بدأ الصحفيون اعتصاما مفتوحا في نقابتهم في الأول من شهر مايو الحالي. يأتي الاعتصام بعد القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، ويهدف إلى تجريم ما اعتبره الصحفيون اقتحاما غير مشروع لنقابتهم من قبل الأمن، كما يهدف إلى إقالة وزير الداخلية باعتباره المسؤول عن الواقعة. صحفيو مراسلون المشاركين في الاعتصام بدأوا في تدويين يومياتهم المنشورة هنا بدءا من اليوم العاشر من مايو الحالي..

 

 

بدأ الصحفيون اعتصاما مفتوحا في نقابتهم في الأول من شهر مايو الحالي. يأتي الاعتصام بعد القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، ويهدف إلى تجريم ما اعتبره الصحفيون اقتحاما غير مشروع لنقابتهم من قبل الأمن، كما يهدف إلى إقالة وزير الداخلية باعتباره المسؤول عن الواقعة. صحفيو مراسلون المشاركين في الاعتصام بدأوا في تدويين يومياتهم المنشورة هنا بدءا من اليوم العاشر من مايو الحالي..

 

اليوم الثامن عشر: مفأجاة العدد

فرح المصري

وسط حالة من الترقب والقلق استقبلت اليوم الثامن عشر من اعتصام الصحفيين في نقابتهم، خاصة وأن اليوم موعد  انعقاد المؤتمر الثاني الذي دعت له النقابة ، على مضض، وما زاد من القلق وترقب المشهد الذي يعد فارقا من وجهة نظري هو عدم جدية الغالبية العظمى من أعضاء  مجلس نقابة الصحفيين في الدعوة ، التي سبق وان تم تأجيلها من قبل لمدة إسبوع، وهو الإسبوع الذي شهد الكثير من الإزمات بين الصحفيين المعتصمين ومجلس النقابة والنقيب، بسبب شعور المعتصمين بأن ثمة تراجع حدث في موقف النقابة تجاه أزمتها مع الداخلية.

في تمام الثانية عشر ظهرا وصلت لمحيط النقابة، حيث الحواجز الحديدية التي وضعتها قوات الأمن محاطة بمن نطلق عليهم سخرية “المواطنين الشرفاء” وهو المشهد الذي يتكرر كلما حاول الصحفيين تنظيم فاعلية ما، حاولت الدخول فطلب مني رجال الأمن كارنية عضوية نقابة الصحفيين، وعندما ابرزته قال لي أحد الضباط أنه لعام ٢٠١٥ وبالتالي فلن يسمح لي بالدخول، وبعدما علا صوتي جاء احد اللواءات وادخلني لمقر النقابة.

أعداد الحضور في البداية اصابتني بالاحباط، لكن مع اقتراب الساعة الواحدة ظهرا تضاعفت الاعداد، لتزيد عن اكبر قاعة بنقابة الصحفيين. والتي تقدر بالف مقعد، بالاضافة للدور العلوي بذات القاعة والذي يقدر ب٢٠٠مقعد، بدأ المؤتمر بمشادة بين بعض أعضاء الجمعية العمومية وبين سكرتير النقابة الذي كان يرغب في عدم بث اللقاء، وانتهى الأمر لصالحنا وبث اللقاء على الهواء.

بدأ المؤتمر بكلمة القاها نقيب الصحفيين وتوالت الكلمات من اعضاء. الجمعية العمومية التي كان اغلبها مؤكدة على مطلب إقالة وزير الداخلية، ومحاكمته.

مرت كل الكلمات التي. القيت بسلام باستثناء الكلمة التي القاها النائب اسامة شرشر عضو الجمعية العمومية بنقابة الصحفيين، خاصة بعد تلميحه بان الحل هو الحفاظ على وزير الداخلية ، فثارت القاعة هاتفة” الداخلية بلطجية “و”الاقالة والمحاكمة “.

فور انتهاء المؤتمر خرج الصحفيين امام نقابتهم لتنظيم وقفة احتجاجية، كانت حاشدة، الا انهم فوجئوا بقوات الامن تفتح الشارع فجأة لتمر السيارات وسط الصحفيين المتظاهرين، ما ادى لحالة من الارتباك انتهت بعودة الصحفيين على سلالم نقابتهم.

