لم يكن سهلا على حبيب عبد السلام غيث توفير الأدوية المطلوبة لابنه محمد (9 أعوام) المصاب بمرض السرطان منذ سنتين، وذلك بعد تعذر توفيرها من قبل الدولة في المستشفيات والمراكز الطبية العامة، بهذا يبادرنا وهو يمسح على رأس ابنه الذي لم يبق من شعره المتساقط إلا القليل بسبب جرعات العلاج الكيماوي.
يقول غيث (47 عاما) الذي التقاه “مراسلون” في مركز طرابلس الطبي إن أسعار أدوية الأورام وغيرها من الأمراض المزمنة “خيالية فلكية” وغير ثابتة، ناهيك عن عدم وجودها إلا في صيدليات معينة وفي أوقات غير منتظمة، والدواء الموجود غالباً لا يحمل الاسم التجا
لم يكن سهلا على حبيب عبد السلام غيث توفير الأدوية المطلوبة لابنه محمد (9 أعوام) المصاب بمرض السرطان منذ سنتين، وذلك بعد تعذر توفيرها من قبل الدولة في المستشفيات والمراكز الطبية العامة، بهذا يبادرنا وهو يمسح على رأس ابنه الذي لم يبق من شعره المتساقط إلا القليل بسبب جرعات العلاج الكيماوي.
يقول غيث (47 عاما) الذي التقاه “مراسلون” في مركز طرابلس الطبي إن أسعار أدوية الأورام وغيرها من الأمراض المزمنة “خيالية فلكية” وغير ثابتة، ناهيك عن عدم وجودها إلا في صيدليات معينة وفي أوقات غير منتظمة، والدواء الموجود غالباً لا يحمل الاسم التجاري ذاته الموصوف من قبل الطبيب المختص.
وضع المركز
لم يكن غيث راضياً أبداً عما يحدث لابنه وللعشرات من أصحاب الأمراض المزمنة، وخاصة نزلاء مركز طرابلس الطبي الذين تزداد معاناتهم يوماً بعد يوم، فالنقص حسب كلامه لم يعد مقتصراً على الأدوية المهمة بل أحياناً لا يجد حتى المضادات الحيوية العادية، وعبوات التحليل لابنه في صيدلية المستشفى.
وكانت وزارة الصحة الليبية قد أصدرت بياناً يوم 26 مايو الماضي نعت فيه وفاة أحد الأطفال المترددين على قسم الأورام بمركز طرابلس الطبي، الذي توفي إثر تلقيه جرعة علاج كيميائي في النخاع الشوكي، بينما تضرر ثلاثة أطفال آخرين تلقوا ذات العلاج اثنان منهم تحسنت حالتهم والثالث أُدخل قسم العناية الفائقة.
أوضحت الوزارة في بيانها أن الجرعات الممنوحة للأطفال تم شراؤها من صيدليات خاصة من المبالغ المالية التي يتبرع بها من وصفتهم بـ”أهل الخير ومؤسسات المجتمع المدني”، وأعلنت أنها شكلت لجنة تحقيق للوقوف على أسباب الحادثة وضمان عدم تكرارها مجدداً.
وكان مركز التوثيق والمعلومات بوزارة الصحة اعتبر في آخر إحصاء له أن 70% من الوفيات سببها الأمراض المزمنة كأمراض القلب أو الجلطات الدماغية أو الأورام، وأوضح أن الأمراض المزمنة بين الذكور تصل لنسبة 10.4% بينما بين الإناث تصل لنسبة 11.8%.
تحذير ومناشدة
معاناة مرضى الأورام ليست خاصة؛ والنقص في الأدوية شمل كافة الأمراض المزمنة الأخرى كأمراض القلب والأمراض التنفسية المزمنة والسكري، وذلك بحسب ما ذكره الدكتور محمد حنيش مدير مركز طرابلس الطبي الذي أكد أنه في ظل الظروف التي تمر بها البلاد هناك نقص كبير في الأدوية، مشيدا بجهود أهل الخير الذين يوفرون بين الفترة والأخرى بعض الأدوية للحالات المصيرية الحرجة.
كلام حنيش ينطبق على أشرف رمضان الزنتاني (26 عاماً) مريض القلب النزيل بالمركز منذ نحو الأربعة أشهر؛ والذي اشتكى أيضاً من عدم كفاءة بعض العاملين بالصيدليات الخاصة في اختيار البدائل المناسبة عند عدم وجود الدواء الموصوف من قبل الطبيب المتابع.
وأبدى الزنتاني وهو يعبث بأنابيب محاليل التغذية المتصلة بذراعه استغرابه من إصرار وإلحاح بعض الأطباء على استخدم دواء معين وفق الاسم التجاري لشركة محددة، بينما الأمر يتطلب التعامل معها بحسب المركب الصناعي، مرجحاً أن هذا الأمر نوع من التسويق الربحي، خاصة أن بعض الأدوية المرتفعة السعر أثبتت عدم فعاليتها “ربما بسبب ضعف الرقابة على طرق تخزينها” يقول نزيل المستشفى.
يقول حنيش لـ”مراسلون” إن نسبة النقص في الأدوية التخصصية في المستشفيات العامة تجاوز 90%، محذراً من أن نقص عقاري علاج الأورام” الاندوكسان والهولوكزان” يهدد حياة الكثيرين من نزلاء قسم الأورام “حيث ينتظر نحو 28 طفلاً توفر الأدوية لاستكمال مراحل علاجهم”.
