لا يدع الرئيس عبدالفتاح السيسي مناسبة دون أن يطالب المواطنين بالتقشف، وتحمل الأعباء، نظرا للحالة الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد.

ومع ذلك فقد تم بناء تسعة سجون جديدة في مصر منذ 2013، ذلك بخلاف مقرات الاحتجاز الكائنة داخل أقسام ومراكز الشرطة بكل محافظة والتي تصل إلى 382 مقراً، والتي أعيد تجديد عدد كبير منها بعد تدميره في الأيام الأولى للثورة في 2011.

دعوات متكررة لشد الحزام

لا يدع الرئيس عبدالفتاح السيسي مناسبة دون أن يطالب المواطنين بالتقشف، وتحمل الأعباء، نظرا للحالة الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد.

ومع ذلك فقد تم بناء تسعة سجون جديدة في مصر منذ 2013، ذلك بخلاف مقرات الاحتجاز الكائنة داخل أقسام ومراكز الشرطة بكل محافظة والتي تصل إلى 382 مقراً، والتي أعيد تجديد عدد كبير منها بعد تدميره في الأيام الأولى للثورة في 2011.

دعوات متكررة لشد الحزام

كانت آخر دعوات الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال افتتاح عدد من المشاريع بمدينة 6 أكتوبر، قائلاً: “لا توجد فرصة حقيقية لكي نشرح للمواطن بالأرقام ما يدور حتى يشعر بالتحسن”، مطالباً المسؤولين بأن يوضحوا للمواطن التكلفة الحقيقية للخدمة والسعر الذي يقدم في مقابلها.

وأكد السيسي أن تكلفة وصول مياه الشرب للمواطن تصل إلى 40 مليون جنيه يوميًا. وأضاف أن التكلفة التي تتحملها الدولة نظير وصول المياه للمواطن تبلغ 160 قرشًا، مشيرًا إلى أن المواطن يتحمل 23 قرشا فقط من تكلفة وصول لـتر المياة له، خاتمالً حديثه بالقول إن الدولة لن تستطيع  الاستمرار في تقديم الخدمة بهذه الطريقة.

حديث التقشف هذا لم يكن منسجماً يومذاك مع مشهد السجادة الحمراء التي تمتد لكيلومترات، والتي مر عليها موكبه. وبحسب صحيفة ديلى ميل البريطانية فإن ثمنها يصل إلى 143 الف استرليني أي أكثر من مليون ونصف المليون جنيه.

تسلسل زمني لسجون ما بعد 30 يونيو

في أغسطس لعام 2013، بدأت السلطات في بناء “ليمان جمصة شديد الحراسة”.يقع هذا السجن الذي أنشىء على مساحة 42 ألف متر مربع بجوار مدخل مدينة جمصة بمحافظة الدقهلية، وتكلف إنشاؤه نحو 750 مليون جنيه، أي ما يقرب من 100 مليون دولار، حسبما صرحت وزارة الداخلية وقت ذلك.

وشهد أواخر سبتمبر من نفس العام إقرار مجلس الوزراء برئاسة رئيسه الأسبق حازم الببلاوي مشروع قرار رئيس الجمهورية بتعديل بعض أحكام القرار الجمهوري رقم 165 لسنة 2007 بشأن إخلاء بعض أراضي السجون وإنشاء سجون بديلة. ونص هذا التعديل على: “يختص صندوق مشروع أراضي وزارة الداخلية باستغلال أراضي السجون التى يتم إخلاؤها والمبينة في المادة الأولى من ذلك القرار في تجهيز سجون أخرى بديلة أو في الأغراض التي أنشئ من أجلها الصندوق”.

وفي نهاية عام 2014 أصدر مجلس الوزراء قراراً جديداً ببناء سجن آخر في مدينة القاهرة، ويُبنى على مساحة 12 ألف متر في منطقة السلام بالقاهرة، وأٌطلق عليه اسم “سجن النهضة” ومتكون من طابقين.

وفي العام نفسه، أصدرت وزارة الداخلية قرارًا في 16 مارس، حمل رقم 84، وذلك لإنشاء سجنين في محافظة المنيا، الأول “ليمان المنيا”، وتقرر إيداع السجناء المحكوم عليهم بالسجن المؤبد والمشدد فيهما، أما الثاني فهو “سجن شديد الحراسة بالمنيا”، وعبارة عن سجن عمومي، ويتبع كلا السجنين دائرة مديرية أمن المنيا.

ورغم عجز الموازنة الذي وصل إلى 684  مليار جنيه، شهد عام 2015 فقط، بناء خمسة سجون جديدة شيدتها وزارة الداخلية المصرية بتكلفة 1.2 مليار جنيه لتضاف تلك السجون إلى قائمة تضم 42 سجنًا موزعة على 25 منطقة. عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والسياسية والقانونية، قال لمراسلون تعليقا على ذلك:” الخطة التي تقدمت بها وزارة الداخلية إلى  وزارة المالية لإنشاء 5 سجون جديدة  تعني أن تكلفة إنشاء سجون جديدة تأتي على حساب أوجه التنمية”.

وفي مطلع العام نفسه افتتح وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم “سجن الجيزة المركزي”، حيث بُني السجن في مدينة السادس من أكتوبر على طريق مصر إسكندرية الصحراوي، وبدأ استقبال السجناء بدايةً من يناير لنفس العام، وجاء في تصريحات على لسان مدير أمن الجيزة خلال تلك الفترة، اللواء، كمال الدالي، أن: “السجن أُنشأ بسبب الضرورة الملحة لاستيعاب السجناء بأقسام الشرطة بمراكز محافظة الجيزة بعد زيادة أعدادهم مؤخرًا”.