انتهت الوقفة وتوجهت بصحبة وفد من الصحفيين المعتصمين لنقيب الصحفيين للاطلاع على التوصيات التي خرج بها المؤتمر الثاني والبدأ في تشكيل لجنة لإدارة الأزمة من ممثلين عن الجمعية العمومية مع المجلس والنقيب.

اليوم السابع عشر: ربما في المستقبل

هدير المهدوي

استيقظت في الصباح وأنا أشعر بالتعب والإرهاق، لا لشئ ملموس في الحقيقة، ربما فقط لكثرة التفاصيل والمناقشات والشجارات في الفترة الماضية، تابعت سريعا أخبار العشرات من الصحفيين المعتصمين والمواطنين والحقوقيين والمحامين الرافضين للتنازل عن الجزيرتين تيران وصنافير إلى المملكة السعودية، والمتواجدين كأطراف في دعوي قضائية  للطعن على اتفاقية ترسيم الحدود. بينما كان قد تقرر في اجتماع سابق أن يتوزع الصحفيون المعتصمون أعضاء النقابة على المؤسسات الصحفية لتذكير الزملاء ومناقشتهم في اهمية الحضور يوم الغد الاربعاء الثامن عشر من مايو، فكان من نصيبي مؤسستي التي عملت بها لسنوات قبل أن أصبح صحفية حرة، وهي مؤسسة صحفية مستقلة لها تاريخ يعود لسنوات بعضها يسبق الثورة، وذلك لما لي من علاقات ودية طيبة بالزملاء الذين لا يزالون يعملون هناك.

لا توجد فرصة سوي اليوم، فمع حلول الظهيرة كنت قد وصلت هناك بعد التواصل مع بعض الزملاء هناك، قابلتني الوجوه المألوفة بالترحيب وصاحبني أحد الزملاء القدامي ليعرفني علي الزملاء الجدد بالنسبة لي في الاقسام المختلفة. الجميع تقريبا يعلم حول الغد، والبعض كان يتناقش قبل ذهابي حول اهمية التواجد وحول التطورات الأخيرة، غالبية الزملاء متحمسون وينوون الحضور لاستكمال المعركة التي تعني خسارتها بالنسبة اليهم كما بالنسبة لي تزايد الانتهاكات ضد الصحفيين خاصة الميدانيين وتراجع وتدهور وضع الصحافة. قليلون ابدوا احباطهم وتساؤلاتهم حول جدوي هذا الحراك، الذي لن يغير شيئا، ولكننا توصلنا الي ارض وسط بأن علي الاقل ارضاء لضميرنا ومهنتنا علينا المحاولة وليس علينا ادراك النجاح الآن، ربما مستقبلا.

ذهبت إلى النقابة لأجد اجتماعا وديا لأعضاء المجلس لترتيب أجندة مؤتمر الغد، وعدد قليل من المعتصمين، فالبعض قضي نهاره في مجلس الدولة والبعض الآخر يوفر طاقته للغد، لست متفائلة جدا برغم ابداء كل من قابلته وكل من اعرفه رغبته في الحضور. تناقشت مع بعض اعضاء المجلس في ملاحظة ابداها بعض الزملاء أن موعد المؤتمر هو نفس موعد الانتهاء من المواد المعدة للنشر ومن رسم الصفحات وارسالها للمطبعة في المؤسسات الصحفية وأن هذا قد يعيق البعض من الحضور، فربما كان من الافضل تأجيل الاجتماع لبعد الظهيرة خاصة وانه قد خفت رد الفعل الغاضب الذي كان سائدا في الاجتماع الأول نتيجة الاقتحام والحصار. لكن الأوان قد فات لتأخير المؤتمر، وكل ما يمكننا فعله هو مد فترة الانتظار حتي يحضر الزملاء الذين ينتوون الحضور.

