منذ بدأت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور عملها في 21 أبريل/ نيسان 2014 والتساؤل ذاته يدور بين الناس، ماذا يفعل أعضاء الهيئة ولماذا مر وقت طويل تجاوز كثيراً المدة الدستورية المحددة لهم دون أن يقدمو أي شيءٍ؟
طوال الوقت كان التوجه العام لرئيس وأعضاء الهيئة هو عدم التعاطي الزائد مع الإعلام والتكتم حيال ما يدور داخل الاجتماعات. وكانت التنقلات الكثيرة وعدم الثبات في مكان واحد تشي بأن خلافات داخل الهيئة وضغوطات من خارجها هي ما يؤخر ويعرقل سير العمل.
منذ بدأت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور عملها في 21 أبريل/ نيسان 2014 والتساؤل ذاته يدور بين الناس، ماذا يفعل أعضاء الهيئة ولماذا مر وقت طويل تجاوز كثيراً المدة الدستورية المحددة لهم دون أن يقدمو أي شيءٍ؟
طوال الوقت كان التوجه العام لرئيس وأعضاء الهيئة هو عدم التعاطي الزائد مع الإعلام والتكتم حيال ما يدور داخل الاجتماعات. وكانت التنقلات الكثيرة وعدم الثبات في مكان واحد تشي بأن خلافات داخل الهيئة وضغوطات من خارجها هي ما يؤخر ويعرقل سير العمل.
لكن وبعد سنتين من انطلاق مشروع إعداد الدستور بدأت الانقسامات تطفو إلى السطح، وبدأ التصنيف على أساس المواقف والمناطق والولاءات يبدو واضحاً للعيان، لتتأكد حقيقة أن الهيئة لا تختلف عن غيرها من مؤسسات الدولة الليبية؛ تحكمها الصراعات ومصيرها الانقسام.
فهل نتوقع بعد الآن أن تخرج الهيئة بمسودة للدستور متفق عليها وتطرحها للاستفتاء أم أنها ستتبع سياسة الأمر الواقع وتفرض المسودة الثانية التي يعترض عليها كثير من الأعضاء لأسباب مختلفة؟
المقاطعون
الحال اليوم هو أن الهيئة عادت لتجتمع داخل ليبيا لتعقد أول اجتماعاتها الأحد 10 أبريل/نيسان 2016، بعد أن جالت مالطا وتونس وأخيراً سلطنة عُمان، وبهذه العودة التحق الأعضاء المعترضون على الاجتماع خارج ليبيا الذيم كانوا يعدون وجودها في الخارج خرقاً للائحة الداخلية للهيئة وهم 17 عضواً، وبلغ عدد حاضري الجلسة 37 عضواً من أصل 56.
المقاطعون يتوزعون على فئتين، منهم مقاطعو المنطقة الغربية وهم 11 عضواً يتهمون رئيس الهيئة علي الترهوني بخرق اللائحة الداخلية، وقد رفضوا الالتحاق باجتماعات الهيئة في البيضاء رغم أن المسودة تناقش هناك.
أما بقية المقاطعين فهم من المكونات الثقافية، الأمازيغ والتبو والطوارق، ولهم مطالب تتعلق بحقوق المكونات التي يمثلونها من باب دسترة اللغة وحفظ الحقوق الثقافية والتراثية. والتواصل معهم جارٍ من قبل أعضاء الهيئة لضمهم للاجتماعات الداخلية، والأقرب منهم للعودة إلى مقاعدهم هم الطوارق.
مقاطعو الغرب
مقاطعو المنطقة الغربية يرون بأن كل الاجتماعات التي تجري حالياً ليست قانونية، وذلك حسب تصريح عضو الهيئة سالم كشلاف الذي أكد لـ “مراسلون” أنه ورفاقه العشرة الآخرين لا يعترفون بمسودة لم تمر على الأعضاء للتصويت عليها، وهو ما يعد خرقاً للائحة الداخلية للدستور.
وأضاف كشلاف أن تمرير المسودة خلال مؤتمر صحفي من قبل رئيس الهيئة في تونس “أصاب الأعضاء بالذهول، فالمسودة قبل إعلانها كمسودة رسمية يجب أن تخضع موادها للتداول في جلسات رسمية تعقد داخل البلاد وهو مالم يحدث”.
مشكلة الرئيس
الاتهامات التي توجه لرئيس الهيئة كثيرة، غير أنه يواجه حكماً من محكمة الاستئناف بالبيضاء يقضي ببطلان توليه منصب رئيس الهيئة كونه يحمل جنسية بلد آخر، وقد تقدم بطلب لاستئناف الحكم ستنظر فيه المحكمة نهاية أبريل الحالي.
وكان أعضاء الهيئة قد لجؤوا للقضاء سابقاً لإبطال قرار رئيسها بنقل مقر الجلسات خارج ليبيا، وتم إلغاء القرار منتصف أيار/مايو 2015 من قبل المحكمة لمخالفته نص اللائحة الداخلية لعمل الهيئة.
تتعجب عضو الهيئة ابتسام بحيح التي تحدث إليها “مراسلون” بالخصوص “دستورنا المرتقب جاب الآفاق قبل أن يحط الرحال على الجبل الأخضر بليبيا بعد أن غادر الجبل الأخضر في سلطنة عُمان”.
إلا أن رئيس الهيئة -حسب كلام بحيح- “بدأ في الالتفاف على القانون من خلال استخدام مصطلحات مغايرة لوصف الاجتماعات خارج البلاد، مثل ورش عمل وتشاورات بدل جلسات”.
