لا يمكن تخيل تطورات الأزمة التي تمر بها نقابة الصحفيين المصريين الأن، كما لا يمكن أيضا تخيل وضع مهنة الصحافة في مصر في حال لم يتم تنفيذ المطالب التي طرحها الصحفيون. إذ تتزايد محاولات التدخل من أجل إزاحة هذا الحراك إلى منطقة هامشية، بعيدة عن مطالبه المهنية ومغزاه الحقيقي ضد تقييد حرية الصحافة ورفض حظر النشر كوسيلة لحظر المعرفة المستمر من جانب النائب العام المصري.

لا يمكن تخيل تطورات الأزمة التي تمر بها نقابة الصحفيين المصريين الأن، كما لا يمكن أيضا تخيل وضع مهنة الصحافة في مصر في حال لم يتم تنفيذ المطالب التي طرحها الصحفيون. إذ تتزايد محاولات التدخل من أجل إزاحة هذا الحراك إلى منطقة هامشية، بعيدة عن مطالبه المهنية ومغزاه الحقيقي ضد تقييد حرية الصحافة ورفض حظر النشر كوسيلة لحظر المعرفة المستمر من جانب النائب العام المصري.

تعددت محاولات سحب هذا الحراك نحو مناطق هامشية، مثل الاشتباك بالأيدي مع الصحفيين من جانب أشخاص كانوا يمكثون حول النقابة، فيما يشبه الحصار، في حراسة الشرطة.كانذلك من أجل الإيهام بوجود رأي عام ضد هذا الحراك. كما نسجت شائعات لتشويه نضال الصحفيين مثل الادعاء بهروب أفراد داخل مقر النقابة بوسط العاصمة المصرية.

***

اللحظة الحالية مربكة، لم يعد ممكنا أن تقبل مبررات كاذبة تدعو لتأجيل الغضب والنقد بدعوى “الحرب على الإرهاب”، تلك الحجة التي وظفتها الدولة خلال الثلاثة أعوام الماضية، حيث تفسر الدولة أزمة الصحفيين بأن نقابتهم كانت تتستر على متهمين بالتحريض على اغتيال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حسب تصريحات وزير الخارجية سامح شكري في الأمم المتحدة مساء الأربعاء الماضي.  

تأمّل الأزمة يكشف قبول كافة مؤسسات الدولة، مثل رئاسة الحكومة -في ظل تجاهل رئاسة الجمهورية-  لرواية وزارة الداخلية بشأن واقعة القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا من داخل مقر النقابة، في الأول من مايو/أيار، دون حضور النقيب أو ممثل للنيابة بالمخالفة للقانون المؤسس لبيت الصحفيين. ورغم أن الواقعة أصبحت معروفة بالضرورة بالنسبة لأهل مهنة الصحافة، إلا أن المسألة صارت معركة يخوضها أهل المهنة ضد الجميع، في ظل المحاولات الكثيرة لحرف مسار نضال الصحفيين.

***

كانت البداية بالهجوم على مجلس النقابة، وإعتباره يمارس السياسة وليس العمل النقابي.يفترض أصحاب هذا التفسير أن مسار الصحفيين كان مسيسا حينما استجاب مجلس النقابة المنتخب لمطالب أعضاء الجمعية العمومية في اجتماع 4 مايو الماضي.

دفع هذا المساررئيس تحرير الأهرام – الجريدة الأكبر والأقدم في مصر والمعبرة عن النظام الحاكم- للدعوة لاجتماع للأسرة الصحفية. لبى هذه الدعوة عدد محدود من الصحفيين، كان على رأسهم النقيب الأسبق مكرم محمد أحمد، والذي تم استبعاده من النقابة بعد ثورة 2011. نادت هذه “الأسرة” بجمعية عمومية من أجل إجراء انتخابات جديدة لكامل مقاعد مجلس النقابة، بدعوى تصحيح المسار، لكن دعواها لم تصل لشىء إلا الإيهام بوجود انقسام.