حنيش الذي ليس بمقدوره تقديم شيء لنزلاء المستشفى قال إنه أمام ضعف الإمكانات يتم إبلاغ أهالي المرضى بما تتطلبه الحالة العلاجية لتوفير النواقص من الأدوية والمعدات عن طريق القطاع الخاص، ولكن في ذات الوقت فإن البعض غير قادر علي توفير احتياجات مرضاهم حسب كلامه، وهذا مادفع المركز الطبي إلى إطلاق حملة مناشدة “لأصحاب الرحمة” من أهل الخير لتوفير بعض المستلزمات المهمة للمرضى.
أسباب النقص
تأخير صرف الميزانية وعدم كفاية المبلغ المخصص هما أحد أهم أسباب نقص الأدوية المهمة في المراكز الطبية حسب إفادة الدكتور خالد اشتيوي رئيس جهاز الإمداد الطبي، بالإضافة إلى الروتين الإداري من حيث سلسلة الإجراءات التي تبدأ من جهاز الإمداد الطبي ومن ثم وزارة الصحة ثم ديوان المحاسبة ثم مصرف ليبيا المركزي فجهاز الإمداد الطبي مجدداً ومن ثم الشركات المصنعة، يقول اشتيوي “رغم المجهودات المبذولة لم نستطع تجاوز الروتين الإداري الذي يستهلك مسافة زمنية طويلة”.
اشتيوي أوضح أن أهم الأدوية التي يوفرها جهاز الإمداد الطبي هي الأدوية التخصصية التي تتمثل في مشتقات الدم والأنسولين لمرضى السكر والأدوية المخدرة وأدوية زراعة وغسيل الكلى وأدوية علاج الإيدز والتطعيمات وأدوية علاج الأورام، حيث وصل المبلغ الذي خصص في العام الماضي 2015 لاستيراد أدوية الأمراض المزمنة لنحو 55 مليون دينار، وهو الذي لم يتم توفيره هذا العام، مصرحاً أن أزمة نقص الأدوية تفاقمت بشكل كبير في آخر ثلاثة أشهر.
القطاع الخاص
عدم استطاعة القطاع العام توفير الأدوية الضرورية أعطى المجال للقطاع الخاص لتوفيرها ولكن دون مراعاة كثير من شركات الأدوية الطرق الصحيحة لاستيرادها سواء من الجانب القانوني أو جوانب التخزين الصحية للأدوية، هذا ما قاله الدكتور حسام الجدوعي الذي يدير شركةً لاستيراد الأدوية والمعدات الطبية، فقوانين الدولة الليبية تمنع الشركات الخاصة من استيراد بعض الأدوية المهمة مثل جرعات “الكيماوي” التي تعطى لمرضى السرطان.
الجدوعي رغم ذلك وجه دعوةً لوزارة الصحة أن تمنح الشركات الخاصة فرصةً لتوفير هذه الأدوية مع فرض رقابة على العملية؛ واعتبر ذلك حلاً للمرضى الذين قد يضطرون للسفر خارج البلاد لشراء هذه الجرعات؛ أو شرائها من صيدليات داخل ليبيا بطريقة غير مضمونة قانونياً وصحياً.
كلام الجدوعي يؤيده الدكتور محمد سالم – مالك صيدلية خاصة – حيث قال إن معاناة أصحاب الأمراض المزمنة تجبرهم في ظل قصور قطاع الصحة عن توفير الأدوية إلى توفيرها بطرق شخصية تصل في بعض الأحيان إلى استخدام طرق غير قانونية، متمنياً هو الآخر أن يُسمح للقطاع الخاص بتوفير بعض الأدوية التي لا يستطيع القطاع العام توفيرها في الوضع الحالي.
حلٌ.. ولكن!!
الدكتور خالد الطالب وكيل أول وزارة الصحة بحكومة الإنقاذ بطرابلس يعزو النقص الشديد في الأدوية إلى عزوف الكثير من الشركات المصنعة عن تزويد ليبيا بالأدوية بسبب تراكم الديون المستحقة على الدولة الليبية رغم سريان عقودها.
واتفق مع الجميع على أن تأخر الميزانية يفاقم المشكلة القائمة، حيث أن خطة الوزارة المتفق على تنفيذها لمعالجة هذه المشكلة تتمثل في منح الشركات المصنعة جزءاً من ديونها من الميزانية القادمة ليستأنف التعامل معها.
الطالب صرح أيضاً بضلوع الفساد في تفاقم الوضع، حيث أعلن أن بعض الأدوية المخصصة لذوي الأمراض المزمنة والموردة لحساب القطاع العام تُسرق من المستشفيات العامة لتباع في صيدليات القطاع الخاص، رافضاً الخوض أكثر في تفاصيل الأمر.
وإلى أن تُصرف الميزانية القادمة التي ما يزال مصيرها مجهولاً في ظل الانقسام السياسي الحاصل في البلاد يبقى الحل الوحيد أمام والد محمد والكثيرين من أصحاب الأمراض المزمنة إما انتظار رحمة أحد فاعلي الخير لتوفير الأدوية لهم، أو دفع مبالغ كبيرة لا يستطيعون توفيرها في كل مرة يحتاجون فيها إلى إنقاذ حياتهم.