عمرو عبد الرحمن، هو باحث سياسي مهتم بقضايا حقوق الانسان والتحول الديمقراطي والإصلاح القضائي في المنطقة العربية، وهو حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة إسكس البريطانية، وموضوعها تحولات الخطاب الحقوقي المصري في العقد الماضي، وهو أيضا له تاريخ من العمل السياسي في إطار مجموعات يسارية تهتم بالديمقراطية، وهو حاليا عضو مؤسس بحزب “العيش والحرية”.

عمرو عبد الرحمن، هو باحث سياسي مهتم بقضايا حقوق الانسان والتحول الديمقراطي والإصلاح القضائي في المنطقة العربية، وهو حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة إسكس البريطانية، وموضوعها تحولات الخطاب الحقوقي المصري في العقد الماضي، وهو أيضا له تاريخ من العمل السياسي في إطار مجموعات يسارية تهتم بالديمقراطية، وهو حاليا عضو مؤسس بحزب “العيش والحرية”.

في السطور التالية يعطينا عبد الرحمن تصوره عن الحراك السياسي الحالي لقطاع من الشباب المصري، يصفه عبد الرحمن بأنه الجيل التالي لجيل ثورة يناير، على خلفية احتجاجات “جمعة الارض” قبل الماضية والتي شارك بها عدة آلاف من الشباب والمواطنين الرافضين تنازل مصر عن جزيرتي “صنافير” و”تيران” الواقعتين في البحر الأحمر للسعودية في إطار اتفاق جديد لترسيم الحدود. انتهي اليوم وسط دعوات لتجديد الاحتجاجات يوم الخامس والعشرين من ابريل القادم، كما انتهي باعتقال العشرات، أخلي سبيل البعض، بينما لا يزال حوالي 25 شاب محبوسين في القاهرة رغم قرار اخلاء سبيلهم من النيابة، ومثلهم 21 في الإسكندرية. كما شهد اليومان الماضيان هجمة أمنية واسعة باعتقال العشرات من الشباب من المقاهي والشوارع والمنازل بعدة مناطق ومحافظات.

يضع عبد الرحمن هذا الحراك في سياقه التاريخي وفي سياق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الحالية، ويضع الكتلة المشاركة في سياقها الاجتماعي وفي مواجهة ما يسميه الكتلة الحاكمة، ويحدثنا عن مكان الإخوان ومؤسسات الدولة في هذه المعادلة.

تحدثت في تعليقك على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن جيل جديد يشارك في الحراك الحالي، من هو هذا الجيل، وهل كان سبب الحراك هو فقط موضوع الجزيرتين أم لأسباب أخرى؟

بالطبع لم يكن السبب فقط الجزيرتان، الامر نتيجة تراكمات متعددة. هناك جيل جديد  من الطبقة الوسطي الحاصل علي تعليم عالي في الساحة السياسية، لديه اهتمام بمسألة نظام الحكم، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والفصل بين السلطات، ورئاسة الجمهورية، وهو استمرار لجبل يناير 2011 ولحركة التغيير في 2005، فحركة التغيير 2005 تصدرها قطاعات من الشباب الجامعي المنتمي للطبقة الوسطي وللمراكز الحضرية الرئيسية. هذا هو الوسط الذي تخرج منه دعاوى الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان، في 2005 كان هذا الجيل هو الحاضن للحراك، وفي 2011 أيضا.

