تزايدت مع حلول شهر رمضان أعداد المتسولين على الطرقات العامة في طرابلس، واللافت هذا العام تكرار مشهد عائلات كاملة تفترش الطرقات وتطلب العون المادي من الناس، أو يبيع أبناؤها المناديل الورقية والبضائع الرخيصة التي تفتح لهم باباً للسؤال.

ورغم أن جل المتسولين هم من غير الليبيين، ولا يمكن أن يكونوا دخلوا البلاد بصورة قانونية في غياب السلطات المنظمة، إلا أنهم يزاولون مهنتهم أمام مرأى عناصر الأمن المنتشرين في الشوارع دون خوف من عواقب أمنية قد تطرأ لهم، حتى وهم يربكون الحركة العامة في الطرقات الرئيسية.  

تزايدت مع حلول شهر رمضان أعداد المتسولين على الطرقات العامة في طرابلس، واللافت هذا العام تكرار مشهد عائلات كاملة تفترش الطرقات وتطلب العون المادي من الناس، أو يبيع أبناؤها المناديل الورقية والبضائع الرخيصة التي تفتح لهم باباً للسؤال.

ورغم أن جل المتسولين هم من غير الليبيين، ولا يمكن أن يكونوا دخلوا البلاد بصورة قانونية في غياب السلطات المنظمة، إلا أنهم يزاولون مهنتهم أمام مرأى عناصر الأمن المنتشرين في الشوارع دون خوف من عواقب أمنية قد تطرأ لهم، حتى وهم يربكون الحركة العامة في الطرقات الرئيسية.  

بحثاً عن الخبز

تروي ماجدة العجب أصيلة السودان التي التقاها “مراسلون” في أحد التقاطعات الرئيسية وسط طرابلس كيف جاءت إلى العاصمة مؤخراً بعد أن ضاقت بها سبل العيش في سبها حيث كانت تعيش منذ عشرين عاماً.

ماجدة هاجرت إلى ليبيا مع أطفالها الخمسة بعد أن توفي زوجها واضطرت للفرار من حرب دارفور التي أكلت كل ممتلكاتهم في بلدهم الأصلي، وليبيا كانت الملاذ الوحيد للحصول على لقمة العيش، حيث تمارس القادمات من دولة السودان صناعة البخور وبعض العطريات الخاصة بالنساء كما يتفنّنّ في نقش الحناء التي تلقى رواجاً كبيراً في مناطق مختلفة.

إلا أن التدهور الأمني لاحق ماجدة في جنوب ليبيا، فقررت السفر إلى طرابلس “لم أعد قادرة على توفير لقمة العيش لأبنائي فجئت بحثاً عن الخبز الذي صار صعباً” تقول ماجدة، خصوصاً بعد النقص الحاصل في توفير السيولة في المصارف والغلاء الذي طال كل شيء.

أطفال متسولون

الحال كما هو جلي لم يكن أفضل في طرابلس، حيث الوضع الاقتصادي متدهور جداً، فارتفاع أسعار الإيجارات والأغذية أجبر ماجدة على افتراش الأرض وطلب المعونة، “أنا وأبنائي هنا نسترزق على باب الله، ونحصل على ما يكفي احتياجاتنا اليومية ونجمع منه ما يسدد إيجار مسكننا”.

غير بعيد عن التقاطع الذي تجلس فيه ماجدة تقف طفلة في السابعة من عمرها اسمها رماح، تبيع المناديل الورقية، ابتسمت عند اقترابنا منها ظناً أنها حصلت على زبون جديد، وعند الحديث إليها تجاوبت واسترسلت في الحديث ببراءة.

تقول رماح أنها ووالدتها وبقية أشقائها يقومون ببيع المناديل الورقية تارة ويتسولون تارة أخرى، وهم يصلون المدينة صباح كل يوم قادمين من منطقة “الكريمية” حيث المكان مكتظ بالعائلات السودانية التي تمارس ذات المهنة.

هي لا تعرف أين كانت تقيم في ليبيا قبل مجيئها لطرابلس لكنها تقول بأن والدتها هربت بهم بعد نشوب معارك بالسلاح الثقيل حيث كانوا يعيشون، وتعلم أيضاً بأنهم يسكنون مع عائلة سودانية أخرى تزاول ذات النشاط.

طفلة أخرى دفعها الفضول للاشتراك في الحديث قالت “الليبيون يتعاطفون معنا كثيراً ويعطوننا المال”، تلك الطفلة أيضاً تبيع المناديل الورقية وتتسول هي ووالدتها وجميع أشقائها، وقد كانوا يقيمون قبلاً في مدينة سرت حيث ساءت الأوضاع واضطروا للفرار ليقيموا مع أقارب لهم في طرابلس.

