بأعجوبة نجا مختار خليفة من قبضة داعش أثناء اقتحام التنظيم المتطرف لبيته بعد تكليفه عميداً لبلدية سرت، ليُكتب له عمرٌ جديدٌ وخاصة أن التنظيم لا يتهاون في قتل حاملي مثل صفة مختار.

يروي لنا عميد البلدية تفاصيل نجاته التي يقول إنها “أشبه بالحلم”، فقد غادر منزله في يناير الماضي قبل اقتحام التنظيم له بفترة بسيطة، وذلك بمجرد وصول المعلومات لأفراد التنظيم بأن الحكومة المؤقتة كلفته عميداً لبلدية سرت.

بأعجوبة نجا مختار خليفة من قبضة داعش أثناء اقتحام التنظيم المتطرف لبيته بعد تكليفه عميداً لبلدية سرت، ليُكتب له عمرٌ جديدٌ وخاصة أن التنظيم لا يتهاون في قتل حاملي مثل صفة مختار.

يروي لنا عميد البلدية تفاصيل نجاته التي يقول إنها “أشبه بالحلم”، فقد غادر منزله في يناير الماضي قبل اقتحام التنظيم له بفترة بسيطة، وذلك بمجرد وصول المعلومات لأفراد التنظيم بأن الحكومة المؤقتة كلفته عميداً لبلدية سرت.

وبحسب شهادة أخيه الذي حضر اقتحام المنزل المكون من طابقين ويتشاركان السكن فيه، فقد “جن جنون عناصر التنظيم عندما لم يجدوا مختار”، فقاموا بطرد الأخ وعائلته من المنزل إلى الشارع معلنين أنه أصبح ملكهم، وذلك بكتابة عبارة “ملك الدولة الإسلامية” على سور المنزل الخارجي، ليصبح بذلك مختار أكثر المطلوبين لسجن التنظيم بتهمة “الردة” والتي عادة ما يكون جزاؤها الذبح.

حبس على الهوية

لا أحد يعرف حجم وحقيقة الانتهاكات التي تحدث داخل سجون التنظيم المتطرف في سرت، ولكن حسب شهادات بعض المساجين المفرج عنهم والذين التقاهم “مراسلون” فإن ما يقوم به داعش داخل سجونه لا يمكن إطلاقاً تضمينه أو معايرته بحدود انتهاكات حقوق الإنسان.

يحكي (ع.أ) لـ”مراسلون” تفاصيل اقتياده لسجن داعش في سرت وما شاهده داخل هذا “الجحيم”، فلا شيء يفترشونه سوى البلاط حسب ما قال، ولا تُقدم لهم سوى وجبة واحدة في اليوم، والتي غالبا ما تكون حفنة من الأرز المسلوق في الماء.

يضيف (ع.أ) الذي ما يزال فزعاً مما لاقاه، أن تهمته الوحيدة كانت بسبب قبيلته التي ينتمي إليها، فقبيلة “الفرجان” حسب كلام (ع) متهمة من قبل التنظيم بالتسبب في أحداث انتفاضة سرت شهر أغسطس العام الماضي، والتي انطلقت بعد اغتيال الشيخ السلفي خالد رجب الفرجاني الذي أفتى في سرت بعدم الامتثال لأوامر التنظيم.

مقتل الشيخ جعل شباب القبيلة ينتفضون ضد التنظيم واندلعت اشتباكات استمرت ليومين داخل المدينة وانتهت بمقتل العشرات من قبيلة الفرجان والسلفيين؛ وانتهت بالقضاء على الانتفاضة وإحكام سيطرة التنظيم على المدينة مجدداً، إلا أنه من بعد ذلك أصبح السجن والخطف على الهوية.

يقول (ع) إنه سُجن في مقر “الأمن الداخلي” سابقاً، وحسب شهادته فإن المشرفين على السجن ليسوا ليبيين، باستثناء “فتية” يقومون بدور “الكومبارس” دون تدخّل في أمور تسيير السجن، فالمحققون و”الجلادون” كلهم من جنسيات إفريقية وعربية، بعضهم يتحدث العربية الفصحى وبعضهم لا يجيدونها.

يوضح (ع) حجم المأساة التي عاشها مع المساجين الذين كانوا كلهم ليبيين، ففي زنزانة لا تتجاوز مساحتها 4 متر مربع يتراص أكثر من 6 أشخاص؛ بالكاد يستطيعون مد أرجلهم لضيق المكان، وغير بعيد عنهم تفوح روائح لا تطاق من دورة المياه التي يستعملها سكان أكثر من 4 زنزانات، إضافة إلى ذلك فمياه الشرب غير متوفرة، وحتى إن توفرت فإنها تكون ملوثة بحسب (ع).