في المساء افتتح يحيي قلاش نقيب الصحفيين معرض كاريكاتور عن حرية الصحافة والصحفيين المعتقلين بصحبة  بعض اعضاء مجلس النقابة، وحول البهو في أركان النقابة الجميع يسأل سؤالا واحدا ” ماذا تتوقع في الغد؟ ماذا لو لم يحضر أحد؟” نحن نعلم أنه لن يكون مشهدا مماثلا للرابع من مايو، ولكننا نتنمني مع ذلك ان يكون حشدا قويا، وكان الرأي الغالب أن هذه المعركة لن تنتهي حتي لو لم يحضر الصحفيون غدا، وأن هذا الحراك هو جزء من حراك تراكمي ليس فقط علي مستوي نقابة الصحفيين بل علي مستوي النقابات الأخري والتحركات الديمقراطية المختلفة في مصر، وأنه هناك مكاسب عديدة حتي اللحظة ابرزها ظهور كتلة صحفية كبيرة غير متوقعة تدافع عن مهنتها. دارت مناقشات حول استمرار الاعتصام او تعليقه بعد المؤتمر وحول كيفية البناء مستقبلا علي ما حدث في الاسابيع الماضية ولكن حسمها ترك للغد.

————————————————

اليوم السادس عشر: إجهاد

فرح المصري

حالة من الإجهاد ظهرت على الغالبية العظمى من المعتصمين الذين تعطلت أعمالهم نسبيا بسبب الاعتصام داخل نقابة الصحفيين، فانخفض عدد المشاركين بصورة كبيرة، نتيجة للإرهاق. بينما ظل الأمن الإداري بنقابة الصحفيين يمارس مهام لم تطلب منه، حيث منع اثنين من الصحفيين غير النقابيين من دخول النقابة، بحجة أنهما ينتميان لمؤسسة “صدى البلد” و”البوابة نيوز”. وعندما توجهت اليهم بالسؤال قالوا أن هذا الأمر يرجع لتعليمات أعضاء مجلس نقابة الصحفيين بعدم دخول كلا من “البوابة نيوز” و”صدى البلد”، وذلك لقيام محررة ب”صدى البلد” بالتسلل لمكتب وكيل نقابة الصحفيين خالد البلشي وتصويرها لمكتبه وصورة للمصور الصحفي المعتقل محمود شوكان ثم كتبت عنوانا بأن البلشي يحتفظ بصورة دومة في مكتبه –أحمد دومة قيادي شاب بحركة “6 إبريل” محكوم عليه بأكثر من ثلاثين عاما في قضايا سياسية-  في محاولة لتأليب الرأي العام على النقابة، أما بالنسبة ل”البوابة نيوز” فقال عامل الأمن أن سكرتير نقابة الصحفيين جمال عبدالرحيم رفض دخولهم لقيامهم بنشر أخبار كاذبة على لسانه تخص أزمة الصحفيين والداخلية.

***

انهمك الجميع بالرغم من حالة الإرهاق الواضحة عليهم في الدعوة لمؤتمر الجمعية العمومية المقرر له يوم الأربعاء، بينما عكف المصوريين الصحفيين على تجميع صور الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيين خلال الفترة الماضية، لعرضها في فيلم تسجيلي أثناء انعقاد الجمعية العمومية.

***

حاول الصحفيين غير النقابيين -الذين يمثلون عصب اعتصام نقابة الصحفيين- مناقشة أوضاعهم، وكيف يمكن أن ينضموا للنقابة –حيث تشترط لائحة القيد بالنقابة أن يكون الصحفي معينا في إحدى الصحف كي يتمكن من الحصول على عضوية النقابة- وطرح اقتراح للمناقشة حول فتح جدول الانتساب لفرض مظلة من الحماية القانونية للمصوريين الصحفيين، الذين يعانوا مر المعاناة أثناء قيامهم بمهامهم. وعن الأزمات التي يعانون منها في جرائدهم، والتعامل معهم باعتبارهم محررين درجة ثانية وثالثة.

***

لم يختفي مجلس نقابة الصحفيين والنقيب من المشهدـ، حيث الاجتماعات المغلقة اليومية، سواء كانت مع أعضاء المجلس، أو من يطلقون عليهم “شيوخ المهنة”. والتي غالبا ما تخرج بتراجع واضح وحاد عن القرارات التي تم اتخاذها في الرابع من مايو الماضي في اجتماع الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين. فور نزول أحد أعضاء المجلس تقدم اليه عدد من الصحفيين الغير نقابيين يسألونه عن إمكانية أن ترسل النقابة المحامي التابع لها ليحضر جلسة تجديد حبس على عابدين” بيكا” مصور جريدة الفجر الغير نقابي في جلسة التجديد بعد الحكم عليه بعامين سجن بتهمة التظاهر يوم 25 ابريل الماضي، فما كان من عضو المجلس الذي حضر اجتماع “جبهة تصحيح المسار” –أبرز محاولات الهجوم على اعتصام الصحفيين- إلا أن يؤكد للمعتصمين أن النقابة لن تدافع إلا عن النقابيين!

