ما يزال مرتب حمزة بو شكيوة (29 عاماً) الذي يتقاضاه من الدولة الليبية موقوفاً منذ أكثر من أربعة أشهر بسبب كونه يشغل وظيفتين في القطاع العام في آن واحد، ورغم تقديم استقالته مباشرة من الوظيفة الحكومية الثانية بعد إخطاره من قبل وزارة العمل إلا أن الراتب لم يصرف له بعد.

ما يزال مرتب حمزة بو شكيوة (29 عاماً) الذي يتقاضاه من الدولة الليبية موقوفاً منذ أكثر من أربعة أشهر بسبب كونه يشغل وظيفتين في القطاع العام في آن واحد، ورغم تقديم استقالته مباشرة من الوظيفة الحكومية الثانية بعد إخطاره من قبل وزارة العمل إلا أن الراتب لم يصرف له بعد.

حسب كلام حمزة فإنه لم يتعمد هذا الوضع، فقد انتقل من جهة عمل إلى أخرى بطريقة قانونية واستقال من الأولى قبل أن يباشر العمل في الثانية، إلا أن خللاً ربما وقع في تواصل جهة عمله السابقة مع وزارة العمل تسبب في عدم إيصال نموذج استقالته وبقاء اسمه مسجلاً في الملاك الوظيفي للمصلحتين.

“ليست كل حالات الازدواج الوظيفي التي كشف عنها الرقم الوطني حقيقية فقصور وضعف الإدارات في الجهات والمؤسسات العامة وضعت الكثيرين في خانة التحايل الإداري رغماً عنهم” يقول حمزة.

هذا حقي!!

قصة حمزة هي واحدة من آلاف القصص التي يحملها المصطفون في طوابير طويلة أمام أجهزة منظومة التحقق من الازدواج الوظيفي بمركز التوثيق والمعلومات كما يحملون ملفاتهم المحشوة بالأوراق، حيث رصدت منظومة وزارة المالية هذا العام أكثر من مائة ألف حالة تكرار لوظائف شغلت بذات الأرقام الوطنية تمت تسوية أوضاع أربعين ألف حالة منها، فيما لا زالت عملية التسوية مستمرة لكل من يتقدم تنازلاً عن إحدى الوظائف التي يشغلها.

القصص التي سمع عدداً منها “مراسلون” تعبر في العموم عن جهل المواطن بقانون العمل الليبي، وتكرس حالة النقمة على الدولة وأجهزتها وسياساتها السابقة والحالية، وهو ما عبّر عنه شريف بن جابر (43 عاماً) الذي تحدث بسخرية عن حقه في العمل بوظيفتين مادامت “المرتبات ضعيفة والأسعار ترتفع باستمرار، أنا وغيري مضطرون لذلك كي نعيش”.

بن جابر كان يعمل على مدى 22 عاماً موظفاً بالهيئة القومية للبحث العلمي، وأثناء الثورة في 2011 انتسب لإحدى الكتائب الأمنية “المشرعنة” على حد وصفه من قبل وزارة الدفاع، والتي صرفت له رقماً وظيفياً و “مرتباً مجزياً” ظل مستمراً حتى شهر مايو 2015.

اعتقد بن جابر أن مرتب الكتيبة لا علاقة له بمرتبه الذي يتقاضاه من القطاع العام حسب قوله، ولكن بعد تطبيق منظومة الازدواج الوظيفي وكشف الأمر توقف مرتبه منذ أكثر من عام، وهو الآن يسعى جاهداً لتسوية الوضع الذي يقول إنه “في ظل الظروف الحالية أمرٌ عادي تراه الحكومة النائمة تجاوزاً لقوانينها”.

ضعف العدد الحقيقي

بو شكيوة الذي يحاول متابعة إجراءات صرف مرتبه هو الآخر اشتكى لـ”مراسلون” من طول الوقت الذي تتطلبه معالجة الوضع الذي جعله تائهاً بين الإدارات والمؤسسات المختلفة، وهو ما برره عبدالحميد بوجليدة مدير مركز التوثيق والمعلومات بوزارة المالية بالأعداد الكبيرة من الملفات المحالة للمركز لغرض تبين وضعها الوظيفي من خلال الأرقام الوطنية، والتي بحسب قوله تجاوزت 2 مليون معاملة للعاملين في أجهزة الدولة المختلفة.

 يتوقع “بوجليدة” أن بنهاية العام الحالي 2016 سيكون المركز قد أنجز قاعدة معلومات مالية متكاملة عن الجهاز الإداري العام، وحسب النتائج الأولية فإن هذه المنظومة ستوفر ما قيمته 6 مليار دينار ليبي (4‪.47 مليار دولار أمريكي) عن بند المرتبات من الميزانية العامة، والذي سجل نهاية العام الماضي مبلغا قدره 24 مليار دينار ليبي (17‪.5 مليار دولار أمريكي).

محمد صليل رئيس المنظمة الليبية للعمل قال لـ”مراسلون” إنه بحسب تقرير وزارة العمل والتأهيل المحال للمؤتمر الوطني العام، يبلغ عدد العاملين بالجهاز الإداري الليبي نحو مليون ومائتين وخمسين ألف موظف.