التحقيق والأحكام

شاهد آخر يروي لنا فظاعة ما يحدث داخل السجون المظلمة في سرت، فالمحققون يستخدمون أساليب “داعش” الخاصة في الحرب النفسية، فكل يوم يقوم محقق جديد بالتحقيق مع (م.أ) الذي تم سجنه واتهامه بسرقة آليات محطة الخليج البخارية في مثل هذا الوقت من العام الماضي.

أكثر ما كان يخيف (م.أ) هو ذلك الرجل الضخم الواقف دون حراك جوار المحقق وفي يده ساطور ضخم، فلا شيء يظهر من ملامح وجهه سوى عينيه التي لا تغادر مخيلة (م.أ) حسب كلامه لمراسلون.

يقول (م) إنه أقنع المحققين ببراءته وعدم تورطه في سرقة الآليات، وأنه لم يكن سوى حارس لتلك الآليات التي تعود لشركة روسية كانت مكلفة بإنشاء مشروع السكة الحديدية في ليبيا، ولكن ذلك لم يكن كافياً لتبرئة ساحته تماما، فتهمة “التعامل مع الدول الكافرة” كانت جاهزة، وبسببها تمت مصادرة كل الآليات بالإضافة إلى سجنه أكثر من شهر، ومن ثم تم إطلاق سراحه فغادر سرت ولم يرجع لها حتى هذه اللحظة.

يعدد عميد بلدية سرت مختار خليفة لـ”مراسلون” أنواع الأحكام التي يطلقها قضاة داعش بعد التحقيق مع المساجين، فقطع الرأس أمام الملأ هو الحد المقام على “السحرة”، والصلب حياً لمدة يوم هو عقاب “الجاسوس” ومن ثم يتم إطلاق النار على رأسه في ساحة المدينة العامة، أما شاربو “الخمر” ومرتكبو “الزنا” فيتم جلدهم أمام الكبار والصغار.

ترغيب وترهيب

هناك أساليب أخرى يستخدمها عناصر تنظيم “داعش” سعياً لإقناع الناس باعتناق مذهبهم المتطرف، ففي كل مساء يتم جمع المساجين في ساحة السجن وإعطاؤهم دورات مكثفة في “العقيدة السليمة” حسب ما رواه محمد العمامي البالغ من العمر 37 عاماً، وهو أحد الناجين من غياهب سجن داعش.

يروي العمامي الموجود حاليا في مدينة اجدابيا (400 كيلومتر شرق سرت)، أنهم كانوا يتجمعون في حلقات حول أشخاص من ذوي البشرة السمراء، يتلقون منهم محاضرات حول “الولاء والبراء”، بالإضافة إلى إغرائهم بالمال والحياة الكريمة في حال انضمامهم لـ”تنظيم الدولة الإسلامية”، إلى جانب تقديم الوعود الربانية للفوز بـ”الحور العين” بعد تنفيذ العمليات الانتحارية.

ولكن بمجرد انتهاء المحاضرات وإدخال المساجين في صفوف منتظمة إلى الزنزانات، يبدأ أسلوب الترهيب الذي عادة ما يكون عبارة عن أصوات صراخ لأشخاص يتم تعذيبهم، أو سماع إطلاق رصاص، وأثناء ذلك يقوم بعض الحرس بالدخول إلى الزنزانة والصياح على المساجين وتبيين أن هذا ما سيحدث لهم لو وقفوا ضد “الخلافة الإسلامية” يختتم العمامي حديثه مع “مراسلون”.

تحرير سرت

يعتقد مختار أن ما يحدث داخل السجون هو أكبر بكثير من شهادات المساجين الذي طلبوا عدم ذكر أسمائهم خوفاً على حياتهم وحفاظاً على عائلاتهم، مضيفاً أن الزيارات تُمنع تماماً عن المساجين، ولا أحد يعرف أعدادهم تحديداً، أو ما هي الظروف التي يقاسونها هناك.

المفرج عنهم والمتاح إمكانية الحديث إليهم هم من أصحاب التهم البسيطة بالطبع، أما من يُحكم عليهم بأحكام أقسى ويتعرضون للتعذيب ربما فلا يمكن التكهن بطبيعة الحياة التي يعيشونها لأن أحداً منهم لم تتح له فرصة الحديث عما رآه.

ما يريح مختار هو التجهيزات العسكرية التي تشرف عليها القيادة العامة للجيش الليبي برئاسة الفريق خليفة حفتر، والتي حسب قوله ستخلص كل هؤلاء المساجين من قبضة داعش، مؤكداً أن العملية باتت قاب قوسين أو أدنى من الانطلاق لتحرير سرت.

وكان ما يعرف بـ”تنظيم الدولة الإسلامية” قد أعلن سيطرته على مدينة سرت وسط ليبيا نهاية عام2014 واتخذها مركزا له، ومنذ ذلك الحين لم تتمكنأي منظمة حقوقية عالمية كانت أو محلية من الدخول للمدينة، ولم يستطيعوا رصد أي شيء إلا من خلال ما ينشره التنظيم المتطرف في بياناتهم الخاصة.