قرر وائل أبو طالب أن ينشئ قناة تليفزيونية مغلقة في مدينة سمنود بالغربية، واهتمت القناة بمشاكل مدينته وأزماتها المحلية، وبقليل من الإمكانيات ومساعدة أصدقاء وغرفة صغيرة بشقته، وعن طريق وصلات “الدش المركزي” حقق وائل حلمه، واستمر يعمل عدة سنوات منذ 2006 وحتى نوفمبر 2010، كان يقدم مواد إعلانية بمقابل ويبث الأفراح الشعبية كما قدم مسلسلًا ، كتبه بنفسه وصمم صورًا متحركة أعدها من شاركوه في المسلسل، وكان يرفض دعاية المرشحين لأية انتخابات.
قرر وائل أبو طالب أن ينشئ قناة تليفزيونية مغلقة في مدينة سمنود بالغربية، واهتمت القناة بمشاكل مدينته وأزماتها المحلية، وبقليل من الإمكانيات ومساعدة أصدقاء وغرفة صغيرة بشقته، وعن طريق وصلات “الدش المركزي” حقق وائل حلمه، واستمر يعمل عدة سنوات منذ 2006 وحتى نوفمبر 2010، كان يقدم مواد إعلانية بمقابل ويبث الأفراح الشعبية كما قدم مسلسلًا ، كتبه بنفسه وصمم صورًا متحركة أعدها من شاركوه في المسلسل، وكان يرفض دعاية المرشحين لأية انتخابات.
كانت “قناة الحارة” أو “شاشة دريم” كما أطلق عليها أكثر شهرة في قريته من قنوات تنفق الملايين شهريًا، حققت له شهرة في محيطه وعائدًا ماديًا كان يكفيه، وتأثيرًا على المشاهدين كان يرضي طموحه كممثل مغمور، حتى أن وزارة المالية قررت أن تبث إعلانًا رسميًا عن الضرائب في دائرته التليفزيونية المغلقة لأن الأهالي كانوا لا يشاهدون قناة غيرها تقريبًا، وعقب نشر قناة الجزيرة تقريرًا عن تليفزيون الحارة كان بطلها وائل، قررت أجهزة الأمن وأد حلمه وإغلاق القناة ومصادرة الأجهزة البسيطة بمبررات قانونية سليمة.. إنشاء قناة تليفزيونية بدون ترخيص. وحتى الآن تنتشر فكرة تليفزيون الحارة في القرى المصرية بموافقة أمنية ضمنية بالسماح لهم بالعمل تحت أعينهم، طالما أنهم لم يقدموا محتوى سياسيًا أو يتدخلوا في الانتخابات أو يزعجوا السلطة بأي شكل.
حكاية وائل أبو طالب تنطبق على كل من يحاول أن يقدم صحافة أو إعلامًا محليًا في المحافظات، على المستوى غير الرسمي يمكنك أن تنشئ جريدة محلية وتظل تعمل لسنوات لكن بشروط أن يظل تأثيرك محدودًا و ألا تغضب السلطة وتنتقد سياساتها.
العاصمة قاهرة تهمش ما عداها.. القاهرة في المفهوم الجمعي للمواطنين خارجها هي “مصر” لفظًا وحقيقة، لا يوجد دلالة أقوى من ذلك على ما يعانونه من تهميش، يعتبرون أنفسهم مواطنون ” درجة تانية “، والصحافة كجزء من نخبة العاصمة تتعامل مع المراسلين في المحافظات باعتبارهم “درجة تانية” أيضًا.
ولأن النخبة الصحفية في العاصمة لا ترى المحافظات جيدًا ولم تختلط بالمجتمع المحلي في القرى فهي لا تعير هذا المجتمع ما يستحق من مساحات النشر إلا ما يجذب قارئ العاصمة له، وبالتالي لا تعترف إدارات الصحف بحقوق الزملاء المراسلين سواء في التعيين أو المقابل المادي أو حتى توفير الإمكانيات لتقديم مادة إعلامية جيدة، ويدور المراسلون في دوائر مفرغة من قلة الخبرة للمقابل المادي الذي يجعلهم متفرغين للمهنة إلى هضم الحقوق وندرة التدريب فلا يتطورون فتلفظهم الصحف أو يقرروا أن يقتحموا العاصمة والعمل هناك في “مصر” حتى تنتهي مأساتهم.