————————————————

اليوم الخامس عشر: “جاسوسة” داخل النقابة ومحاكمة صورية للوزير النيجاتيف

هدير المهدوي

اليوم هو  الخامس عشر من شهر مايو ومن الاعتصام. الإرهاق ينتشر، والاحباط ينتشر أكثر أمام الضغوط والتهديدات والتراجعات بين بعض الصحفيين وبعض أعضاء المجلس ورؤساء التحرير ورؤساء مجالس إدارات بعض الصحف.

يوم أمس كان يوما ثقيلا على الكثيرين من بينهم الصحفيين المعتصمين، فإلى جانب تجديد حبس الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا ل15 يوما آخرين، كان الحكم على زميلنا “علي عابدين” مصور جريدة الفجر بالحبس سنتين له أثر على الجميع. لم تكن أسرة عابدين، أو السقا، أو بدر، هم الأسر الوحيدة المفجوعة بالأمس، فهناك حوالي 152 شاب حكم عليهم بالحبس ما بين عامين، وخمسة اعوام، وخمسة أعوام مع غرامة 100 ألف جنيه على خلفية “تظاهرات الأرض”.

صاحب ثقل هذه الاحكام موجة الحر الشديد التي اصابت القاهرة، واشتدت اليوم لتصل إلى 45 درجة مئوية –بحسب بعض التقديرات القاهرة هي المدينة الأسخن في العالم هذا الأسبوع- استيقظت بصعوبة اليوم بسبب الحر والأرق بعد أخبار أمس، وبدأت في الاستعداد للحدث الأبرز اليوم والذي يعد له منذ أيام، وهو إجراء محاكمة رمزية لوزير الداخلية بنقابة الصحفيين.

وصلت قبل الموعد بوقت كاف، لم تكن الشمس قد كسرت كل حرارتها بعد، لذا كان عدد المعتصمين ما يزال ضعيفا، مع الغروب كان منظموا المحاكمة قد بدأوا في وضع الكراسي في بهو النقابة، ووضع منصة أمام الجمهور الذي بدأ في التزايد من الصحفيين والمتضامنين والمصورين ومراسلي بعض القنوات، حتي امتلأ البهو تماما، بينما أحضر أحد الصحفيين المعتصمين قفصا مصنوعا من أقفاص الخبز، وتطوع صحفي مرتدي قناع الوزير النيجاتيف، ليدخل القفص وتتم محاكمته باعتباره الوزير.

فيما جري الاجتماع اليومي المعتاد لمجلس النقابة، ليناقش بنود مؤتمر الجمعية العمومية الأربعاء، أجريت المحاكمة بعد تقديم قصير من أحد الزملاء، تلاها المدعي بالحق المدني باعتباره محامي النقابة موضحا مخالفة القانون في واقعة اقتحام النقابة، ثم استمع القاضي وهو المحامي الحقوقي الاستاذ طاهر أبو النصر إلى شهادة الشاهد على اقتحام النقابة وهو أحد الزملاء الذي كان متواجدا أثناء الاقتحام، كما استمع إلى محامي المدعي عليه، الذي دافع عن المتهم باعتباره ليس أعلي سلطة في مصر، ومن ثم طالب بمحاكمة رأس السلطة التنفيذية وهو رئيس الجمهورية، بينما استكمل محامي النقابة مرافعته، وكان القرار من القاضي هو العزل السياسي.  

كان المساء قد حل، فبدأ العدد الأكبر من الموجودين في الانصراف، وبقي العدد المعتاد للمعتصمين يتناقش حول تكثيف الحشد ليوم الاربعاء. كان هناك حديث منذ بداية اليوم عن إحدى المتواجدات في النقابة، والتي تواجدت لعدة أيام، وشك الكثير في كونها تتجسس على المعتصمين، وتسجل ما يقولونه وتصورهم.

