مرّ شهر تقريبا منذ دعوة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون منفتحة على جميع الأطياف السياسية سواء كانوا ينتمون إلى الائتلاف الحاكم أو المعارضة أو إلى هياكل مستقلة مثل الإتحاد التونسي للشغل ومنظمة الأعراف، لكن إلى حد اللحظة لم يظهر في الأفق ما يوحي باقتراب الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف ويجسد مبادرة الرئيس التونسي على أرض الواقع.
مرّ شهر تقريبا منذ دعوة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون منفتحة على جميع الأطياف السياسية سواء كانوا ينتمون إلى الائتلاف الحاكم أو المعارضة أو إلى هياكل مستقلة مثل الإتحاد التونسي للشغل ومنظمة الأعراف، لكن إلى حد اللحظة لم يظهر في الأفق ما يوحي باقتراب الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف ويجسد مبادرة الرئيس التونسي على أرض الواقع.
فرغم المشاورات والمفاوضات بين أغلب الأطراف المعنية إلا أن ذلك لم ينتج أي حل سريع لتفعيل هذه المبادرة الأمر الذي دفع الرئيس التونسي إلى التأكيد خلال اجتماع ضم عدد من الأحزاب والمنظمات الشغيلة في تونس على ضرورة الوصول إلى حل توافقي يقضي بتشكيل حكومة جديدة قبل عيد “الفطر” أي في بداية شهر يوليو/ تموز 2016 على أقصى تقدير.
وتأتي دعوة الرئيس التونسي إلى حل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وعجز حكومة الحبيب الصيد طيلة سنة ونصف السنة عن حل المشاكل العديدة في أغلب القطاعات سواء فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي أو التنموي أو الأمني، ما جعل الحكومة المهددة بالسقوط محل انتقادات كبيرة من أغلب الأطراف السياسية التي ترى أن هذه الحكومة فشلت فشلا ذريعا في إيجاد الحلول والتعامل بحكمة مع الأزمات التي تعيشها تونس.
مصالح حزبية أم وطنية؟
منذ الإعلان عن المبادرة الرئاسية تعددت الاجتماعات والمشاورات بين أغلب الأطراف المعنية وخاصة أحزاب الائتلاف الحاكم الذي يضم أساسا حزبي نداء تونس وحركة النهضة، لكن هذه المشاورات لم تتعد مجرد جس النبض والدفاع عن رؤى وأفكار ترتبط بشكل كبير بالمصالح الحزبية الضيقة.
ولم يصل الأمر تبعا لذلك إلى مرحلة التجسيد الفعلي الذي يفضي إلى ترشيح شخصية سياسية تحظى بالإجماع لتخلف رئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد، فحركة نداء تونس قدمت بعض المقترحات أبرزها ما جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الحزب عبد العزيز القطي الذي تقدم بمقترح ينص على ضرورة تكليف رئيس حكومة جديد يكون من داخل الحزب الذي يعتبر صاحب الأغلبية والفائز في الانتخابات الأخيرة، قائلا إن تجربة “حكومة التكنوقراط أثبتت ضعفها ولم تنجح في حل المشاكل المستعصية على جميع الأصعدة”.
وفي سياق متصل صرح راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة أحد قطبي الائتلاف الحاكم أنه من الضروري اليوم تكليف شخصية وطنية تحظى برصيد كبير من الخبرة في المجال الاقتصادي لرئاسة الحكومة الجديدة واختيار مساعديه في التشكيلة الحكومية الجديدة من الكفاءات الوطنية القادرة على تحقيق مكاسب على مستوى الاستقرار السياسي والأمني وخاصة الاقتصادي خاصة بعد استفحال الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها تونس منذ سنوات ولم تستطع أي حكومة تجاوزها بسهولة لعدة أسباب.
في الطرف المقابل أعلنت بعض الأحزاب السياسية المعارضة وفي مقدمتها الجبهة الشعبية التي تشكل أكبر قوة معارضة في البرلمان التونسي أنها لن تشارك في أي ائتلاف حكومي حيث أكد القيادي في الجبهة الشعبية زياد لخضر إن الجبهة غير معنية بالمشاركة في الحكومة الجديدة “لأن التشخيص الحقيقي للأزمة الراهنة التي تعيشها تونس من خلال تردي الأوضاع الاقتصادية لم يكن فعالا ولم يتم تحديد الأسباب الحقيقية لهذه الأسباب ومن ورائها وبالتالي لا جدوى في الوقت الراهن من إحداث تغيير حكومي قبل تغيير البرامج السياسة العامة في البلاد”.