أمام من يقرر أن يؤسس جريدة أو أية وسيلة إعلامية تقدم خدمة لجمهور يعرفه جيدًا، فغالبًا تنتظره أزمات التأسيس وفخ النخبة وجمهور يحتاج إلى خدمة مختلفة وضعف الموارد.
التأسيس
ترسانة القوانين المصرية هدفها منع الترخيص.. هذا ملخص روح الضوابط والشروط المطلوبة لإصدار صحيفة، أما إنشاء إذاعة أو قناة فهو حكر تقريبًا على الدولة، فحسب قانون 96 لسنة 1996 تحتاج إلى شركة وميزانية مبدئية 100 ألف جنيه لإصدار شهري خاص و10 مؤسسين ليسوا من أسرة واحدة وتنتظر الموافقة من المجلس الأعلى للصحافة على الإصدار الذي يحق له رفض الإصدار، ويحق للأحزاب إصدار صحفها بدون الشروط السابقة إلا أنها تنتظر أيضًا موافقة المجلس الأعلى للصحافة، ولا يمكن للمطابع أن تطبع جريدة أو يتم توزيعها إلا بعد ترخيصها رسميًا إلا أن الواقع الفعلي غير ذلك.
على الناحية العملية هناك مئات الإصدارات المحلية الأسبوعية والشهرية، كما تصدر مؤسسات وجمعيات ومراكز شباب ونوادٍ إصدارات دورية، ويتم التحايل على القانون باعتبار أن الإصدار غير دوري وهو ما يفقده صفة الجريدة ويضمها إلى نشرة غير دورية، وتصمت مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية على هذا التحايل مقابل السيطرة على المطبوعات وضمان المنع والإغلاق في أي لحظة بدعوى تطبيق القانون وهو ما حدث في حالة “تليفزيون الحارة”.
بعبارة أخرى هذه صحف “بير سلم” غير مرخصة وهذا ما يضع أمامها عدة أزمات أهمها اعتراف الهيئات والمؤسسات بالزملاء العاملين بها، وضعف إمكانيات المنشأة من أجهزة وقلة الخبرة وانعدام التدريب والتطور ومقابل إن وجد فهو ضعيف.
والصحف المحلية غالبًا تعتمد على أدوات الزملاء وتطوع المتدربين وقدرتهم على الحركة دون المطالبة بمقابل، كما أنها تنفق معظم مواردها على الطباعة التي تتم غالبًا في مطابع غير متخصصة تتغاضى عن وجود رخصة للطباعة، فتنتج إصدارًا رديئًا.
كما يواجه الصحفيون في الصحف المحلية مأساة السمعة السيئة للجرائد المحلية، فمع الوضع غير القانوني للصحف وظروف الطباعة والتوزيع تبتز إدارات الصحف المحلية المرخصة وحتى غير المرخصة أصحاب المشاريع الصغيرة للحصول على الإعلانات مقابل عدم التشهير، كما تزدهر صناعة الصحافة المحلية في الانتخابات البرلمانية والمحلية بأسوء مادة صحفية برعاية بعض المرشحين، كما تستزنف إدارة الجريدة طاقة الصحفيين العاملين فيها بالعمل بدون مقابل أو بمقابل ضعيف، وغالبا ما تتبني الصحف مواد إعلامية صفراء لترفع أرقام التوزيع، ولهذا أصبحت الصحف المحلية مرادف لسوء الخدمة والابتزاز والتشهير وموسم الانتخابات.
