بقية الحوار مع الدكتور سليمان الشحومي الخبير المالي ومؤسس سوق الأوراق المالية ومديره السابق في ليبيا:

س- كثر التساؤل هل الأزمة المالية الليبية مفتعلة أو هي أزمة حقيقية؟

بقية الحوار مع الدكتور سليمان الشحومي الخبير المالي ومؤسس سوق الأوراق المالية ومديره السابق في ليبيا:

س- كثر التساؤل هل الأزمة المالية الليبية مفتعلة أو هي أزمة حقيقية؟

ج- الأزمة حقيقية مئة بالمئة بدأت بتوقف عملية تصدير النفط في ليبيا لحقها نوع من القيود على احتياطي مصرف ليبيا المركزي في الخارج بسبب عمليات السرقة التي حدثت في ليبيا، أيضا توقف الطيران الدولي بعد حرق المطار فأصبحت صعوبة نقل العملات إلى ليبيا، كل هذه الأشياء أثّرت بشكل كبير في وجود الأزمة.

بدأت الأزمة بهذا ثم افتُعلت أزمات أخرى عقّدت المشهد الاقتصادي وجعلت المسألة متشابكة بشكل كبير وأصبحت تتطور شيئاً فشيئاً حتى وصلت لانقسام العمل المصرفي في ليبيا.

س- كتبتَ تغريدة في عام 2012 تتنبّأ فيها بالأزمة المالية رغم استقرار الوضع ذلك العام، متى بدأتَ ترى بوادر الأزمة؟

ج- في ذلك الوقت كان الليبيون فرحين بهبات المجلس الانتقالي والكوراث المالية التي وضع حجر أساسها، وللأسف هذه الأموال أخذها المجلس من الاحتياطي المجنّب وهي أموال الليبيين التي من المفروض أن تستخدم في التنمية لا أن يتم صرفها وإهدارها بشكل فوضوي غير مسؤول، الآن أصبح الليبيون يلمسون الأزمة في حياتهم اليومية.

أنا دخلت في مشروع التنمية وكنت أعي أنه ما دام تمّ تضخيم النفقات ورفع الجانب الاستهلاكي بشكل كبير فمعنى ذلك أنهم لن يستطيعوا أن يجلبوا أموال لينفقوها في الجانب الاستثماري، وهذا الذي حدث.. استُهلكت أموال الليبيين دون وضع مشروع تنموي استثماري فقاربت أموالهم على النفاد، وإذا بدأنا في تنمية حقيقية في ليبيا منذ الآن نحتاج على الأقل 10 سنوات حتى نقول: إننا في طريق التنمية سائرون.

س- ألم ينتبه برأيك ساسة النقد والنخبة من المصرفيّين والماليّين لتلك البوادر، وهل كان يمكنهم فعل شيء تجاهها؟

ج- في الحقيقة أنا أعتبرهم شركاء في الأزمة بشكل  كبير، صحيح أن كثيراً منهم كانوا تحت ضعط السلاح وبعضهم سمعنا أنه وقّع شيكات والسلاح على رأسه وبعضهم خطف، وللأسف البلاد كانت مستباحة والمسؤولون المؤتمنون على المال العام كثير منهم أساء استخدام المال العام بحسن نيّة أو سوء نيّة، وللأسف لم تتمّ محاسبة أيّ منهم حتى اللحظة، بل تظاهروا بمحاسبة بعض ما يُسمّى بأزلام النظام السابق ووضعوهم في السجون وظنّوا أن هذا هو الانتصار الحقيقي للثورة، في حين أن الانتصار الحقيقي للثورة كان يجب أن يكون بالقضاء على الفساد والمحافظة على أموال الشعب

س- هل كانت هناك أية محاولات لمعالجة الأزمة من قِبَل الجهات المسؤولة سابقاً أو حالياً؟ وما تقييمك لها إن وجدت؟

ج- أنا أتابع المشهد وأرى أن أفضل مؤسسة عملت على تعرية الفساد وفضحه هي ديوان المحاسبة، ومن أهم التقارير المالية التي صدرت في ليبيا كان تقرير الديوان في 2014-2015 وكان يجب أن يتم معالجة الفساد الكبير الذي تحدث عنه التقرير، غير هذا لم يكن هناك أيّ شيء فاعل، وزارة الماليّة شبه معطّلة ولم نسمع لها صوت، والمؤسسات التابعة لها كانت في حالة انهيار تام.