عملنا في الداخل
تتسائل بحيح التي التحقت مع زملائها الستة عشر هذا الأسبوع بالاجتماعات داخل ليبيا “من حجته أقوى، العدد الكبير من الأعضاء الذين غادرو البلاد وقبلوا بخرق القانون أم القلة الذين لم يغادروا أرض الوطن واستمروا في العمل رغم كل شيء؟”، مؤكدة أنهم استمروا في عقد جلسات في البيضاء لعام كامل للبحث عن توافقات وحلول للخلافات ما أمكن، في غياب بقية الأعضاء الذي التحقوا بالاجتماعات في الخارج أو قاطعو الجلسات بشكل كامل.
بحيح تقول أيضا إن الهيئة لا تملك المال الكافي لدفع مرتبات موظفيها ومكافآت أعضائها منذ آب/أغسطس الماضي، فكيف اتفق أن لديها ما تدفع به تكاليف إقامة ونقل الأعضاء في الخارج (تونس أولاً وسلطنة عُمان ثانيا).
الخلافات عميقة
الخلافات بين أعضاء الهيئة أعمق من موضوع مكان الاجتماع، فمسائل شكل الدولة ونظام الحكم والعاصمة ومؤسسات السلطة كلها لم تحسم بعد.
وهو ما أكدته عضو الهيئة التي قاطعت اجتماعات عُمان اعتماد المسلاتي، حيث قالت لـ”مراسلون” إن المواضيع الجدلية لازالت قائمة كموضوع نظام الحكم، وإن موضوع العاصمة لم يتغير رغم تغير الأوصاف “فالعاصمة السياسية يجب أن تحتوي على كل المقار السيادية كالمحكمة الدستورية والسلطة التشريعية، وتقسيم المقار داخل عدة مدن يعني توزيع العواصم داخل عدة مدن أيضاً”.
عضو الهيئة عن المنطقة الجنوبية محمد لاغا يتفق مع ما طرحته المسلاتي من ناحية الخلافات، حيث يقول لـ”مراسلون” إن هناك احتقاناً كبيراً بين الأعضاء وهناك محاولات لتهميش البعض على خلفيات مناطقية.
كما يتهم بعض الأعضاء بأنهم يسعون للتقسيم ولا تهمهم وحدة ليبيا، وبعضهم الآخر بأنهم عادوا للجلسات لاستلام مستحقاتهم المالية فقط، ولذلك حسب قوله بدأت تنتشر داخل الهيئة عبارة “نريد أي شيء نوقع عليه ونقدمه لليبيين”، وهو ما أشارت إليه أيضاً عضو الهيئة ابتسام بحيح وأكدت أنه توجه مستهجن بالنسبة لها ولمجموعتها.
تجميد الكتابة
بناء على ذلك فممثل الجنوب يملك طرحاً أبعد من كل ما سبق حيث يرى أن من الضروري تجميد موضوع كتابة الدستور إلى حين توفر المناخ المناسب قائلاً “دخان الحرب والسلاح يلوث الأجواء وبالتالي لا نستطيع الرؤية بوضوح، علينا أولاً تنظيف المكان (ليبيا) ومن ثمة كتابة دستورنا”.
ويتسائل لاغا “هل يوجد في العالم دولة صنعت دستوراً دائماً في مثل هذه الظروف؟، هل كتبت دولة دستورها في ظل وجود إرهاب يكفر أعضاء هيئة الدستور؟، ثم هل لو أتممنا كتابة الدستور تحت الضغط والترهيب سينال عملنا رضى الشعب؟، فماذا تريد منا بعثة الأمم المتحدة في ليبيا؟”.
ضغط البعثة
تلميح لاغا للضغط الذي تمارسه بعثة الأمم المتحدة تجيب عليه مقرر لجنة العمل في الهيئة نادية عمران، بأن تدخل الأمم المتحدة جاء بناءً على طلب بعض الأعضاء، وذلك بعد صدور بيان رفض المسودة التي أعلن عنها الترهوني في تونس.
وهؤلاء الأعضاء الذي تحدثت عنهم عمران قصدوا السفير البريطاني أولاً وطلبوا منه الضغط على رئيس الهيئة لسحب المسودة، والتقوا بمبعوث الأمم المتحدة مارتن كوبلر وطلبوا منه نفس الطلب وأبلغوه بأنهم لن يذهبوا إلى البيضاء في حال لم تسحب المسودة.
ولهذا السبب تقول عمران فكر كوبلر والترهوني في جمع الأعضاء في مكان محايد لمناقشة موضوع المسودة، ورحبت سلطنة عًمان باستضافة الاجتماعات، إلا أن الرافضين قاطعوا كذلك الاجتماعات في عُمان خوفاً من المغالبة، وكل ذلك أعلنه كوبلر في اجتماع الهيئة في مدينة صلالة بسلطنة عُمان، حسب عمران.
مقترح تجميد العمل في الهيئة يرفضه عدد كبير من الأعضاء، بينهم نادية عمران واعتماد المسلاتي ممن تحدث إليهم “مراسلون” بالخصوص، حيث تقول المسلاتي “تجميد عمل الهيئة لن يكون من ورائه أي فائدة، فالهيئة كانت تعمل وتتخذ القرارات رغم الوضع الأمني والظروف التي تمر بها البلاد”.
الخوف من تجميد عمل الهيئة في هذا الوقت الحرج الذي تعلو فيه المطالبات بالانفصال في شرق البلاد، نابع مما يمكن أن ينتج عن هذا القرار من نتائج وصفت بالكارثية على وحدة ليبيا.
بينما تتصاعد التحذيرات من سياسة فرض الأمر الواقع التي قد تتبعها القوى الدولية وبعثة الأمم المتحدة مع مسودة الدستور لحل الإشكال ظاهرياً، على غرار ما اتبعته مع الاتفاق السياسي وحكومة الوفاق الوطني.