على قبر رخامي بمقبرة برج العامري المسيحية الواقعة بمحافظة منوبة شمال البلاد وضعت باقة زهور حمراء قادمة من مدينة بريطانية أرسلتها العجوز “سيسيل” لزوجها الجندي “بيل”.

لم تمهلهما الحرب سوى بضع سنوات للحب، فقد غادر “بيل” ليقاتل في صفوف الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية ضد القوات الألمانية في تونس.  

توفي “بيل” ودفن في تونس تاركا “سيسيل” أرملة شابة لكنها ظلت وفية لذكراه فكانت تزور قبره بانتظام كل سنة.  

على قبر رخامي بمقبرة برج العامري المسيحية الواقعة بمحافظة منوبة شمال البلاد وضعت باقة زهور حمراء قادمة من مدينة بريطانية أرسلتها العجوز “سيسيل” لزوجها الجندي “بيل”.

لم تمهلهما الحرب سوى بضع سنوات للحب، فقد غادر “بيل” ليقاتل في صفوف الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية ضد القوات الألمانية في تونس.  

توفي “بيل” ودفن في تونس تاركا “سيسيل” أرملة شابة لكنها ظلت وفية لذكراه فكانت تزور قبره بانتظام كل سنة.  

اليوم أنهكتها سنواتها الثمانون فلم تعد تقوى على تحمل مشقة السفر واكتفت بإرسال الورود في عيد مولده لتقول له كما كتبت على البطاقة إنها لن تنساه وستظل تحبه للأبد.

الجندي “بيل” هو واحد من بين مئات الجنود المدفونين بمقبرة الكومنولث في مقبرة برج العامري واسمها “ماسيكولت”.

ومقبرة الكومنولث ببرج العامري هي واحدة من بين 10 مقابر مماثلة موزعة على كل من العاصمة تونس ومحافظات باجة (شمال) وبنزرت (شمال) وسوسة (جنوب) وصفاقس (جنوب).

تقع المقبرة على بعد 30 كلم من غرب العاصمة تونس وهي تضم 1578 قبرا لجنود سقطوا خلال الحرب العالمية الثانية من بريطانيا وكندا ونيوزلندا واستراليا والهند وجنوب افريقيا.

جمال خلاب

يرقد الجنود في قبور متساوية مصطفة بالطول والعرض في انتظام مذهل يذكر بالصفوف العسكرية، فلا يفرق بينهم الدين أو الجنس أو المنطقة.

في هذه المقبرة كما في كل مقابر الكومنولث الموجودة في أكثر من منطقة بالبلاد التونسية ينام المسيحيون واليهود وحتى المسلمون نساء ورجالا بسلام ووحده نصب الصليب المرتفع على أكثر من ثلاثة أمتار يحرس المكان ويظلل عليه.

لفرط جمال المكان الذي يغلب عليه اللون الأخضر وتزينه الورود الزاهية وتحيط به أشجار الزيتون (رمز السلم) ينسى زائره أنه في حضرة مقبرة تشهد على جزء دموي من ذاكرة التاريخ الإنساني.

وحده الشعور بالسلام يخيم على روح من يقصد تلك المقابر التي يقول سامي المشرف على البستنة بها لمراسلون إن أعوانا محترفون في مجال البستنة يقومون بالعناية بطريقة علمية.

تتميز الهندسة المعمارية لهذه المقابر بالتفرد إذ تنتصب الأضرحة يمينا وشمالا في تناسق كبير بينما نقش على أضرحتها نحوت تحمل اسم وتاريخ الجندي والفيلق الذي كان ينتمي إليه.

وفود سياحية

حول هذا يقول الدكتور فيصل الشريف أستاذ التاريخ لمراسلون إن “تصميم هذا الشكل الهندسي البديع ناتج عن رغبة في احترام ذكرى جنود ماتوا بعيدا عن أرضهم دون تفرقة بينهم على أساس الرتبة أو الجنس أو الدين”.

ويؤكد سامي المشرف على أعمال البستنة إن أغلب الزائرين العاديين للمكان هم ممن قادتهم الصدفة أو دفعهم الفضول لاستكشافه فلا علم لهم مسبقا بمن يرقد بها وكثيرا ما كان سحر المكان يشدهم إليه ليلتقطوا الصور دون البحث كثيرا في تفاصيل ما يشهد عليه من أحداث.

في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل سنة يزور الجنود القدامى بأزيائهم النظامية وعائلات الضحايا مقبرة برج العامري وغيرها من هذه المقابر ويتم عزف الموسيقى العسكرية تخليدا لذكراهم.

لكن مع مرور السنوات تقلصت زيارات الجيل الأول والثاني من عائلات الجنود المدفونين هناك غير أن تدفق باقات الورود الحمراء على المكان لم ينقطع.

لكن حارس المقبرة أكد لمراسلون إن زيارات الوفود السياحية لهذه المقابر تقلصت بعد الثورة التونسية خاصة بعد العملية الإرهابية التي استهدفت منتجعا سياحيا بمدينة سوسة الصيف الماضي.

ويقول الأستاذ الشريف إن هناك تقصيرا من سلطة الإشراف التي لم تستغل مقابر الحرب العالمية الثانية سواء تلك التي دفن بها جنود التحالف أو جنود المحور كمنتوج ثقافي يمكن استغلاله سياحيا.

وإلى جانب مقابر الكومنولث يوجد بتونس مقابر أخرى دفن بها جنود الحرب العالمية الثانية ومنها مقابر للجنود الفرنسيين ومقبرة للجنود الأمريكيين بجهة سيدي بوسعيد ومقبرتين للجنود الألمان بكل من جهة النفيضة (جنوب) وبرج السدرية (بالعاصمة).

وتعد مقبرة مجاز الباب بمحافظة باجة أكبرها حيث دفن بها حوالي ثلاثة آلاف جندي. أما في مقبرتي صفاقس (جنوب) والنفيضة (وسط) فيوجد رفات عدد من الجنود المسلمين من الهند تم دفنهم وفق ما تقتضيه تعاليم دينهم وكتبت أسماؤهم على شواهد قبورهم باللغة العربية.