في الثلات محطات الحالية وفي 2011 وفي 2005 نحن أمام نفس الوسط الذي يجري تعبئته ويقوم بالدعوة للمقاومة، ثم يتبعه فئات أخرى من المجتمع، وهذا الأمر يعود لأن هذه الفئة في موقعها المجتمعي يتم تغذيتها طوال الوقت بفكرة أن هذه الدولة ملك لها، فتاريخيا أجهزة الدولة المصرية من شرطة وقضاء ومستشفيات عامة ومجالس نيابية وجامعات قامت بالتمييز بين عموم السكان والمتعلمين تعليم عالي، باعتبار أن الأخيرين هم كوادر المستقبل لإدارة هذه الأجهزة، أما عموم السكان ليس لديهم قول في إدارة الدولة مثل الفلاحين، وجمهور الطبقة العاملة الحضري، والعاملون في القطاع غير الرسمي، والأرزقية الذين يقتلون في الشوارع -إشارة إلى بائع الشاي الذي قتل على يد أمين شرطة في القاهرة الجديدة يوم الثلاثاء الماضي- لذا يخلق وعي لدى المتعلمين تعليم عالي، بالتميز والاختلاف عن باقي عموم السكان، وبملكيتهم للدولة، ومقابل تضخم هذا الشعور لدى هذه الفئة تتضاءل الفرص أمامهم، خاصة منذ التسعينيات بسبب تهديدات اقتصادية حقيقية لقلة فرص العمل، والمستقبل المبهم امامهم، فيشعرون أنهم  لا يدينوا لهذه الدولة، التي لا تقدم لهم خدمات كالخدمات الثقافية مثلا، ويشعرون بالاستبعاد في إعلامها الذي لا يخاطبهم خطاب عقلاني، ولا يجدون أنفسهم في مشروعات الشباب التي قدمت لهم وكانت واجهة لرأسمالية احتكارية فاسدة مثل مشاريع جمال مبارك، وبالتالي هذه الدولة لا تحاول رأب الصدع مع هذه الفئة وبالتالي يكون الأمر مثل الزلازل التي تثور كل فترة، فانتهاء الزلزال لا يخفي الصدع.

هل تشعر الدولة بالتهديد من هذه الفئة؟

طبعا، تشعر بالتهديد وتشعر بتميزهم أيضا، لذلك كان حادث مثل حادث خالد سعيد، المنتمي لهذه الفئة له كل هذا التداعيات، وما حدث يوم الجمعة الماضية يعبر عن أن الدولة تعبث مع القطاع الخاطئ. وما تلى ذلك في اليومين الماضيين من هجمة أمنية لم تحدث حتى في عهد مبارك يؤكد الشعور بالتهديد.

ما يحدث اليوم جديد بسبب وجود هذا الجيل الجديد، ورغم أن هذا الجيل يننتمي إلى نفس الكتلة الثورية، إلا أن السياق اليوم مختلف، فما حدث في يناير 2011 هز الكتلة الحاكمة، وحين حدثت الأزمة السياسية في نهاية حكم الإخوان حاول كل طرف إعادة حساباته. ولكن الجيش هو الذي انتصر في هذه الأزمة وأصبح هو المتحكم في كل التفاعلات داخل الكتلة الحاكمة وفي علاقتها مع المجتمع، ولكن ما حدث الجمعة الماضية هز الجيش مرة أخري.

لماذا تقرر هذه الفئة التحرك  في لحظة معينة رغم استمرار الصدع؟

لا يوجد هناك جيل في الخمسة عشر سنة الماضية لم يصطدم مع الدولة، من دخل الجامعة في نهاية التسعينيات وتخرج شارك في التحركات ضد التوريث، ومن دخل الجامعة في 2005 وتخرج شارك في ثورة يناير، ومن في الجامعة حاليا موجود في الحراك الحالي، وهذا منذ تحولت الدولة للسياسات الليبرالية الجديدة في التسعينيات.

المعضلة واحدة للاجيال الثلاث، التهميش السياسي والتضييق علي الحياة  بكل جوانبها لمجتمع شاب في كل أوجه حياته، فهؤلاء الشباب يعانون سوء الأحوال المادية، وإن تحسنت سيجد نفسه أمام دولة تعامله كعدو. فأجهزة الدولة الأيديولوجية والإعلام والمؤسسات الدينية والثقافية منذ 30 يونيو 2013 تعامله كعدو.