يذكر أن الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي كان قد اقترح قبل مبادرة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي تشكيل حكومة إنقاذ وطني، قبل أن يؤكد بعد ذلك رفض الجبهة الدخول في أي ائتلاف حكومي جديد الغاية منه حسب رأيه “توزيع الفشل على كافة الأحزاب الأخرى التي لم تشارك في حكومة الحبيب الصيد”.
من جهته رفض كل من الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (منظمة الأعراف) والاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعتبر من أهم المنظمات الشغيلة الوازنة في البلاد المشاركة في أي حكومة وطنية جديدة لكنه بالمقابل أكد على لسان أمينه العام حسين العباسي إلى استعداده لدعم أي مبادرة وطنية هدفها الإصلاح والتأسيس للخروج من الأزمة الحالية.
سيناريوهات عديدة
مشاورات عديدة وزيارات متتالية لقصر الرئاسة بقرطاج على امتداد الأيام الماضية لم تسفر عن أي اتفاق الأمر الذي دفع برئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد إلى التصريح بأنه لن يستقيل حتى لا يحصل أي فراغ قبل أن يتراجع ذلك لاحقا بسبب ضغوطات نواب حزب نداء تونس في البرلمان وتحذيرها له بأن تمسكه بالمنصب سيزيد من تدهور وضع البلاد.
ومن بين السيناريوهات الممكنة في الأيام القليلة المقبلة هو تكليف شخصية سياسية أو اقتصادية بارزة لرئاسة الحكومة حيث تم تسريب عدة أسماء من بينها محافظ البنك المركزي التونسي السابق مصطفى كمال النابلي الذي يعتبره البعض أحد المرشحين لحركة نداء تونس من أجل تولي رئاسة حكومة الوحدة الوطنية التي دعا إلى تشكيلها الرئيس التونسي السبسي، كما تم تداول عدة أسماء أخرى مثل سليم شاكر وزير المالية في حكومة الحبيب الصيد حيث يرى البعض أن السبب الرئيس في الأزمة الخانقة التي تعيشها تونس هو اقتصادي بدرجة أولى وهو ما يتطلب تكليف أحد “الكفاءات” في المجال الاقتصادي لرئاسة الحكومة الجديدة.
كما برزت عدة أسماء أخرى لتولي المهمة بعضها يعتبر مرشحا لحركة النهضة مثل محافظ البنك المركزي التونسي حاليا الشاذلي العياري، خاصة بعد أن أوضح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مؤخرا أنه يساند تكليف “رجل اقتصاد” لقيادة الحكومة والقيام بإصلاحات مالية واقتصادية كبيرة من أجل إنقاذ البلاد.
ولئن نفت رئاسة الجمهورية في المدة الأخيرة كل الأخبار الرائجة بخصوص مرشحين محتملين لتولي رئاسة حكومة الوحدة الوطنية المزمع تشكيلها قريبا، إلا أن اللغط الكبير الذي أثير مؤخرا بخصوص هذا الموضوع قد يجعل كل السيناريوهات ممكنة.
فقد تنجح بعض الأطراف في فرض “سلطتها” وتفرض مرشحها لتولي المهمة والحديث هنا يتمحور حول قطبي الائتلاف الحاكم حزبي حركة نداء تونس وحركة النهضة القادرين على تصدير “فشلهما” إلى حكومة إنقاذ وطني وإشراك بعض الأطراف الأخرى في هذا الفشل.
هذا الأمر يعكس حالة المخاض العسير الذي لم يأت أكله بعد بسبب اختلاف الرؤى بين مختلف الأطياف والأحزاب السياسية، فلكل طرف مرشحه “الخفي” وبرنامجه الذي يحمل ظاهريا “وصفة النجاح” لكنه بالأصل يخدم المصالح الشخصية والحزبية بالمقام الأول، وهو الأمر الذي قد يدعم نظرية الرضوخ إلى منطق “الأقوى” والأكثر وزنا في المشهد السياسي حاليا.