فخ النخبة
قبل أن تصدر جريدة القناة الناطقة بحال أهالي محافظة الإسماعيلية عام 1961 تم استطلاع رأي الأهالي عن اسمها ودورية إصدارها شارك فيه 10 آلاف مواطن تقريبا ممثلين لجميع ضواحي المحافظة، واختار 9365 مواطنًا اسم الجريدة ” القناة ” و 57 اسم الاسماعيلية و 47 اسم الجلاء و 13 مواطنًا اسم التمساح، وطلب 9080 مواطنًا أن تصدر الجريدة بصفة أسبوعية، وطلب 804 أن تصدر نصف شهرية، بينما طلب 116 مواطنًا أن تصدر الجريدة شهريًا، فلا عجب أن يستمر إصدارها حتى الآن وإن تغيرت توجهاته، وكان لها دور هام أمن حياة الأهالي في حرب 76.
أغلب المراسلين الذين يقررون خوض مغامرة إصدار محلي يقعون في فخ اختيار لغة الخطاب وتحديد الجمهور والسياسة التحريرية، وأغلب الصحف المحلية تفشل بسبب أزمة الوقوع في أسر تقليد النخبة المتحكمة في صحافة القاهرة، فلغة الخطاب يجب أن تكون معبرة عن المجتمع المحلي وتعبر عن حالهم أكثر، أيضًا يجب أن يتم اختيار الموضوعات الغارقة أكثر في المحلية وهي الخدمة التي يفتقدها المجتمع المحلي في الصحف التي تصدر من القاهرة.
وحتى لو كان الزملاء القائمون على تلك التجارب الصحفية قادرين على تخطي الصعوبات لا يمكنهم أن يفلتوا من التجربة الإدارة لجريدة فحتى مع خبرتهم المهنية في الإعلام لا يستطيعون جلب الإعلانات أو تحديد نقاط توزيع الجريدة التي تحتاج إلى متخصص في إدارة التوزيع.
“ولاد البلد”
في حي المقطم بالقاهرة منذ سنوات كان يمكنك أن تلاحظ انتشار جريدة المقطم، كانت أرقام توزيعها أكبر من أوسع الصحف انتشارًا في الحي، كانت تقدم خدمة مختلفة تقترب أكثر من الأخبار والمشاكل المتعلقة بالحياة مثل كسر مواسير المياه، الطرق غير الممهدة، والأسعار في الأسواق، كما أنها كانت تعتمد على إعلانات رخيصة لأصحاب المحالات في الحي قبل أن تقرر الدولة إغلاقها في 2010 بحجة عدم وجود ترخيص رغم وجود 4 صحف أخرى أيضا بدون ترخيص، نفس الأمر ينطبق على جريدة “مطروح لنا” في محافظة مطروح التي تصدرها مؤسسة ولاد البلد.
في مطروح يمكنك أن تسأل أي بائع جرائد أو سائق تاكسي متعلم عن الجريدة، هم يعرفون ميعاد صدورها الأسبوعي “الخميس”، وأرقام توزيعها أعلى من صحيفة الأهرام القومية شبه الرسمية وأعلى من المصري اليوم أكبر صحيفة خاصة.
وتقدم جريدة “مطروح لنا” خدمة صحفية غارقة في المحلية تكسر الصورة النمطية عن التراث الخاص بالمحافظة، وتقدم نماذج ناجحة للمجتمع وتفتح المجال للموهوبين بمسابقات أسبوعية في الاختراعات والشعر والرسم وغيرها، كما أنها خصصت صفحة للشكاوى، وتعد تحقيقات ميدانية عن الأزمات الحياتية، في الملخص كانت تعبر عن الحياة في هذا المجتمع.
لم يكن لتجربة مثل “مطروح لنا” أن تظهر إلا في وجود مؤسسة داعمة مثل “ولاد البلد”، وولاد البلد تأسست في 2012 وحتى الآن قدمت نماذج للصحافة المحلية بعضها ناجح وبعضها أخفقلعدم دراسة المجتمع جيداً وتقديم الخدمة التي يفتقدها، وأهم ما قدمته ” ولاد البلد ” هو فرص التدريب المهني والإداري للزملاء وتوفير الإمكانيات اللازمة للعمل الصحفي وأيضًا دفع التجارب الوليدة في البدايات حتى تستطيع أن تجد موضع قدم في السوق.