في مساء يوم هادئ بمنطقة وسط القاهرة، تحديدا يوم الأحد الأول من مايو الحالي في مقر نقابة الصحفيين المصرية، بعد يوم واحد من إعلان الصحفيان عمرو بدر ومحمود السقا اعتصامهما في مقر نقابتهما بعد قرار من النيابة ب”ضبط وإحضار” صادر ضدهما، رافقه اقتحام لمنزليهما وترويع أسرهما مرتين بتهم تخص الدعوة ل”تظاهرات الأرض” يوم 25 إبريل الماضي، على خلفية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للمملكة العربية السعودية في إطار اتفاق باعادة ترسيم الحدود بين الدولتين.

في مساء يوم هادئ بمنطقة وسط القاهرة، تحديدا يوم الأحد الأول من مايو الحالي في مقر نقابة الصحفيين المصرية، بعد يوم واحد من إعلان الصحفيان عمرو بدر ومحمود السقا اعتصامهما في مقر نقابتهما بعد قرار من النيابة ب”ضبط وإحضار” صادر ضدهما، رافقه اقتحام لمنزليهما وترويع أسرهما مرتين بتهم تخص الدعوة ل”تظاهرات الأرض” يوم 25 إبريل الماضي، على خلفية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للمملكة العربية السعودية في إطار اتفاق باعادة ترسيم الحدود بين الدولتين.

قوة من 38  فرد أمن بزي مدني قامت باقتحام النقابة في ذلك اليوم الذي أطلق عليه لاحقا “الأحد الاسود”، قبل يومان من “اليوم العالمي لحرية الصحافة”، وبعد عدة أيام من دعوة نقيب الصحفيين لرئيس الجمهورية لرعاية الاحتفال باليويبل الماسي للنقابة رغم اعتراض عشرات الصحفيين على هذه الدعوة. اعتدت  قوات الأمن على أفراد أمن النقابة، واعتدت على الصحفيين المعتصمين بنقابتهم، واعتقلت الصحفيين بدر والسقا وتم نقلهما إلى قسم شرطة شبرا الخيمة أول، قبل التحقيق معهما في اليوم التالي، وانتظار “مكالمة تليفون” بالقرار المفترض صدوره في حقهما، وذلك وفقا لمحاميهما، وصدور القرار بحبسهما 15 يوم ثم نقلهما إلى سجن “طرة”.

***

تسارعت الدعوات مساء “الأحد الأسود” للتوجه إلى النقابة لرفض اقتحامها غير القانوني للمرة الأولى منذ إنشائها في 1941، هذه النقابة التي استضافت داخلها وعلى سلمها لعشرات السنوات العديد من التحركات السياسية الثورية والديمقراطية مناصرة ودعما، وتأكيدا  لدور الصحافة المصرية في كشف الفساد وعوار الحكم، ومساندة الحقوق والحريات على رأسها الحق في حرية الرأي والتعبير والحق في المعرفة وحرية تداول المعلومات التي نصت علىها الدساتير المصرية المتعاقبة، ولكن انتهكتها الأنظمة المتعاقبة أيضا.

بحلول منتصف الليل كنتُ مع زملائي ضمن  حوإلى 300 صحفي ومصور أغلبهم من الشباب قد استجابوا لدعوات النزول إلى النقابة، وكان مجلس النقابة قد بدأ اجتماعه العاجل برئاسة يحي قلاش نقيب الصحفيين للرد على هذه الهجمة غير المسبوقة، والتي سبقها في الأيام ما بين 15 ابريل وحتى اقتحام النقابة حصارات متكررة لمقر النقابة وانتهاكات لعدة صحفيين ومصورين من اعتداء واعتقال أثناء تغطيتهم ل”تظاهرات الأرض”.

كان القرار حاسما وواضحا، الاعتصام المفتوح لحين إقالة وزير الداخلية ومحاسبته، والنظر في سبل التصعيد، استمر العشرات في التوافد على مقر النقابة ونظم المعتصمون وقفة كبيرة على سلم النقابة في الواحدة بعد منتصف الليل، تعالت هتافاتهم الغاضبة المنادية برحيل وزير الداخلية واطلاق سراح الصحفيين المحبوسين مع التأكيد على “بلطجة” الداخلية و”مصرية” الجزر.

***

في اليوم التالي قرر الأمن في تحد واضح محاصرة نقابة الصحفيين وغلق الشوارع المؤدية لها في محاولة للتضييق على الاعتصام، واشترط امتلاك الصحفي كارنيه نقابة الصحفيين للمرور، كان الأمر مهينا جدا لي ولزملائي أن نضطر لابراز كارنيه يثبت عضويتنا  للنقابة للسماح لنا بالمرور، وفي بعض الأحيان كنا نضطر لإبرازه أكثر من مرة بشكل غير قانوني للمرور في شارع هو في الحقيقة مملوك للشعب وليس مملوكا لضباط المباحث والأمن الوطني والشرطة المحاصرين للنقابة. وكان هناك الكثير من المشادات على هذه الحواجز بين الصحفيين وأفراد الأمن للدخول ولرفضهم مثل هذا الفعل بدون سند قانوني، بينما كان الأمر أصعب للصحفيين غير النقابين الوافدين أيضا إلى نقابتهم سواء للتضامن مع زملائهم أو لتغطية الحدث كجزء من عملهم، حيث منع كثرين منهم من الدخول.