لذلك جملة مثل التي قالها الرئيس السيسي في خطابه بأن “حقوق الانسان لا تعني الحقوق السياسية والمدنية، فأين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؟” هي جملة تنطوي على رسالة، فرغم أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالفعل مكفولة في الدستور، إلا ان الرسالة هنا مفادها أن هذه الفئة ليست هي فقط الموجودة، وأن هناك فئات أخرى من الشباب، ولكنه في الحقيقة لا يقدم أيضا شيئا للشباب الذي يتحدث عنه، فرغم ما يعانيه ما يقصده من الشباب في القطاع غير الرسمي، إلا أنه لا يملك الوعي بأن له حق في الدولة، لكن الفئة المتعلمة تشربت رواية الدولة المصرية العظيمة عن نفسها في الجامعات. ربما يكون بائع الشاي غاضب لكن هذه الرواية ليست جزء من تكوينه، والشباب المتعلم والدولة شريكين في الرواية، إلا أن الاول مستبعد منها، لذلك حين نري مسألة الأرض والعرض برغم ذكوريته وسلطويته، فما هو إلا نتاج السياق الثقافي والمستوى التعليمي، تلك هي الرواية التي يدافع عنها.

لماذا لم تنجح الدولة في استيعاب والحصول علي دعم هذه الفئة حتي بعد ثورة 2011؟

تعبير الدولة ليس مفيد هنا، يمكننا التحدث هنا عن كتلة حاكمة، بدأت في التشكل في بداية التسعينات، لأن هذه هي اللحظة التي بدأ فيها التوجه لسياسات اقتصادية واجتماعية مختلفة عما سبقها. كانت هناك مرحلتان تحول كبري في تاريخ مصر الحديث، الاولي بعد 52 حيث كان يوجد سابقا مجتمع متخلف يتركز رأسماله في الأرض والزراعة، ولذلك كانت النخبة السياسية بالأساس هم من ملاك الأراضي ( الاقطاعيين). ومنذ منتصف الخمسينيات دخل رأس المال في صناعات تملكها الدولة، وبدأت التحالفات الجديدة مع الطبقة الوسطي الحضرية، الذين أوكل لهم مهمة تدوير الحكم، من مناصب وزارية ورؤساء الأجهزة التنفيذية والأحياء، حيث اصبحوا مهنيين أو رجال بنوك، وهذا الوضع خلق مراكز حضارية، واستطاعت الدولة أن تصنع تحالفات مع الطبقة الوسطي المتعلمة وقطاع العمال.

والتحول الثاني كان في التسعينيات، حيث تحول الأمر بالتدريج إلى رأسمالية معولمة تحت مسمي الاستثمار الأجنبي، وبالتدريج أصبحت هذه الرأسمالية المعولمة هي التي تتحكم في صنع القرار إلى جانب ضباط الجيش وكبار البيروقراطية المدنية. وهنا باقي الطبقات الحضرية خرجت من المعادلة، حيث تفككت الصناعة وأصبحت القوي العاملة متمركزة بالأساس في القطاع غير الرسمي، بينما أصبحت الفئات المتعلمة ليس لها مكان. هذه الكتلة الحاكمة أصبحت منغلقة على نفسها تماما ولا تقبل أحدا من خارجها.

كان أمام هذه الكتلة الحاكمة حلين لاستيعاب الأزمة: إما بالعودة لرأسمالية الدولة، والسياسات الناصرية، ولكنها لم تعد مناسبة لهذا العصر، أو الحل الواقعي وهو الديمقراطية بمعني فتح المجال للتنظيم، وهذا الحل قدمته ثورة يناير، حيث أنه كان من المفهوم أنه لا توجد حلول سحرية، لكن الديمقراطية تسمح بظهور هذه الحلول مع الوقت. لكن الديمقراطية تتناقض بشكل أساسي مع مصالح الكتلة الحاكمة، فهي تعني عدم تحكم الجيش في مفاصل الدولة، وأن تكون المعلومات عن  اقتصاد الجيش، وعن الاستشمارات العالمية متاحة .