الرقيب اختفى

ممتهنوا التسول هؤلاء لا يتعرضون للمساءلة من أي جهات رقابية، حيث تؤكد ماجدة العجب أنها تتخذ من هذا التقاطع مقراً لها منذ ما يزيد على أسبوعين، دون أن تتعرض لأي أذى أو تستوقفها أي جهة أمنية، “أنا إقامتي قانونية ولدي شهادتي الصحية وكل أوراقي سليمة وفق القانون” تقول ماجدة التي لا تجد مبرراً للخوف أو القلق.

لكن من يستغلون الأطفال والقصر في مهنة التسوّل يخالفون القانون الليبي، وغياب دور الجهات المنفذة للقانون جعله أمراً مستفحلاً بالذات في السنة الأخيرة 2016، وبحسب مصطفى ادريس مدير مكتب الترحيل بجهاز الهجرة غير الشرعية فقد تم ترحيل عدد كبير ممن تم ضبطهم عن طريق لجنة “مكافحة التسول” التي شكلتها وزارة الداخلية بحكومة الإنقاذ الوطني السابقة بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية.

اللجنة حسب قرار تشكيلها الصادر عن وزير الداخلية في شهر أغسطس عام 2015، مكلفة بمكافحة ظاهرة التسول والبيع على الطرقات العامة، واستمرت في تقديم خدماتها عدة أشهر حتى توقفت بعد تغيير عدد من وزراء حكومة الإنقاذ.

حققته اللجنة

رئيس لجنة مكافحة التسوّل العقيد محمد البكوش كذلك يرى أن زيادة عدد المتسولين أمر طبيعي بعد توقف عمل اللجنة جراء عدم توفر الإمكانيات وتخلي وزارة الشؤون الاجتماعية الحالية عن دورها في هذا الإطار، حيث كان يتعين على الوزارة حسب قرار تشكيل اللجنة توفير الأخصائيين الاجتماعيين، ووسائل النقل، والمكافآت للفريق المكلف بالضبط والتحقيق مع من يمارس مهنة التسول.

وأضاف أنه في السابق كان يحال بعض الممارسين لمهنة التسول لصندوق التضامن، ويتم إحالة آخرين لصندوق الزكاة التابع لوزارة الأوقاف، وأن اللجنة كلفت بضبط القائمين بالتسول والتحقيق معهم، وإحالة المهاجرين غير الشرعيين منهم لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، وهو بدوره يقوم بترحيلهم، في حين يقوم الأخصائيون بإجراء بحوث اجتماعية عن المتسولين الليبيين ودراسة أوضاعهم المالية تمهيداً لوضع حلول لها.

أسف البكوش على توقف عمل اللجنة تشاركه إياه سميرة الفرجاني وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة في حكومة الإنقاذ الوطني، والتي كشفت لـ”مراسلون” أن اللجنة تمكنت من ضبط أعداد كبيرة من المخالفين للقانون وممن يتبعون شبكات تديرها جهات تمارس مخالفات متنوعة، فحسب قولها تم ضبط أشخاص متورطين في عمليات جوسسة وعُثر معهم على صور لمواقع عسكرية وأحيلوا للمخابرات، ومنهم من تورط في جرائم “أخلاقية” وأحيل للآداب.

نازحون في الداخل

وبما أن معظم من التقاهم “مراسلون” حسب شهاداتهم هم نازحون من مناطق اشتباك داخل ليبيا توجهنا للتواصل مع المخولين بمتابعة شؤون النازحين داخلياً، حيث أفادنا مدير لجنة الأزمة للنازحين من مدينة بنغازي بأنهم يقومون بتوزيع المعونات على النازحين الأجانب أسوةً بالنازحين الليبيين دون أي فرق، مستدركاً بأن الأوضاع المعيشية للنازحين عامة تعتبر “متواضعة”.

أما رئيس لجنة النازحين من مدينة سرت فرع طرابلس فيقول إن اللجنة لم تتلقى أي دعم من أي جهة حكومية، وبالكاد تحصل على بعض المعونات من أهل الخير، مشيراً إلى أن عدد العائلات النازحة من سرت وصل 2100 عائلة بينهم عائلات من مصر والسودان وفلسطين، وأن المعونات التي قاموا بتوزيعها لا تتعدى بعض علب الزيت ومعجون الطماطم والحليب وبعض المواد الغذائية الأخرى.