***

استمرت الوقفات على سلم النقابة، واستغل الشباب الحصار وقرروا نقل الاعتصام إلى الشارع، كان بعضهم يتجول، وكان البعض الاخر يلعب الكرة أو يلعب “بلاي ستيشن”، واستمر المجلس في الانعقاد حيث أصر على مطلبه في اقالة وزير الداخلية، ودعا لاجتماع جمعية عمومية الأربعاء، ومن الناحية الأخرى كان قرارا قد صدر بارسال مجموعة من “المواطنين الشرفاء” –وهو المصطلح الذي يطلق على المواطنين المستأجرين أحيانا لإفساد الفاعليات المعارضة منذ 2001- لاستفزار الاعتصام بالسباب والإهانات والإشارة لنا بأننا مرتزقة وخونة، حتي أنهم وقفوا يهتفون على أحد الحواجز قبل السماح لهم بالدخول -دون كارنيه نقابي أو صحفي- “تحيا مصر” في اشارة لنا بأننا نريد هدم مصر، فما كان منا إلا أن قمنا أيضا بالهتاف “تحيا مصر” للتأكيد على وطنية مطالبنا ومهنتنا ، الأمر الذي لم يفهموه، فلقد قيل لهم أننا خونة فكيف نهتف تحيا مصر، اربكهم الامر فظلوا صامتين قليلا حتي قرروا ان يغيروا الهتاف إلى “تحيا الشرطة” و “يحيا السيسي”.

***

استمر الاعتصام رغم الحصار، واستمر توافد عشرات الصحفيين خاصة الشباب يوميا على نقابتهم  بالضغط أحيانا وبالتفاوض أحيانا وبالمشاجرة كثيرا، أما المتضامنون الذين رغبوا في مناصرة الصحفيين، لأنهم يعلمون أهمية حرية الصحافة للمجتمع كله وليس للصحفيين فقط،  فقد منعوا على الابواب، وتعرض بعضهم للاهانات والاعتداء لارهابهم، من المتضامنين كانت د. مني مينا وكيل نقابة الاطباء والتي أصرت على الوقوف لساعات خارج الحاجز رغم نشر جنود الأمن المركزي في مواجهتها لمحاولة ارهابها، الا انها وقفت صامدة مبتسمة، بينما منع في نفس اليوم اعضاء للحزب المصري الديمقراطي من بينهم برلمانيين، وعشرات غيرهم من شخصيات عامة وسياسية وثقافية وحتي مواطنون يؤمنون فقط بالحرية الغائبة في مصر، بينما قررت نقابة المحامين فتح مقرها للمحامين المتضامنين الذين وقفوا على سلم نقابتهم على الحدود مع نقابة الصحفيين يهتفون لنا وللحرية لعدة ايام متتالية بما في ذلك يوم انعقاد الجمعية العمومية.

***

في يوم الثلاثاء وقبل يوم واحد من انعقاد الجمعية العمومية استمر المسؤولون في التصعيد، فلم يكفيهم الحصار و”المواطنين الشرفاء” الذي اعتدوا على صحفيين وعلى النقابة أكثر من مرة، فكان قرار النائب العام بحظر النشر في قضية اقتحام النقابة، رغم أنها لا تنظر أمام القضاء، ولأنه “لا تعقيب على احكام القضاء” فلا توجد أي ضوابط أو معايير واضحة تخص سلطة النائب العام في إصدار قرارات حظر النشر التي كثرت خاصة في العامين الماضيين، أثار الأمر غضب الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف، الذين بدأوا في الحشد لاجتماع الجمعية العمومية و اعلان دعمهم الكامل للنقابة ومجلسها والتزامهم السابق بقرارات الاجتماع، وبدأت الدعوات لكسر قرار حظر النشر في التزايد.

***

ثم كان اليوم المنشود يوم الاربعاء الرابع من مايو موعد انعقاد الجمعية، في مساء اليوم السابق وبعد القرار بحظر النشر كان التصعيد من قبل الأمن متوقعا، فقرر عدد أكبر من الصحفيات والصحفيين الغاضبين وأنا بينهم قضاء الليلة في مقر النقابة استعدادا للمجهول، كان الوضع كالمعتاد، مناقشات حول الأزمة، متابعة ما تنشره الجرائد دعما لحرية الصحافة، والمناقشة في سبل التصعيد لتحقيق المطالب، وبالطبع استمرت الالعاب داخل وخارج النقابة، خاصة مع كثافة الحصار مساء هذا اليوم.