وثورة يناير شكلت تهديدا على الكتلة الحاكمة. لذلك حاول الجيش ترميم الأمر بالقمع، وحين بحث عن فصيل سياسي للتعامل معه لم يجد سوي الإخوان المسلمين ، فشل الطرفان في التحالف ولم يستطع التعامل معهم لأن الكتلة لم تسمح لدخولهم فيها باعتبارها وافدين جدد خاصة أنهم تنظيم كبير وممتد. لذلك فالصدع مستمر بسبب عدم قدرتهم علي تطبيق الديمقراطية وعدم قدرتهم على العودة لسياسات الخمسينيات.

ما هو المميز في هذا الجيل وما هي الدروس التي قد يكون تعلمها من جيل يناير 2011؟

لازال مبكرا ان نقوم باستنتاجات، لأننا لازلنا أمام أول احتكاك، وأنا أظن أن هذا الحراك لن يتراجع، وسوف يتفاعل ويستكمل لبعض الوقت، فبالعودة إلى أول مظاهرة في 2005، بعد ثلاث سنوات تشكلت حركة “6 ابريل” ودعت إلى الإضراب العام في 2008. الفارق الضيق بين الاجيال جعل كل جيل واعي للجيل الذي يسبقه، بعكس وقت تشكيل حركة “كفاية”، حيث كان الفارق جيلين على الأقل. الفروق الجيلية لها أثر كبير فالخبرات الميدانية المتاحة من كيفية التخطيط والتنظيم لتظاهرات.

لم تدعو أي قوة سياسية للتظاهرات ومع ذلك لم يحدث خلافات كبيرة في الشارع، وهذا يعود للخبرة المنقولة اليهم من جيل يناير، والخطاب أيضا متاح، فالمرجعية الأن هي خطاب ثورة يناير. وهذا الجيل يعلم الأن أنه لن يعد هناك من يصلح في هذه الدولة، وأنه لا مخرج إلا بالديمقراطية. وأصبح من الواضح أن الإخوان لم يعودوا بديل، وهذه نقلة مختلفة، لم يعد هناك أمل في قدوم شخص يصلح من الجيش أيضا.

ما هو الدور الواقع علي جيل ثورة يناير في الحراك الحالي فيما يخص التنظيم لمنع استغلال الحراك مرة أخرى؟

هناك تناقض رئيسي يتجلى في هذه الفئة، فهي تشعر أنها تملك هذه الدولة وأنها تمثل باقي فئات المجتمع، لذلك لديها نزوع لا سياسي، لأنها تري نفسها فوق الأحزاب وفوق السياسة، لذلك مشكلة هذه الفئة مع الإخوان لم تكن حول موقفهم من الديمقراطية، ولكن بسبب انتهازيتهم وانغلاقهم التنظيمي وبحثهم عن مصالح حزبية ضيقة. هذه الفئة هي الأكثر نزولا في الشارع، والأكثر عجزا عن طرح البدائل السياسية، لذلك ظهور الجيش كان على اكتاف هذه الفئة والإخوان أيضا بدرجة اقل، كما أن القمع ساهم في قمع أي محاولات للتنظيم، عبر السحل والاعتقال والقتل، فكل عقول هذا الجيل اللامعة في السجن مثل علاء عبد الفتاح وغيره، وكل محاولات التنظيم تم كسرها بعنف بالغ غير مسبوق في تاريخ مصر.

الخطاب الوطني الفوق سياسي الذي ينفي ارتباط هذه الفئة  بحزب أو بطائفة سيكون حلها بدروس على أرض الواقع، مثلما أخذ الامر عامين كي يتضح أن الإخوان غير صالحين للحكم، وخمس سنوات ليتضح أن الجيش لا يصلح للحكم، لا يوجد أمام هذه الفئة سوي أن تتعلم بالتاريخ، وهناك أمل في تعلم ضرورة التنظيم قريبا والعمل عليه.