في نهاية اليوم أمسك بها أحد الزملاء المعتصمين وهي تصورنا ونحن نتحدث حديثا جانبيا أنا وزميلة أخرى. بدأ الزملاء في التجمع حولها للتحقق من شخصيتها، لم يكن معها كارنيه نقابة أو صحيفة أو موقع إلكتروني، بل تمتك كارنيها يعود للعام 92 لجريدة غير معروفة تماما.

حصل أحد الزملاء علي هواتفها المحمولة، قام بمسح  صور المعتصمين من أحدهم بينما وجدنا علي الهاتف الآخر اتصالات بعدة ضباط. علمنا من رتبة الرائد المكتوبة قبل اسمائهم، حاول الزملاء سؤالها عن أرشيف، لكن لم يوجد شئ وكانت كل اجاباتها متناقضة مما اضطر الزملاء لإخراجها خارج النقابة، أثار هذا الموقف نقاشا ساخرا عن مدى اختراق الأمن للاعتصام.  فالامن يتعامل بنفس طريقته الغبية المعتادة، في الحقيقة كان الأمر يدعو للبؤس والسخرية أكثر منه للخوف او للغضب من مثل هذه التصرفات غير المفهومة، فجميع فعالياتنا واجتماعاتنا علنية، والجميع يعلن عن مواقفه بالأسماء الحقيقية والصور دون مواربة.

—————————————————————-

اليوم الرابع عشر: الفرصة الاخير لاسترداد كرامة الصحفيين

فرح المصري

لم يكن اليوم الرابع عشر من مايو في اعتصام الصحفيين يوما عاديا، إذ شكل المعتصمون وفدا منهم لحضور جلسة تجديد حبس عمرو بدر ومحمود السقا، اللذان كان اعتقالهما سببا في تفجر الأحداث.

في التاسعة صباحا توجهت لشراء بعض ما يلزم لإعاشة للزميلين من المستلزمات الضرورية”.

في العاشرة صباحا وصلت محكمة شبرا الخيمة التي تحولت بدورها لثكنة عسكرية، حيث حالة من القلق الشديد على كافة المداخل والمخارج المؤدية للمحكمة مع توافد الزملاء تاركين أعمالهم واعتصام النقابة ليطمئنوا على بدر والسقا.

الجو خانق داخل المحكمة، فقررنا الذهاب الى احد المقاهي القريبة منها لنتمكن من رؤية الزميلين اثناء نزولهم من عربة الترحيلات.

فور جلوسنا على المقهى وجه إلينا العامل بها سؤالا بدا غريبا في البداية حيث قال: “هي الكراسي مضايقكم يا جماعة” فكانت الاجابة بالنفي، فأعاد علينا السؤال مرة ثانية: “لو في أي حاجة مضايقكم أغيرها”، وعندما سألناه عن سبب هذا السلوك قال إن قيادات الداخلية وأمناء الشرطة أبلوغهم بأن الصحفيين قادمون و”ممكن يأذوهم في اكل عيشهم ، فأحسن يلموا الكراسي من الشارع ويتلموا لغاية ما يمشي الصحفيين اخوات الشيطان”

فوجئنا وبدون مقدمات بأن زملاءنا عمرو بدر ومحمود السقا دخلوا قاعة التحقيق دون إخطار محاميهم، إلا أن المحامي الحقوقي خالد على والمحامية دعاء مصطفى أصرا على الحضور. وهنا بدأت معاناة جديدة عندما حاولت أنا وزميلي إدخال الإعاشة للزميلين، وهو عرف معمول به منذ سنوات بعيدة، بالتفاوض مع حكمدار المحكمة وافق على مضض، إلا أنه بعد نصف ساعة، وانتهاء التحقيق في المرة الاولى أبلغني أن الإعاشة كبيرة، وأن علينا أن نقلل منها.

استجبنا لطلباتهم، ثم حدثت المفأجاة عندما أخبرنا المحامين الذين كانوا على وشك الانصراف من مبنى المحكمة بأن بدر والسقا تم اعادتهما للتحقيق مرة أخرى وبحضور محامي لا يعرفه أحد سوى الأجهزة الأمنية.

شد وجذب تواصل لأكثر من أربع ساعات في درجات حرارة مرتفعة للغاية –كانت درجة الحرارة في القاهرة تقترب من 45 درجة مئوية- وزحام داخل المحكمة، وكردون أمني تم وضعه أمامنا لكي لا نتواصل مع بدر والسقا. اكتفينا فقط بالإشارات ومحاولة كسر جدار الكردون الأمني بكلمات قليلة: “لا تقلقوا سنكمل” ، فيرد الزميلين: “حريتنا في ايديكم”، “نراهن عليكم وليس على أي شخص آخر”.

