الآن في مصر يمنع النشطاء الحقوقيين من السفر، وتجري تحقيقات في النيابة حول تهمة تلقى تمويلات من الخارج، ويجري إغلاق مراكز حقوقية بذرائع مختلفة، وتضيّق وزارة التضامن الاجتماعي وغيرها من الجهات الرسمية على الجمعيات وتمنعها من تلقي الدعم المالي أو ممارسة نشاطاتها. هذا بعض مما تواجهه منظمات المجتمع المدني في مصر خلال الفترة الماضية.
الآن في مصر يمنع النشطاء الحقوقيين من السفر، وتجري تحقيقات في النيابة حول تهمة تلقى تمويلات من الخارج، ويجري إغلاق مراكز حقوقية بذرائع مختلفة، وتضيّق وزارة التضامن الاجتماعي وغيرها من الجهات الرسمية على الجمعيات وتمنعها من تلقي الدعم المالي أو ممارسة نشاطاتها. هذا بعض مما تواجهه منظمات المجتمع المدني في مصر خلال الفترة الماضية.
“مراسلون” التقى جمال عيد الذي يعد من أبرز الحقوقين في مصر ومؤسس “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الأنسان” منذ 2004، والذي تم منعه من السفر والتحفظ على أمواله مؤخرا فيما يعرف حاليا باسم “قضية التمويل إلاجنبي”.
سألناه عن وضع حقوق الأنسان في مصر الآن، وتأثير ذلك على العاملين في المجال من ناحية، وعلى صورة مصر الدولية من ناحية أخرى.. وإلى نص الحوار.
بداية كيف ترى حالة حقوق الإنسان في مصر خلال الفترة الراهنة؟
حالة حقوق الإنسان في مصر الأن هي الأسوأ على مدار العصور الماضية، حيث التعذيب الممنهج، وإلاحتفاء القسري، والمحاكمات العسكرية، أو حتى المدنية غير العادلة، والغياب التام للحريات والحقوق إلاقتصادية وإلاجتماعية، بل واعتراف الدولة بذلك –فيما يخص بعض تجاوزات رجال الأمن- والتعلل بأنها مجرد حالات فردية، وهو عكس ما كان يحدث أيام مبارك وحبيب العادلي (وزير داخلية مبارك الأخير) حيث الإنكار التام لأي جرائم أو انتهاكات، أو بمعنى آخر كانت الدولة ساعتها تجيد ترتيب أوراقها.
-
وماذا عن حركة حقوق الإنسان منذ يناير 2011 وحتى الآن؟
حركة حقوق الإنسان منذ ثورة يناير، وحتى الآن بالرغم من تزايد الانتهاكات وتردي الوضع، إلا أنها في أفضل حالاتها، لاسيما وأنه من قبل ثورة يناير ومنظمات المجتمع المدني عملت جنبا إلى مع حركات التغيير مثل “كفاية” و”صحفيين من أجل التغيير” وغيرهم، فاتسعت رقعة المدافعين عن حقوق الإنسان، والكاشفين للانتهاكات، فاصبح قمع حركة حقوق الإنسان من أصعب ما يمكن على الأنظمة التي مرت على مصر منذ يناير 2011 وحتى الأن.
-
كيف اتسعت رقعة المدافعين عن حقوق الأنسان في ظل ملاحقة الدولة للمجتمع المدني والحركة السياسية عامة؟
بعد الثورة مباشرة وتولي المجلس العسكري -الذي كان امتدادا لحكم مبارك- حاول المجلس قمع منظمات المجتمع المدني، لكن كان هناك الشباب الذين رفضوا أي انتهاكات، واستطاعوا من خلال مواقع التواصل إلاجتماعي أن يشكلوا جماعات ضغط حقيقية على النظام، فاتجه المجلس العسكري إلى السماح بوجود عدد من المنظات تقدر بـ50 منظمة يوجد من بينهم 15-20 منظمة جادة فقط، وهو ذات الأمر الذي تم إعادته الفترة الراهنة، فتم تأسيس 150 منظمة، منهم 12 فقط هم من يعملون بجدية، ويفضحون الانتهاكات. لاسيما وأن عدد من المنظمات التي كانت جادة أيام مبارك والمجلس العسكري والإخوان انحازت للدولة بعد 30يونيو.