دور جيل يناير الأن خلق ألوية تنظيمية، فهو لا يقود الحراك الحالي، ولكنه عليه خلق ظهير تنظيمي، وخطاب متطور، ومطالب قابلة للتنفيذ. مفهوم أن هذا الحراك لا يخص الجزيرتين ولكن يجب أن يكون هناك مطلب واضح يخص الجزيرتين. وأنا لا أقصد التنظيم من أجل الوصول الي السلطة، ولكن للتواجد كطرف في المعادلة والضغط عبر تنظيمات من أجل فرض الخيار الديمقراطي، ليست بالضرورة للمنافسة على السلطة.

لماذا كان هذا الحراك نتيجة أمر يخص “الأرض” وهي قضية ربما تهم الأجيال الأكبر أكثر مما تهم الشباب، ولماذا لم يكن الحراك تالي لأحداث أخرى سابقة مثل القتل والاعتقال والاختفاء القسري وغيره؟

موضوع الجزيرتين ربط العصب الوطني الذي يربط الأجيال ببعضها البعض، وهو مرتبط بالرواية التاريخية الرسمية الموجودة في التعليم، الامر يخص الإهانة الوطنية، والجيل الأكبر غضب أيضا وهذا واضح على شبكات التواصل الاجتماعي، الأمر ليس فقط بيع الجزر، لكنه بسبب بيعها للسعودية تحديدا مقابل 60 مليار جنيه، هذا تسبب في شعور عظيم بالإهانة.

كما أن فئات الشعب تنزل إلى الشوارع حين تكون هناك فرصة وليس نتيجة سياسات واضحة، في 2011 كان هناك إمكانية واضحة لأن يكون الشعب طرف في المعادلة. الفرصة ستتكرر ثانية  نتيجة فساد وجهل الفئة الحاكمة، وسيصل عموم الناس لفرصة المشاركة إن استمرت الاحتجاجات في الشوارع عدة أشهر.

وهذا الحراك سيستمر، ربما الاثنين القادم أو الثلاثاء، أو بعد شهر، فجذره الرئيسي في الإحباط العام عند هذه الفئات والذي لم يتغير، وهذا الصدع  المتسع الموجود تحت السطح.

هناك دائما تشكك في المشاركة في حراك ضد السلطة بدون وجود بديل، فما هو البديل المطروح الآن؟

البديل قد يكون أشخاص أو إجراءات، ثورة يناير طرحت إجراءات بحكومة انتقالية، وإجراء انتخابات وهنا يكون البديل شخص. اليوم البديل المطروح مجموعة من الاجراءات بعيدا عن رحيل السيسي من عدمه، وهذه الاجراءات هي فتح المجال العام للممارسة الديمقراطية، الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين، حرية الاعلام، وحرية الصحافة، وإسقاط قانون التظاهر، وضمان حرية التعبير. هذه الإجراءات هي بديل أيضا، لا يوجد برنامج اقتصادي الأن ولكن هذه الإجراءات ستسمح بظهور برامج اقتصادية واضحة.

البديل في شكل شخص يجب أن يطرح في وقت ما ولكن ليس وقته الأن لأنه سيكون مربك، البديل الواضح هو الديمقراطية وهي التي ستحل الازمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكل ما يهم الآن هو عدم ضرب هذا الحراك أمنيا في الشوارع، هناك بدائل فنية لسياسات اقتصادية تخص عجز الموازنة ورفع الأجور وغيره، ولكن إن طرحت هذه البدائل علي مواطن يرغب في الاستقرار لن يهتم بسبب عدم وجود فرصة بعد.

