في لقاء بثّته محطة “فوكس نيوز” الأحد 10 نيسان/أبريل 2016، سئل الرئيس الأمريكي باراك أوباما: ما هو أسوأ خطأ ارتكبته؟، فأجاب بما معناه أن خطأه الأسوأ (خلال فترته الرئاسية) كان الفشل في التخطيط لمرحلة ما بعد سقوط نظام القذافي. أما التدخل العسكري من خلال الناتو في ليبيا، فيعتقد أنه كان عملاً صائباً.

في لقاء بثّته محطة “فوكس نيوز” الأحد 10 نيسان/أبريل 2016، سئل الرئيس الأمريكي باراك أوباما: ما هو أسوأ خطأ ارتكبته؟، فأجاب بما معناه أن خطأه الأسوأ (خلال فترته الرئاسية) كان الفشل في التخطيط لمرحلة ما بعد سقوط نظام القذافي. أما التدخل العسكري من خلال الناتو في ليبيا، فيعتقد أنه كان عملاً صائباً.

هذه ليست المرة الأولى خلال الأسابيع الماضية التي يتحدث فيها أوباما عن الفشل الأمريكي والأوروبي في ليبيا. فقد حمّل في لقاء صحفي آخر الأوروبيين، فرنسا وبريطانيا خاصة، مسؤولية القسط الأكبر من تبعات خطأ عدم التخطيط والمتابعة الفعّالة للمرحلة الانتقالية ما بعد مقتل القذافي وإعلان التحرير.    

هذا عن خطأ الغرب (الأوروبي ـ الأمريكي) فماذا عن الأخطاء التي أرتكبها الليبيون، وتحديداً النخب والأطراف التي تقلدت مناصب ومراكز سياسية وعسكرية وأمنية نافذة وفاعلة في مرحلة بناء الدولة الليبية الجديدة ما بعد سقوط دولة القذفي واندثار مؤسساتها؟!

بالتحليل السياسي هي أخطاء موضوعية وإن لم تكن حتمية. فالانتفاضة انبثقت عفوية بريئة إيديولوجياً. من صنع شبيبة في ربيع أعمارهم، شعارهم شعار “الربيع العربي”: الشعب يريد إسقاط النظام. ولكن ماذا بعد سقوط النظام؟

المجلس الوطني الانتقالي بمكتبه التنفيذي، الذي تشكل نخبوياً، ليمثل الانتفاضة التي تحولت إلى حركة تمرد مسلح، لم يكن كفؤاً سياسياً على مستوى القيادة الثورية الوطنية. لم تكن له رؤية استراتيجية واضحة وبرنامج محدد.

ودون التوقف عند أخطاء المجلس الوطني الانتقالي الصغيرة غير المؤثرة فعلياً في المسار المستقبلي، فإن أخطاءه المفصلية، التي أنتجت أزمات معقدة فجّرت الأوضاع، بدأت بالإعلان الدستوري المؤقت الذي أصدره في كانون أول/ديسمبر 2011، حيث خُلط فيه بين صلاحيات السلطة التشريعية وصلاحيات السلطة الرئاسية. إذ جمع رئيس المؤتمر بين رئاسة السلطة التشريعية ورئاسة الدولة وتولى منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مما خلق حالات تضارب في الصلاحيات والمصالح بين السلطات الثلاث: التشريعية والرئاسية والتنفيذية، يغذيها التنافس السياسي بين “التيار الإسلامي” و”التيار الليبرالي” المستندين على مليشيات مؤازرة.

والخطأ المفصلي الثاني كان التسرع في انتقال المجلس الوطني الانتقالي وحكومته المؤقتة من بنغازي معقل الثورة إلى طرابلس التي كانت تغص بمليشيات جهوية وقبلية، اختزلت العاصمة غنيمة لتحقيق مكاسب مادية ونفوذٍ سياسي. وكان المفترض أن يشترط المجلس الانتقالي، وفي مقدوره ذلك، إخلاء العاصمة من المليشيات الآتية من خارجها، وتكوين قوة من الشرطة ومن جنود وضباط نظاميين من مختلف أقاليم البلاد ممن لم ينخرطوا في كتائب القذافي، ليحموا مؤسسات الدولة الناشئة، بدلاً من وقوع العاصمة رهينة التنازع على الغنائم والنفوذ بين المليشيات المتنافسة.

وانعكس التنافس هذا تنازعاً عسكرياً على النفوذ السياسي بين فئتين، كل منهما تصف الأخرى بالباغية. من جهة مليشيات مصراتة وحلفاؤها من التيار الإسلامي (جماعة الاخوان، الجماعة الليبية المقاتلة، سلفيون جهاديون) وتسيطر على شرق العاصمة. ومن جهة أخرى مليشيات الزنتان التي تناصر تيار تحالف القوى الوطنية وتسيطر على غرب العاصمة. وكل فئة تنهج فرض إرادتها بالتهديد بالقوة للخصوم السياسيين وتوفير الحماية الأمنية للموالين، ولها وسائل إعلامها التابعة.

وإزاء هكذا وضع تشكلت الحكومة الأولى بعد التحرير تحت ضغط الفئتين المتنازعتين. فكان للزنتان منصب وزير الدفاع (أسامة  الجويلي) رغم أن ميوله إسلامية. وكان لمصراتة وزارة الداخلية (فوزي عبد العال) ورئاسة الأركان (اللواء يوسف المنقوش). والنتيجة: التخلي عن مشروع إعادة تشكيل مؤسستي الجيش والشرطة المحترفتين، والتعويل على المليشيات التي في معظمها يقودها أمراء حرب مدنيين. فأُعطيت تراخيص بتبعيتها الشرعية لوزارة الدفاع والداخلية، وصُرفت الرواتب بلا تدقيق لأفرادها الذين تجاوز تعدادهم المئتي ألف، بينما لم يتجاوز عدد الثوار الذين حاربوا في الجبهات ضد كتائب القذافي العشرة آلاف، وخُصصت أموال طائلة لتسليحها، فكان أن تقوت عسكرياً بشكل طاغٍ على مصير البلاد والعباد.

والخطأ المفصلي الثالث تمثّل في اللجوء إلى إجراء انتخابات عامة بالاستناد على الإعلان الدستوري العائب، بدلاً من إقرار دستور جديد يسبقه حوار وطني موسّع، ينطلق مباشرة بعد إعلان التحرير في 23 تشرين أول/اكتوبر 2011، بمساعدة من بعثة الأمم المتحدة ودعم من المجتمع الدولي ودول الجوار.  

لو لم ترتكب السلطة الوليدة وقتها تلك الأخطاء لربما ما كان ثمة حاجة للذهاب للصخيرات المغربية ولا لصلالة العمانية. ولضم أوباما تدخله العسكري في ليبيا إلى قائمة إنجازاته الرئاسية، بجانب الاتفاق النووي مع إيران!!