لكن البعض يعزي تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر إلى مكافحة الإرهاب والصراع بين السلطة والتيارات إلاسلامية؟
الإرهاب والتطرف الديني منتشر في كل العالم، ولكن الفرق يكمن في استخدام الطريقة المناسبة لمكافحة الإرهاب، وهل الدولة تستخدم العصا الأمنية الغليظة فقط كما يحدث في مصر، أم أن هناك منظومة متكاملة من التشريعات والقوانين لمكافحة الفساد، وإقامة العدل، وتحقيق العدالة إلاجتماعية، مثل العديد من الدول الأخرى، من بينها بلجيكا التي ألقت القبض على ثلاثة بعد التفجيرات ثم افرجت عن واحد من بينهم، وفرنسا التي ألقت القبض على اثنين ثم تراجعت عن قرار سحب الجنسية من المتورطين في العمليات إلارهابية، بعكس ما يحدث في مصر والذي أنتج مع الوقت تناقص شعبية النظام الراهن، وانهيار الحريات، وغياب المعلومات، وسيادة حالة من القمع البوليسي وهي بيئة خصبة لإنتاج مزيد من إلارهاب وليس مكافحته.
-
لماذا لم تتقدموا ببدائل واقتراحات لمنهجية جديدة في محاربة الإرهاب؟
أدراج مكاتب قصر “إلاتحادية” الرئاسي، ووزارة الداخلية، مليئة بمبادرات المجتمع المدني، باقتراحات بقوانين وتشريعات منذ 2011 و2012 تم الأخذ ببعضها وقت الثورة، ولكن عندما حكمت الثورة المضادة تم تجاهل كافة الاقتراحات، واتبعت الدولة الاسلوب الأمني. بل واتجهت للانتقام من ثورة يناير، فما كان أمامنا سوى اتباع أسلوب الفضح.
-
ما تعليقك على الرد الدائم من وزارة الداخلية بان التعذيب “حالات فردية”؟
كلام مرسل، لأنه في الحقيقة ملاحقة جلادي التعذيب ومحاكمتهم هي التي يمكن وصفها بالحإلات الفردية، حيث تحول التعذيب إلى فعل ممنهج، نتيجة لاستمرار وزارة داخلية حبيب العادلي، ورفض القائمين على الحكم الاستماع لأي مبادرات تم تقديمها لإصلاح وزارة الداخلية والمنظومة الأمنية في مصر.
البعض يوجه اتهامات للمنظمات الحقوقية بانها تنتمي للإخوان المسلمين، بالرغم من تردي أوضاع حقوق الإنسان في عهدهم فكيف ترى ذلك؟
المدافع الحقوقي، يدافع عن الضحية التي تتعرض للانتهاكات بغض النظر عن خلفية هذه الضحية، وأريد أن أذكر أنه عندما كان مبارك في القفص، وكان البعض يطالب بالتنكيل به، طالبنا بمحاكمته محاكمة عادلة، بل وتحسين أوضاع المساجين الأخرين، وهو ذات الأمر الذي يتكرر مع معتقلي التيارات الإسلامية، بل ومع الموالين للسلطة أمثال الأعلاميين أحمد موسى، وتوفيق عكاشة.
-
لديك خلفيه سياسية يسارية.. ألم يؤثر ذلك عليك أثناء الدفاع عن التيارات إلاسلامية؟
بالعكس تماما، فأنا فخور بخلفيتي السياسية اليسارية، لأنها ساعدتني على التمسك بحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية والجنائية، بل وكانت هي البوصلة والدافع الذي حركني ضد الظلم بغض النظر عن من وقع عليه الانتهاك وانتمائه السياسي.
توجه العديد من الاتهامات لمنظمات المجتمع المدني بتلقي تمويل مثل القضية الحالية التي حظر فيها النشر منذ أيام فكيف ترى التمويل؟
اتهامات التمويل تأتي في ظل توجه الدولة وأسلوبها الرخيص في مهاجمة منظمات المجتمع المدني، وأرى ان التمويل في حد ذاته ليس هدفا، لاسيما وأن الدولة نفسها تتلقى تمويلا، وهناك المنظمات الموالية لها أيضا والتي تتلقى تمويلات لا حصر لها، ومن ثم فان الأزمة ليست في التمويل بقدر رغبة الدولة في إغلاق المجال العام، وإسكات المنتقدين.