كيف تضع الإخوان في المعادلة الحالية، خاصة بعد إعلانهم المشاركة ونزولهم في بعض المناطق؟

لأول مرة منذ السبعينيات نواجه تنظيم مفكك، رغم قدرته على الاستمرار 40 سنة، وهي أزمة أن يوجد مليون شخص بدون صاحب، ولأن تفككه لم يفرز أي بدائل ديمقراطية، فمع القمع أصبح هناك جاذبية لتنظيمات مثل داعش وسط صفوف الإخوان.  كان تنظيم الإخوان في الثمانينات والتسعينيات أقل يمينية فلم يؤيدوا أو يدعموا أبدا تنظيمات جهادية مثلا، أما الآن فمواقع وصفحات الإخوان المسلمين تدعم داعش في سيناء، وبعد أن كانوا يطرحون نفسهم حلفاء للغرب باعتبارهم وسطيين، الآن يسعون لإرضاء دولا رجعية مثل السعودية وقطر.

هم بديل يميني وسلطوي طرح نفسه لاحتواء الأزمة في مصر، ولكنه الأن اصبح أكثر سلطوية وأكثر يمينية، وهم يعطون مبرر للسلطة بالتهديد بأن انسحابها سيحول مصر إلى سوريا والعراق. دخول هذه الكتلة السلطوية واليمينية والمفككة على خط هذا الحراك كارثة، فهو يعني إرباك وتشويش، ودعم خطاب الدولة وإرباك الشباب على الارض وأفراد ما يسمون بــ “حزب الكنبة” ، لكن الحل بسيط ويقع على عاتق جيل يناير، وهو إعلان عدم التحالف مع الإخوان باعتبارهم فصيل غير وطني أو شريك في النضال. لذلك اعلان الانسحاب بسبب مشاركة الاخوان خطأ واعلان التحالف معهم خطأ ايضا. كما أن وجود تنظيمات واضحة وخطاب واضح سيحمي الحراك من مشاركة اي فئات سواء سلفيين او اخوان.

هناك حديث عن خلافات بين مؤسسات الدولة قد يدعم بعضها الحراك لأسباب معينة ، مثل ما حدث في حركة “تمرد” 2013، وهذا كان واضحا في التعامل الأمني المتساهل نسبيا مع التظاهرات،  ثم ما تلى ذلك من حملات أمنية مكثفة واعتقالات للشباب، كيف تري ذلك الافتراض؟

هذا افتراض جائز، فالأمن لم يتعامل بعنف، بمعني أنه لم  تحدث كارثة الجمعة الماضية. لكن يبدو أن احد الجهات ارتأت أن هذا التساهل لم يكن مناسبا، قررت مواجهة التهديدات بالحملة الأمنية الخشنة لمنع أي تهديد محتمل من يوم الاثنين القادم. لا يمكن تفسير ما حدث من تناقض عبر تساهل أمني في البداية ثم خشونة مع الشباب إلا في سياق ثلاث أمور، وهي الشعور بأن التهديد من هذا الحراك أكبر مما ظنت هذه المؤسسات، وأن الخلاف واضح ومؤكد بين بعض مؤسسات الدولة، وأخيرا أن هناك حرج من السعودية بسبب هذا الحراك، خاصة وان بعض الصحف السعودية المحلية عبرت عن انزعاجها في اليومين الماضيين من هذا الحراك بدعوي علمهم أن مصر ليست بلد ديمقراطي، وأن هناك من يحرك هذه التظاهرات. 

الأزمة في مصر واضحة، فهناك أزمة بين المكون العسكري الأمني والمكون المدني، ومن الواضح وجود أزمة بين المكون العسكري والأمني. ولكن لا اظن ان أي دعم خفي لهذا الحراك من اي مؤسسة ، إن وجد، يستهدف ازاحة السيسي لأن هذا يعني ان يقوم شخص من إحدي هذه المؤسسات بتولي المسئولية وهي مسئولية صعبة، ربما يكون الأمر لفرض شراكة في صناعة القرار، أو للضغط فقط، ولكن في النهاية لا يمكن لشخص أن يجزم بما يحدث من تآمرات، فسواء حركوا جزء من التظاهرات أم لا، الا أن التعامل غير الكارثي مع التظاهرات كلن مفاده ان الجهة في المواجهة وهي الداخلية قررت ألا تتحمل مسئولية العنف في فض التظاهرات هذه المرة.