وهذا الرقم يقول عنه صليل كان الضعف قبل تطبيق برنامج معالجة الازدواج الوظيفي، متوقعاً بحسب الرؤية المشتركة لوزارتي العمل والمالية أن يصل عدد العاملين في الجهاز الإداري العام إلى تسعمائة ألف موظف بنهاية العام الحالي 2016.

لماذا التأخير

ما يراه المسؤولون نجاحاً في تقليص حالات الازدواج الوظيفي يراه المصطفون في طوابير المنظومة خيبة أمل وعدم مراعاة لحال المواطنين، حيث تم إيقاف صرف مرتباتهم دون الأخذ بالحسبان الروتين الإداري المطول عند إجراء المعالجة.

طول الوقت سببه غياب التنسيق وضعف الشركات الموكل لها خدمة توصيل البريد إلى جانب بعد المسافة وعدم ثبات الظروف الأمنية بالطرق المؤدية لطرابلس، كل ذلك يؤخر إنجاز معاملات المواطنين الذين لديهم ازدواج وظيفي، هذا ما قاله رمضان عبد الله مدير مكتب العمل بمنطقة الحرابة (غربي طرابلس) الذي يقوم بعملية مراجعة الإجراءات المحالة من طرف مكتبه.

يؤكد عبد الله أن العمل يجري على قدم وساق، وكل الإشكاليات ستنتهي قريباً، ولكنه في ذات الوقت يستغرب من ثقافة حق الحصول على أكثر من مرتب عند بعض الناس طالما تصرف جميعها من الميزانية العامة.

الموظفون يخطؤون

ثناء عبد الله على سرعة العمل لا ينفي وقوع أخطاء ترتكب من قبل الموظفين أثناء إدخال الأرقام الوطنية للمراجعين، وهو ما قد يسبب مشاكل لبعض الناس عن طريق الخطأ، من هؤلاء الضحايا محمد سنوقة (38 عاماً)، الذي قام على ما يبدو أحد موظفي المنظومة بإدراج رقمه الوطني مرتين مما جعله في حكم المزدوجين وظيفيا، ودفعه لمراجعة المنظومة حتى يتم إصلاح الخطأ الذي قد يتسبب بإيقاف مرتبه الذي يعتمد عليه كمصدر دخل وحيد حسب ما أفاد به “مراسلون”.

هذه الأخطاء لم ينف حدوثها عادل الغزال مدير مركز التوثيق والمعلومات بوزارة العمل والتأهيل عندما رافقنا في جولة داخل المركز، حيث بيّن أن عدم التركيز أثناء إدخال الأرقام الوطنية يسبب إيقاف مرتبات بعض الموظفين بالخطأ.

ولكن ومع ذلك يظل الغزال مستبشراً بما وصفه “النجاح الكبير الذي حققته منظومة الازدواج الوظيفي”، وبابتسامة عريضة يطمئن كافة المتزاحمين في صالة المركز أن أقصى مدة للإجراء داخل المركز لن تتجاوز الأسبوع لتحال بعد التدقيق لمركز التوثيق والمعلومات بوزارة المالية، مطالباً إياهم بالمتابعة اليومية لإجراءاتهم عبر موقع الالكتروني للمركز.

أرقام وإحصاءات

برنامج الازدواج الوظيفي بدأ العمل به فعلياً بداية عام 2015 من خلال الجولات الميدانية على القطاعات المختلفة، والتي جاءت بعد تشكيل لجنة تنظيمية برئاسة اللجنة المالية بالمؤتمر الوطني العام، هذه اللجنة حسب الغزال استطاعت التغلب على الكم الهائل من الإجراءات الإدارية، خاصة وأن نماذج التسوية كانت قد وزعت من خلال هيئة الرقابة وهو ما ساهم في سرعة الإنجاز بشكل كبير.

عدد المواطنين الذين لديهم مشاكل الازدواج الوظيفي حسب الغزال بلغ أكثر من ستة وتسعين ألف شخص، وهناك أربعة آلاف وظيفة تم تحديدها لاحتوائها على تكرار في الأرقام الوطنية وهي حتى الآن لا تعتبر ازدواجا إلى حين البت في أمر شاغلها، وذلك من خلال مستندات التسوية المقدمة من قبله.

وحسب آخر البيانات الموجودة في المنظومة قال الغزال إن هناك ستة وعشرون ألف وثلاثمائة معاملة قيد التسوية منها اثنان وعشرون ألف وثلاثمائة معاملة أحيلت لوزارة المالية لغرض الصرف بعد التدقيق والتأكيد، في حين هناك ثلاثمائة وستون معاملة تحت الأجراء ونحو ألفين وسبعمائة وثلاثة وخمسون معاملة قيد الانتظار لحين وصول بياناتها من قبل مركز التوثيق والمعلومات بوزارة المالية، كما أن هناك ألف ومائة وثمانية وثمانون معاملة تم ترجيعها لمكاتب العمل المختصة بالمناطق نظراً لعدم استيفاء الإجراءات الإدارية.

المرحلة الأولى من التحقق من حالات الازدواج الوظيفي حسب القائمين على هذا العمل توشك على الانتهاء بنهاية العام الحالي 2016، استعداداً لمرحلة جديدة سوف تستهدف العاملين في الجهاز المصرفي والشركات العامة.