ولو كانت الازمة في التمويل كان يمكنني الاكتفاء بجائزتي الخاصة التي حصلت عليها (حصل جمال عيد على جائزة المدافع عن الكرامة الإنسانية التي تمنحها مؤسسة رولاند بيرجر الألمانية، لعام 2011، حيث سلمها له الرئيس الألماني كريستيان فولف ورئيس المؤسسة رولاند بيرجر) والتي خصصتها لانشاء مكتبات في المناطق الشعبية، تم تأسيس 5 منهم ونعمل الأن على السادسة، وكان يمكنني البقاء في أمريكا والحصول على راتب يكفيني ويوفر لي حياة كريمة. لكن الأزمة في رغبة الدولة في أن تكون منظمات المجتمع مجرد مكاتب للأجهزة الأمنية. وأتذكر جيدا قبل سفر السيسي لألمانيا أرسلت الدولة المنظمات المتواطئة لتحسين صورة الدولة وإظهار حالة حقوق الإنسان في أفضل صورها، في الوقت الذي يتم فيه منع المدافعين عن حقوق الإنسان من السفر.
-
وماذا عن أجندات جهات التمويل الأجنبية؟
سبق وأن تقدمنا باقتراح للجمعيات الأهلية أكدنا فيه أننا لا نرغب في تلقي تمويلات أجنبية، وأننا نرغب في العمل التطوعي، وأن تسمح الدولة بالتمويل المحلي، وتكف عن ملاحقة رجال الأعمال الذين يرغبون في تمويل المجتمع المدني، وأن يكون تلقي التمويلات معلن الجهة والإنفاق، وإذا كان هناك تشكك أو رفض يكون الأمر تحت إشراف القضاء، إلا أنه تم رفض تلك الاقتراحات لتظل تهمة التمويل تلاحق أي مدافع حقوقي جاد، بإلاضافة إلى أننا لا نتلقى تمويلات من حكومات، ونعتمد فقط على منظمات المجتمع المدني الدولية .
-
طالبت بأن يكون تلقي التمويلات تحت سمع وبصر الجميع فلماذا لم تسجل “الشبكة” كجمعية اهلية أسوة بالعديد من المنظمات الأخرى؟
تأسسنا ايام مبارك، وتقدمنا مرتين لوزارة التضامن إلاجتماعي لتأسيس جمعية أهلية، إلا أن طلبنا قوبل بالرفض، فاضطررنا لتأسيس شركة محاماة.
-
ولماذا منعت من السفر للخارج ؟
لم أعرف بأسباب منعي من السفر إلا من الجرائد، حيث علمت أن هناك قرار بالتحفظ على اموالي، وعندما بحثنا خلف الأمر وجدنا أنه لا تفسير للأمر سوى كونه إجراء عقابي بسبب المواقف السياسية والحقوقية التي اتخذها، حيث أنه للأسف اعتمد قاضي التحقيق على كلام مرسل من ضابط بالأمن الوطني، وعندما توجهوا للبنك للسؤال عن ما إذا كنت اتلقى تمويل على حسابي الشخصي أكد لهم عدم صحة ذلك الحديث على وجه إلاطلاق. مما يؤكد أنه لا توجد أي حجة قانونية، وهي فقط رغبة في التنكيل بالمدافعين عن حقوق الإنسان.
-
هل تتوقع أن يكون تردي أوضاع حقوق الإنسان كما ترى سببا في التغيير السياسي في الفترة المقبلة كما حدث في عهد مبارك؟
في الحقيقة نحن نعاني من تلك الحالة، ولكن النظام أزمته أكبر بكثير ، حيث أنه فقد التأييد الشعبي، وفشل في إيجاد حلول اقتصادية حقيقية، وسمعته في الخارج سيئة للغاية نتيجة لممارساته وليس لأي أسباب اخرى، ومن ثم فهو مرتبك، وفي ظل تلك الحالة لا يمكن التنبوء بما سيحدث في المقبل.