مثلا عندما نتحدّث عن مصلحة الجمارك ورغم كل السّلع التي ترد إلى ليبيا من الخارج لم تحقق إيرادات تكفي لتغطية مرتبات موظفيها في سنة 2015، هذا يدل على وجود خلل خطير جدّا، فمصلحة الجمارك هي من المصالح المهمة في إدخال الإيرادات السيادية للدولة الليبية غير النفط، وصول العجز إليها يعني خللاً في المنظومة الإدارية والمالية.

س- القانون المالي الليبي لم يتغير ولم يُعدّل، لماذا كل الحكومات تجاهلت ذلك؟

ج- المسألة المالية فنّية ومعقدة وليبيا بحاجة إلى تعديل المنظومة بالكامل منظومة القوانين الحاكمة للنظام المالي والنظام المصرفي، حتى الآن لم تتغيّر أيّ سياسات ولم ترسم أيّ سياسات جديدة.

هل ليبيا ستستمرّ كدولة مختلطة بنظام عام وخاص؟ وإذا كان القطاع الخاص سيُعطى فرصة أكبر يجب أن تكون هناك منظومة جديدة تشمل إجراءات ونظم عمل مختلفة عن النظم السابقة، فلا يمكن الحديث عن فتح المجال للقطاع الخاص وما زال التعقيد في الملكية ونقل الملكية والسجل العقاري والتعقيدات في رخص البناء، ليبيا تحتاج إعادة بناء منظومة متكاملة من جديد ليست مقتصرة على القوانين فقط، بل قوانين وإجراءات تنفيذية وسياسات مالية ومصرفية وتجارية وبنى تحتية.

بعد فبراير 2011 كان هناك نهم وجشع كبيران جداً، وكانت الأبواب مفتوحة للسرقة والفساد فيما وضع القوانين وتعديل المنظومة يريد ضغطاً عالياً ورقابة ومكافحة للفساد، وهذا كان ضدّ الواقع المفروض في تلك الفترة وحتى اليوم.

على سبيل المثال: بعد فبراير أنفقنا أكثر من 200 مليار ولم يُقَم حجر على حجر في ليبيا وهذا رقم خيالي في 4 أو 5 سنوات، نصف هذا الرقم أنفق في مرتبات جلّها مرتبات وهميّة وتزايدت أعداد الموظفين وأعداد المنتسبين للمليشيات الذين أخذوا مرتبات شرعية من الدولة وهم ضدّها، وتزايد الإنفاق على التدريب في الخارج وهو تهريب للأموال في الخارج، وتزايد الإنفاق على العلاج في الخارج واستُخدمت كل السبل لاستنزاف المال الليبي بطريقة بشعة جدًا، ولو وجدت رؤية لتغيير القوانين وإحكام الرقابة ما كان حدث كل هذا الفساد في السنوات الماضية.

في 2012 ارتفع الإنفاق بشكل خيالي ولأول مرة في تاريخ ليبيا توضع ميزانية ذات سقف عالٍ، وتقدّر الإيرادات على السعر الجاري بدل أن يعمل له تخفيض بين 60-70% من السعر الجاري.

س– ولكن ليبيا لم تظهر فيها أزمات مالية حادة في وجود القانون المالي السابق حتى حين مرت بظروف سياسية قاسية فترة الحصار مثلاً، قد يكون النظام المالي السابق مناسباً، ماذا تعتقد؟

ج- النظام المالي في السابق لم يتعرّض لمثل هذه الأزمة فلم يتم إيقاف تصدير النفط لسنوات، بل كان النفط مستمراً، ربما كانت أسعاره متذبذبة أحيانا، مشكلة ليبيا أنها عاشت سنوات طويلة تحت إدارة النظام الاشتراكي نظام الدولة المهيمنة في الغالب على كل شيء، ولا زالت تعاني آثار ذلك لليوم فمثلا الدولة حتى الآن هي المحتكرة للطاقة وللاتصالات وللسلع التموينية.