انتهي التحقيق وهرولنا للتأكد من نقل الاعاشة مع بدر والسقا، إلا أننا فوجئنا بأن حكمدار المحكمة وعدد من اللواءات في الداخلية يرفضون تماما وضعها معهما في عربة الترحيلات، وبعد التفاوض الذي استغرق أكثر من نصف ساعة، وافقوا فقط على أن يأخذوا وجبة واحدة شريطة ان أتذوق كل طبق بها، وبالفعل رضخت لتلك المطالب.

عدنا للنقابة ولدينا إحساس بالاحباط الشديد، خاصة مع وصول نبأ الحكم على الزميل علي عابدين الشهير بـ”بيكا” مصور جريدة “الفجر” بعامين مع الشغل في قضية “تظاهرات 25 ابريل”.

انتظرنا انتهاء اجتماع مجلس نقابة الصحفيين الذي كان منوطا به الخروج بموقف واضح من تجديد حبس عمرو بدر ومحمود السقا، إلا أن البيان تحدث بحفنة من المميزات المادية دون أن يتطرق للقضية الأساسية، ثم أغلق الاجتماع على أعضاء المجلس مرة أخرى، بل ونشر موقع نقابة الصحفيين خبرا عن اتجاه لتأجيل مؤتمر الجمعية العمومية في اجتماع مجلس نقابة الصحفيين، فزاد الإحباط خاصة بين الشباب المعتصمين، ولكننا فوجئنا بقرار المجلس بعقد المؤتمر يوم الأربعاء المقبل،  فلم يكن أمامنا بد إلا تنسيق الدعوات والحشد للأربعاء الذي هو بمثابة الفرصة الأخيرة لاسترداد كرامة الصحفيين.

——————————————————

اليوم الثالث عشر: “مفيش مظاهرات النهاردة؟”

هدير المهدوي

اليوم جمعة.. أكثر أيام الأسبوع هدوءا في القاهرة، لذا ربما كان أيضا يوما هادئا في النقابة. اليوم هو الثالث عشر من مايو، والثالث عشر من الاعتصام، مرت بي صديقتي في الصباح، تناولنا فطورا ثقيلا معتادا في صباحات الجمعة، قبل ذهابي إلى نقابة الصحفيين، قررت صديقتي القدوم معي تضامنا مع الاعتصام قبل ذهابها إلى عملها القريب من مقر النقابة. أصبحت أتجنب حين أذهب شبه يوميا للنقابة أن أخبر سائق التاكسي وجهتي بالتحديد، تجنبا لمناقشات مرهقة سواء أكانت مؤيدة أو معارضة، أو ربما تجنبا لإثارة “وطنية” السائق فيقرر تسليمي للأمن المحيط بالنقابة مثلا. لكن هذه المرة لم ننجح فقبل خروجنا من التاكسي أمام النقابة سألنا السائق: “أيه مفيش مظاهرات النهاردة ولا أيه؟ الدنيا حر؟” ابتسمت وخرجت دون تعليق.

***

عبرنا الشارع فوجدنا أبواب النقابة مغلقة، حاولت دفع الباب لكنه مغلق، في أيام الجمع العادية تكون النقابة مغلقة للأجازة الاسبوعية، ولكن مرت في ذهني اسوأ السيناريوهات، ربما اقتحموا النقابة مجددا! ربما فرضوا الحراسة في الدقائق التي أخذتها في الطريق! أو ربما تعب المعتصمون أو أحبطوا فلم يذهب أحد! اتصلت بخالد البلشي عضو مجلس النقابة – اعتبره استاذي وأيضا عملت تحت رئاسته من قبل- لأسأله، وقبل أن يخبرني أنه وعدد من المعتصمين بالداخل كان أمن النقابة قد فتح لنا الباب وتركه مفتوحا.

