هذه ليست قصة فيلم تراجيدي يجري تصويره حاليا وإنما مأساة من مآسي الواقع التونسي الذي يفيق ويرقد مفجوعا من كوابيس جرائم الإرهاب.

قبل نحو عام بدأت مأساة عائلة العميد الراحل فتحي بيوض طبيب الأطفال بالمستشفى العسكري بتونس عندما تفطنت لسفر ابنها إلى العراق.

أنور كان شابا يسير على خطى أبيه فتحي ويستعد لإتمام دراسته في الطب لكنه التصق بخيوط تنظيم الدولة الذي استقطب آلاف الشباب التونسي.

هذه ليست قصة فيلم تراجيدي يجري تصويره حاليا وإنما مأساة من مآسي الواقع التونسي الذي يفيق ويرقد مفجوعا من كوابيس جرائم الإرهاب.

قبل نحو عام بدأت مأساة عائلة العميد الراحل فتحي بيوض طبيب الأطفال بالمستشفى العسكري بتونس عندما تفطنت لسفر ابنها إلى العراق.

أنور كان شابا يسير على خطى أبيه فتحي ويستعد لإتمام دراسته في الطب لكنه التصق بخيوط تنظيم الدولة الذي استقطب آلاف الشباب التونسي.

من منطقة حي النصر التي تعتبر من أرقى الأحياء في العاصمة تونس سافر أنور (26 عاما) رفقة صديقته فرح للقتال ضمن التنظيم في العراق ليختارا قدرا مشؤوما.

رحلة مشؤومة

بدأت المصيبة بكذبة قلبت حياة عائلتين متجاورتين رأسا على عقب بعدما أوهم أنور وفرح عائلتهما قبل سبعة أشهر بأنهما سيسافران إلى سويسرا للتسجيل بإحدى جامعات الطب.

نجحت خطتهما في إبعاد عين الشك عليهما فسافرا باطمئنان من تونس إلى سويسرا ثم إلى فرنسا ثم إلى تركيا فالعراق حيث حطا رحالهما في فخ التطرف الديني.

خلال بداية التحاقهما سعى تنظيم الدولة لتجنيدهما للقتال في أشد المعارك الدموية خطورة في الموصل إلى أن وقع إلحاق أنور وصديقته بمعالجة جرحى “داعش”.

مع مرور الوقت تغير كل شيء فما كان بالأمس حلما أصبح فجأة كابوسا حيث أفاق أنور من غفلته أمام من وصفهم بـ”الوحوش” بعد التحاقه بعناصر التنظيم في الرقة بسوريا.

اتصل الفتى سرا بوالده فتحي بيوض ليصارحه بالحقيقة المرة التي يواجهها مع فرح التي تزوجها عفا طالبا النجدة. لكن القصة الموجعة أخذت منحى تراجيديا بلا رجعة.

لم تتخيل والدة أنور أن ابنها الذي كان مقبلا على الحياة سيقذف بعائلتها في فلك الإرهاب لذلك لم تشك للحظة واحدة في صدق كلامه بأنه خطط لدراسة الطب بسويسرا.

تقول سيدة بيوض بحرقة لـ”مراسلون” إن ابنها كان عاديا لا تبرز على ملامحه آثار التدين وإنه لم يكن مواظبا على الصلاة الأمر الذي جعل فؤادها ممزقا فيما تقرع أسئلة كثيرة دماغها.

عند وقوف أسرتها على هول الفاجعة بالتحاق ابنها بتنظيم الدولة في الموصل ثم الرقة واستنفاره طلبا للنجدة تقول سيدة لـ”مراسلون” إن منعطفا ساحقا انتصب أمام مسيرة عائلة هادئة.

قلب الأب

لقد كانت الرسالة الآتية من ابنها من سوريا نقطة تحول مقيتة لدى العائلة بعدما قرر الأب فتحي بيوض التحول إلى تركيا على جناح السرعة للبحث عن طريقة يستعيد بها ابنه الضائع.

في البداية أصيب العميد بالجيش التونسي فتحي بيوض بصدمة نفسية لكنه سرعان ما تجاوزها بقلب من حديد مهد له طريق المجازفة بالبحث عن ابنه الطائش.

“كان مستعدا للتضحية بكل شيء يملكه: وظيفته، ماله، حياته في سبيل استعادة ابنه من سوريا” تقول وداد زميلة العميد فتحي بيوض بصوت يغمره حزن عميق.

بحسب روايتها استنفذ هذا الأب كل الطرق في الوصول إلى ابنه موظفا معارفه وإمكانياته إلى درجة أنه طلب إجازة طويلة بلا راتب ليبحث بلا هوادة عن ابنه الضال.

بعد عناء تواصل فتحي خلال تواجده في تركيا بابنه أنور مقنعا إياه بالهروب ثم تسليم نفسه إلى الجيش الحر السوري الذي أرسله في نهاية المطاف للسلطات التركية التي اعتقلته لفترة.

كانت هذه الخطورة بمثابة النصر الذي أطلق العنان للزغاريد في أوساط عائلة أنور بعدما شعرت بأنها تخطت عتبة المجهول وأن جهودها لترميم ما تحطم قد تكللت بالنجاح.

بعدما زف العميد فتحي هذا الخبر المفرح لزوجته جاء دور والدة أنور لتلتحق بزوجها في تركيا لإتمام إجراءات تسليم الابن قبل العودة به على جناح السرعة لتونس.

لكن رياح القدر لم تجر بما تشهيه العائلة وكان الموت أسرع من يد الأب التي امتدت لمساعدة ابنه فكانت نهاية الوالد ضمن ضحايا الهجوم على مطار أتاتورك باسطنبول.

كان العميد فتحي جالسا في مطار أتاتورك ينتظر قدوم زوجته من مطار تونس على أحر من الجمر قبل أن تطاله شظايا التفجير الانتحاري في قاعة الانتظار بالمطار. 

جدل صاخب

لقي العميد فتحي بيوض الذي لم يدخر جهدا في حياته كطبيب لنجد الأطفال واللاجئين حتفته على يد تنظيم ما تزال طلاسم شبكات استقطابه عصية على السلطات التونسية.

وقد دفن قبل أيام العميد فتحي بيوض بمدينة قصور الساف في محافظة المهدية (جنوب) في جنازة مهيبة بينما يخضع ابنه لعلاج نفسي بالمستشفى العسكري بالعاصمة وسط غضب الراي العام.

مقتل بيوض أعاد للسطح قضية شبكات تسفير الشباب التونسي للقتال في بؤر التوتر كما غذى الجدل الدائر حول سياسة التعامل مع المقاتلين العائدين من تنظيم داعش. 

وتفجرت على مواقع التواصل الاجتماعي موجة من السخط على قرار الاحتفاظ بالشاب أنور في المستشفى العسكري بدلا من سجنه فيما دعا حقوقيون لضبط النفس.

ويقول بعض النشطاء إنه بات من الملح التفكير في حلول جدية لاستيعاب وتأهيل من انتموا سابقا إلى التنظيمات الإرهابية تجنبا لتأثيراتهم السلبية على المجتمع وقطع باب العود أمامهم.