حدث المتوقع والمعتاد من جهات الأمن في مصر، ولكن ما لم يكن متوقعا العدد الكبير من الصحفيين الذين حضروا إلى النقابة، والعدد الاكبر الذي حاول الدخول ولم يستطع. فمن قبل أجهزة الأمن فلقد أرسلت مواطنيها الشرفاء من الصباح الباكر بسماعاتهم الكبيرة وبوسترات كبيرة للسيسي ووقفوا في حماية الأمن على كل مداخل ومخارج حواجز الحصار، يسبون ويوجهون اشارات بذيئة بايديهم إلينا ويغنون “تسلم الايادي” ويعتدون على كثيرين ممن يحاولون المرور إلى نقابتهم.

أما قوات الأمن المكثفة من رجال وسيدات، فكانوا يمنعون الصحفيين والمصورين حتي من يحملون كارنيه النقابة من الدخول، وقد تركوا لهم عند المدخل الاكبر من ناحية شارع رمسيس ممرا ضيقا جدا للعبور جعل الصحفيون يختنقون من التدافع فيه بشكل مقصود تماما، استمر النهار كله بأن مجموعة الصحفيين المتواجدين  وعلى رأسهم أعضاء مجلس النقابة يقفون عند الحواجز للضغط من أجل إدخال الصحفيين بعد مفاوضات مرهقة، أو بعد هتافات من جانبنا نحن المحتجزون بالداخل لفك الحصار والسماح للمحتجزين بالخارج بالعبور، وتعرض الكثيرون للاعتداء أثناء محاولتهم العبور، بينما نجحت مجموعتان من كسر الحاجز والدخول بالقوة إلى نقابتهم لحضور جمعيتهم العمومية.

***

استمر العشرات من الصحفيين من الحضور رغم البلطجة والحصار، وبحلول الثانية ظهرا كان هناك ما يقارب 3 الاف صحفي – من إجمالي ما يقرب من تسعة آلاف عضو- يققون على سلم النقابة ويملأون شارع عبد الخالق ثروت وهو حشد تاريخي لنقابة نادرا ما اكتمل النصاب القانوني لأي من جمعياتها العمومية، يهتفون ويرجون المبني مطالبين بفك الحصار و بإقالة وزير الداخلية وبحرية الصحافة والنقابة واستقلالها وقوتها، كان يملؤنا الفرح والفخر والتحدي، فمنذ وقت ليس ببعيد وتحديدا في فبراير الماضي كان هناك حشدا مماثلا أمام نقابة الإطباء ضد انتهاكات نفس الوزارة التي تعتبر نفسها فوق القانون، وأذكر جيدا أن الزميل عمرو بدر كان يتمني ان يحدث حشدا مماثلا في النقابات وخاصة الصحفيين، وها هو قد حدث بعد اعتقاله، وكان هناك توحدا وتضامنا من النقابات المهنية الكبيرة الاخري مثل المحامين والمهندسين والاطباء، الامر الذي يؤكد اهمية العمل النقابي وحريته واستقلاله ودفاعه الدائم عن الحرية.

انعقد الاجتماع، امتلأت القاعة وبهو النقابة وبعض الأدوار العليا والشارع بالطبع بالصحفيين الغاضبين النقابيين وغير النقابيين، واستجاب المجلس للهتافات والمطالب الغاضبة داخل القاعة بقرارات واضحة كان أبرزها الإصرار على إقالة وزير الداخلية، واستمرار الاعتصام، وتقديم اعتذار واضح من الرئاسة على ما حدث، والأهم قرار بكسر حظر النشر والطعن عليه قانونا، ومنع استخدام اسم وزير الداخلية في الصحف واستخدام صورة نيجاتيف له، إلى جانب الافراج عن الصحفيين المحبوسين، واتخاذ اجراءات تصعيدية في حال عدم الاستحابة مثل الاحتجاب او الاضراب العام.

***

انتهي الاجتماع واستمر الصحفيون في التواجد استمرارا في الاعتصام، بينما تعرض عدد من الصحفيين للاعتداء من قبل المواطنين الشرفاء اثناء خروجهم، واعتقل ما يقارب العشرة اشخاص ممن حاولوا التضامن، أو بشكل عشوائي من محيط النقابة، وصدرت أغلب صحف اليوم التالي بصور الحشد العظيم وصور الوزير نيجاتيف، وبمانشيتات موحدة متحدية حظر النشر وملتزمة بقرارات النقابة، ومثلها فعلت المواقع الالكترونية، بينما قرر الرئيس في اليوم التالي تجاهل الأمر تماما في خطابه من واحة “الفرافرة” بمناسبة يوم حصاد القمح، مع ابراز وجود وزير الداخلية في الصف الأول من الحضور، وتكراره لجمل مثل ” احنا مش بنخاف”، الأمر الذي يوضح  جليا من الذي أمر باقتحام النقابة ومن يقمع الصحافة وحريتها، والذي يوضح ايضا أن المعركة طويلة وتحتاج إلى النفس الطويل وتحتاج إلى استمرار الضغط والتصعيد لحين الاستجابة للمطالب المشروعة للصحفيين.