***

كان عدد المعتصمين اليوم قليلا نسبيا، ربما لأنه يوم جمعة، وربما لاحباط المعتصمين من بيان مجلس النقابة المتراجع عن مطالب الجمعية العمومية بالأمس، والذي تقرر بأصوات أغلبية الاعضاء، وربما لعدم وجود فعاليات في هذا اليوم. ومع ذلك كانت أجواء الاعتصام اليوم تليق بالجمعة، فسندوتشات الفول والطعمية والبطاطس -الفطور الشعبي الرسمي المصري خاصة أيام الجمعة- كانت تملأ المائدة، بينما كانت التبرعات الأخري للاعتصام غلاية مياه وشاي وقهوة وحلويات، حاولنا استخدامهم لاغراء الصحفيين للقدوم، الامر الذي نجح بالفعل مع عدد محدود من الزوار.

***
قضينا اليوم في مناقشات حول آليات تنظيم الاعتصام، ومقترحات للرد على بيان المجلس، والحشد لاجتماع الجمعية العمومية الثاني الثلاثاء المقبل، وقمنا بتصوير انفسنا بلافتات داعية للثلاثاء، وتناقشنا في مصير الحراك، وفي السيناريوهات المتوقعة من الدولة ساخرين من سيناريو فض الاعتصام واعتقال المشاركين به مثلما حدث سابقا، استمعنا الي بعض الموسيقي وانشغلنا في تحليل الابراج الفلكية للمعتصمين، وفي المساء قررت المجموعة المعتصمة هربا من الحر الذهاب الي مكان مفتوح أو مشاهدة فيلم بالسينما قبل اليوم التالي في الاعتصام.

———————————————————

اليوم الثاني عشر: “ممنوع طباعة البانرز”

فرح المصري

بمحاولة صعبة للغاية للتوفيق بين مواعيد العمل في الجريدة اليومية، وبين الذهاب الى الفاعلية التي أعلن عنها الصحفيين المعتصميين بنقابة الصحفيين بالتنسيق مع عدد من النقابات المهنية والعمالية، استطعت الذهاب مع بعض زميلاتي للنقابة فور انتهاء تصميم الصفحة الاولى.

تحول شارع عبد الخالق ثروت بوسط القاهرة إلى ثكنة عسكرية من كافة الاتجاهات، انتشرت الشرطة النسائية على مداخل الشارع بينما اكتفى لواءات الداخلية بتفحص القادمون للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية على سلالم النقابة. عشرات العمال المنتمين للنقابات المستقلة حضروا مبكرا، بينما غابت النقابات المهنية، باستثناءات قليلة للغاية. بدأت الوقفة وبدأ معها صراعا اعتاد المشاركون في الاعتصام عليه، حيث عضوي النقابة المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، وشباب الصحفيين في صراع دائم على الهتافات والتي غالبا ما تحسم لصالح الشباب.

حاولت مع عدد من المعتصمين طباعة (بانر) كتب عليه مطالب الصحفيين بمكتبات وسط القاهرة، إلا أن الرد كان جاهزا.. “ممنوع تماما”. فرجال الأمن قد مروا على كل أماكن الطباعة المعروفة وحذروهم من طباعة أي أوراق تخص السياسة، فاكتفينا بمجموعة من الصور التي كانت في الاعتصام منذ البداية.

انتهت الوقفة وبدأت ترتيبات اليوم التالي، وتداول أخبار الدولة، ونكات من شباب المعتصمين تعليقا على خطاب الرئيس الاخير.

واصلت وفود المتضامنين القدوم للنقابة بعد انتهاء الوقفة، وتواصلت أيضا ممارسة المصوريين الشباب هوايتهم في التقاط الصور والسيلفي مع بعضهم البعض.

يتنقل خالد البلشي رئيس لجنة الحريات بين المعتصمين، ناقلا آخر التطورات، ومرتبا أمور الاعتصام مع الشباب الذين انهمكوا في إرسال الاخبار لمواقعهم واحدا تلو الآخر. بينما ينهمك أغلب أعضاء مجلس نقابة الصحفيين في كتابة بيان عن الاعتصام في اجتماع مغلق، عدا أحد الأعضاء الذي بقى بمكتبه ليشاهد إحدى حلقات برنامج تلفزيوني شارك فيه، أمام آخر مؤيد ل”جبهة تصحيح المسار”.