كان اجتماع الرابع من مايو معبرا عن مطالب أغلب أبناء هذه المهنة.كما أن استجابة المجلس لقرارات هذا الاجتماع  لتعبيره عن موقف أغلبية الصحفيين، ولكون هذه القرارات من أجل صالح المهنة كذلك.  تجدر الإشارة إلى أن موقف النقابة ليس معبرا عن توجهات كل أعضاء مجلسها، والدليل أن خمسة منهم كانوا باجتماع “الأسرة”، يوم الأحد 8 مايو. كما تتزايد دعاوى الحشد لحضور لاجتماع الثلاثاء القادم 17 مايو/ أيار، للتأكيد على المسار نفسه.

لا يزال المستقبل غامضا، خاصة أن السيناريو الأفضل أن تستمر وحدة الصحفيين، حتى اجتماع الأسبوع المقبل، والتمسك بمطالب 4 مايو/ أيار.

***

في تطور مفاجئ يدخل رجل الأعمال صلاح دياب مؤسس صحيفة ومؤسسة “المصري اليوم” – الصحيفة الخاصة الأكثر انتشارا- ضد الحراك الصحفي معلنا أن هذا “الخطأ” لن تكرره المؤسسة مرة أخرى. وقد جاء في مقال كتبه دياب: “تداخلت الصحيفة مع النقابة، وتبنت موقفها بالكامل دون نقد، وبنت مواقفها التحريرية اعتمادا على موقف طرف واحد، واستنادا إليه بالحجب والتصريح. ومن ناحية أخرى اتخذت مواقف سياسية ليست من صميم عملها أو مهنيتها بالمطالبة بتغيير وزير، أو طلب اعتذار من الدولة”. ليكون موقف مؤسس المصري اليوم مكملا لمواقف سابقة لرؤساء مجالس إدارة وتحرير الصحف المملوكة للدولة، ومؤسسة اليوم السابع الخاصة كذلك. تقدم ياسر رزق -رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم الحكومية والقريب من الدوائر العسكرية – بمبادرة لاجتماع مع الرئيس عبد الفتاح السيسي بعيدا عن التحرك النقابي أو عبر تجاهل مطالب اعتصام الصحفيين المستمر منذ بداية الأزمة.

***

من جانبه يؤكد عضو مجلس النقابة محمود كامل لـ”مراسلون” قائلا: “لا يوجد سيناريو، إلا التصعيد”.يشير كامل لتشكيل لجنة برلمانية لحل الأزمة، لكنها لم تصل لحل، لأن هناك تعمد لتجاهل ما يجري من وقائع.

يخوض ممارسو المهنة معركة ضد ناشري الصحف، العامة منها والخاصة، وليس مؤسسات الدولة، فحسب، في تقييدها وبطشها بحرية الصحافة.

بينما يعلق المعتصمون في مدخل النقابة رسوما لرسامي الكاريكتير دعاء العدل، أنور، ومخلوف، وصفحات الجرائد الأولى كذلك. لتكشف عن تمسك محرري الجرائد بقرارات اجتماع الرابع من مايو، مثل نشر صور وزير الداخلية مجدي عبد الغفار في صورتها السلبية(نيجانيف)، أو المطالبة بوقف حظر النشر، وفي الوقت نفسه تتخلى أبرز المؤسسات الصحفية عن هذا الحراك، الذي يغير وضعا قائما، حيث وصلنا في مصر لمشهد إعلامي بائس، كانت الصحافة والإعلام صوتا واحداً، وعدد الصحفيين المحبوس يتزايد، فكان من الطبيعي أن تتزايد المحاولات لتفتيت أي جهد لشق مجال عام مغلق عبر السياسات الأمنية المتصاعدة.

***

بينما حول النقابة بشارع عبد الخالق ثروت ستجد المارة يهتفون ضد الصحافة..يوجه هذا الهتاف ضد كل من يتوجه لمقر النقابة بوسط القاهرة. سيهتف المارة : تحيا مصر، تحيا السيسي، (هكذا تنطق دون تدخل من المحرر)، يا جماعة إرهابية.. لتتساءل هل المقصود أن الجماعة الصحفية إرهابية أم أننا ننتمي لجماعة إرهابية حسب القانون، مجاز أم اتهام؟ لن يمثل الفرق بين التفسيرين الكثير، في ظل الظروف الحالية التي تمر بها البلاد!