلافي سلبيات المنظومة القديمة، على مستوى الجمهورية، والتي تهدف إلى توفير معلومات عن حركة الإشغال لأسرة الرعاية والحضانات لسرعة إنقاذ المرضى الذين يحتاجون إليها، وذلك باستخدام أجهزة لوحية رقمية “تاب”، يتم توزيع بعضها على وحدات الرعايات ومراكز الحضانات على مستوى مستشفيات الوزارة، ويتم إمدادها بشكل منتظم بحركة إشغال الأسرة وربطها بشبكة معلومات.

بينما تؤكد الدكتورة مرفت عبدالعظيم، أخصائي أمراض النساء والولادة، بالفيوم، وعضو مجلس نقابة الأطباء بالمحافظة، أن زيادة عدد مرات الولادة لدى السيدة، قد تدفعها للولادة مبكرا، ويولد الطفل الأول في موعد مناسب لا يحتاج إلى حضانات، ولكن الولادة بعد الثالثة، يكون المواليد أكثر حاجة إلى دخول الحضانات، حتى يكتمل نموهم، ونفت أن تكون ظاهرة الولادات القيصرية، مسئولية الأطباء، أو رغبة منهم في التربح السريع، وقالت: ” الفتيات نفسها تميل إلى الولادة القيصرية، حتى تتفادى ألم وتعب الولادة الطبيعية..وهو ما انتشر خلال الخمس سنوات الأخيرة..حتى في الريف أيضا”.

وتضيف أخصائية أمراض النساء والولادة، أن الزواج في سن متأخر، أكبر من الـ 30 سنة، يؤدي أيضا إلى زايدة احتمال اللجوء إلى الولادة القيصرية، فضلا عن ظهور ظاهرة التوائم، الناتجة عن تشجيع بعض الأطباء للسيدات على تناول المنشطات، لزيادة الخصوبة، في حالة تأخر السيدة في الحمل عدة أشهر من زواجها، مشيرة إلى أن كثير من الأطباء يفضلون القيصرية، لأنها أكثر أمانا للأم والطفل، عن الطبيعية، ونفت أن يكون العائد المادي هو الدافع لدى الطبيب لتوليد السيدات قيصريا.

“لا يوجد مشكلة”

ويستبعد الدكتور مروان عبدالفتاح، وكيل وزارة الصحة بالفيوم، أن يكون هناك عجز كبير في عدد الحضانات للأطفال المبتسرين، وقال: ” أي مريض يتواصل معي ويطلب توفير حضانة لطفله، وسأجد له مكانا، هذا معناه أنه لا يوجد مشكلة”، موضحا أن مستشفى الفيوم العام، بها 55 حضانة، ومستشفى أبشواي المركزي، بها 15 حضانة، ومثلهم بمستشفى سنورس المركزي، و12 حضانة في مستشفى إطسا المركزي، و22 حضانة في مستشفى طامية المركزي.

ويضيف وكيل الوزارة، أن عدد الحضانات التي يوجد بها تنفس صناعي كامل، قليل، ويوجد منها أربعة فقط في مستشفى الفيوم العام، حيث يتم تدريب أطباء معينة للعمل عليها، وهناك سيارات إسعاف بها حضانة، لنقل الطفل المريض من إلى أي مكان آخر في حالة عدم وجود أماكن في الفيوم، بشكل آمن.