في الوقت الذي كان اصدار مجلس نقابة الصحفيين بيانا ليحيي فيه الرئيس على تلميحه بأن الأزمة انتهت بين الصحفيين والداخلية مثار ملمح جديد في علاقة المعتصمين بمجلس نقابة الصحفيين. حيث أثار البيان غضب جموع المعتصمين، الذين ظهر على وجوههم إحساس الانكسار ،وبدأت نقاشات تدور هنا وهناك عن كيفية التعامل مع الفترة المقبلة، تلك المناقشات التي نستكملها عادة على صفحة “جبهة الدفاع عن الصحفيين والحريات” والتي تتواصل المشاركات بها عادة حتى فجر اليوم التالي.

————————————————————-

 اليوم الحادي عشر: غضب بعد بيان جبهة تصحيح المسار

هدير المهدوي

اليوم  هو الحادي عشر من مايو، والحادي عشر من اعتصام نقابة الصحفيين اثر اقتحامها بشكل غير قانوني  للقبض علي زميليلن صحفيين هما عمرو بدر ومحمود السقا. بالأمس كنا قد وزعنا ورديات الاعتصام النهارية والمسائية بعد التصويت علي عدم المبيت في اجتماع عام للمعتصمين، وكان اختياري الوردية المسائية للاربعاء، انهيت بعض المشاوير الصباحية وتوجهت الي مقرالاعتصام بنقابة الصحفيين في وسط القاهرة. الشوارع المؤدية للنقابة مفتوحة الآن، رغم انتشار مصفحات ومدرعات الأمن في الجوار في وضع التأهب، ورغم انتشار كثير من أفراد الأمن بزي رسمي ومدني في محيط النقابة بجوار حواجزهم المنتشرة بطول الشارع، والتي استخدمت في حصار النقابة عدة ايام في بداية الاعتصام.

اليوم كان يوما هادئا نسبيا، فبالأمس كانت الأجواء عصيبة للغاية، مع حضور أعضاء مجلس النقابة الخمسة الذين كانوا قد حضروا اجتماع ما يسمي ب “جبهة تصحيح المسار” بالأهرام وهي الجبهة المضادة للحراك النقابي القائم، وكانوا قد اعلنوا تبرؤهم من مطالب الجمعية العمومية رغم حضورهم فيها الاربعاء 4 مايو الماضي، اثار وجود احدهم بعد اجتماع المجلس واثناء اذاعة بيانه غضب الصحفيين المعتصمين، فتعالت الاسئلة عن سبب وجودهم، وتعالت الاصوات المواجهة لهم بتنصلهم من رغبات الجمعية العمومية، ثم تعالت الهتافات أخيرا ضدهم وللتأكيد علي مطالب الرابع من مايو، لذلك لم يحضر اليوم اجتماع مجلس النقابة من هؤلاء الخمسة سوي عضو واحد، ولم يخرج الاجتماع بجديد سوي بنية لتسيير أمور النقابة بشكل طبيعي.

أما في بهو النقابة، كان الاعتصام هادئا، لا يخلو من مجموعات كبار الصحفيين يتسامرون، وشباب الصحفيين يلعبون العابا الكترونية، او يرسلون أخبارا وصورا لجرائدهم، البعض يتناقش هنا وهناك عن مستقبل الحراك، وعن كيفية الحشد للاجتماع الثاني للجمعية العمومية المقرر عقده الثلاثاء القادم، والبعض ينسق للوقفة الاحتجاجية المقررة في اليوم التالي بالتنسيق بين نقابة الصحفيين وبعض النقابات المهنية والعمالية لخلق حركة نقابية واحدة، والبعض يتناول الطعام او الشراب أو يلعب مع اطفال الاعتصام الذين أتوا مع اسرهم.

ربما كان الحدث الأبرز في هذا اليوم احتفال أسرة المحامي المصري احمد الجيزاوي، المعتقل في السجون السعودية منذ خمس سنوات، رغم تبرئته من قضية ادخال ادوية  محظورة للسعودية منذ أكثر من عامين، بعيد ميلاده الرابع والثلاثين وسط الصحفيين المعتصمين، فشقيقته صحفية معتصمة، صاحبتها زوجته وابنته الصغيرة وأشعلن الشموع ورفعن لافتات بصورة الجيزاوي وأخري مطالبة بالحرية له علي سلم النقابة ثم داخل النقابة وسط باقي المعتصمين الذين غنوا للجيزاوي من وسط القاهرة الي محبسه في السعودية.