ثم أعلنت الوزارة نفسها في بداية يونيو عن افتتاح “سجن مركزي جديد على طريق الأوتوستراد بمدينة 15 مايو” يكون تابعًا لقطاع أمن القاهرة، وأوضحت أن السجن يتسع لنحو 4 آلاف سجينًا، ويضم نحو 8 عنابر ويتسع كل عنبر لنحو 40 سجين، وبُني على مساحة 105 ألف متر مربع في أقل من عام، وبدأت السلطات المصرية في بناؤه منذ أكتوبر لعام 2014، وتم افتتاحه في يونيو من العام 2015.

أسندت وزارة الداخلية مهمة بناء هذا السجن إلى شركة المقاولين العرب المصرية والتي كان يترأس مجلس إدارتها رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب قبل توليه منصب رئاسة الحكومة، وأعلنت مسبقًا الوزارة أن هذا السجن كلف الدولة نحو 160 مليون جنيه في بنائه (17 مليون دولا تقريبا).

وأعلن محافظ الشرقية سعيد عبدالعزيز في 27 نوفمبر لعام 2015 عن تخصيص قطعة أرض بمدينة الصالحية تقع وسط الحيز العمراني وتبلغ مساحتها 10 أفدنة، وذلك لبناء “سجن عمومي جديد”، بعد طلب الأجهزة الأمنية لذلك.

أما “سجن دمياط المركزي” فقد وافق المجلس التنفيذي لمحافظة دمياط  بتاريخ 6 ديسمبر لنفس العام  على زيادة مساحة الأرض المخصصة لإنشائه بمنطقة شطا من 19800  إلى 22217.39 مترًا مربعًا.

وفي 9 ديسمبر لعام 2015 وافق مجلس الوزراء على مشروع  مقدم من رئيس الجمهورية بتخصيص قطعة أرض مملوكة للدولة على طريق “القاهرة أسيوط” الغربي – محافظة الجيزة وتبلغ مساحتها 103 فدانًا لوزارة الداخلية، سيبنى عليها “سجن مركزي وملحقاته بالإضافة إلى معسكر لإدارة قوات أمن الجيزة، وكذلك مركز تدريب، وقسم لإدارة مرور الجيزة”. وذلك بحسب تقرير للائتلاف العالمي للحريات والحقوق عن زيادة عدد السجون في مصر.

انتقادات حقوقية

أثارت القرارات الخاصة بإنشاء سجون جديدة موجة من الغضب لدى حقوقيين اعتبروا أن الرسالة مفادها إضافة مزيد من المعتقلين، وأكدوا أن حالة السجون الحالية سيئة للغاية وغير آدمية.

ولفتت “المبادرة الشخصية لحقوق الانسان” إلى أن الموقع الإلكتروني لقطاع مصلحة السجون “لم يعرض عدد السجون الحقيقية على أرض الواقع، موضحة أن بعض المعتقلات يعتبر مجمعا ويحتوي أكثر من سجن”.

أما سوزان فياض، الحقوقية بمركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا التعذيب، فقد اعتبرت أن الرسالة من إنشاء سجون جديدة هي المزيد من المعتقلين، والإجراءات القمعية في نفس الظروف التي يعاني منها المسجونين حاليا، في ظل محاكمات غيرعادلة، ومعاملة غير آدمية.

وأضافت في حديثها لـ”مراسلون” أن الترحيب بسجون جديدة كان ممكنًا في بلد ديمقراطي، تُجرى فيها محاكمات عادلة منذ لحظة القبض على المتهم دون تعذيب حتى الموت، ودون أن يكون للقاضي انحيازات سياسية وطبقية”.

ولفتت سوزان إلى أنه في ظل استمرار السياسات الحالية والإسراف في الحبس الاحتياطي وعدم تطبيق العدالة، فإن السجون الجديدة ستمتلئ، مضيفة: “تكلفة القمع باهظة، وبناء سجون جديدة يزيد من الأعباء الاقتصادية على الدولة، في حين أن تكلفة العدالة أقل بكثير”.

“مصر في حاجة للعدالة وليس انشاء لبناء سجون جديدة” هكذا قال رضا مرعي،  المحامي والباحث القانوني في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، متسائلاً: “أليس من الأولى التخفيف من الحبس الاحتياطي والاعتقالات بدلا من إنشاء سجون جديدة؟!”

 مضيفاً أن الرسالة واضحة من السلطة بأنها لن تُفرج عن المعتقلين والمحبوسين احتياطيا، لكنها ستحاول أن تخفف زحام الزنازين بسجون جديدة، وأكد على أن  بناء سجون جديدة لن تحل مشكلة التكدس دون اعتماد سياسات أخرى بديلة كمراجعة القضايا، والتوقف عن الملاحقات السياسية.

ومن ناحيته انتقد جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، سعي الدولة لبناء سجون جديدة. وأضاف: “كنت أود أن تذهب نصف الميزانية التي خصصت لبناء سجون جديدة إلى إصلاح وتحسين أوضاع أماكن الاحتجاز داخل أقسام الشرطة، مؤكداً على أنها “غير آدمية”.

وأشار تقرير صادر من المجلس القومي لحقوق الانسان يوم ٣١ مايو 2015، إلى أن مراكز الاحتجاز تعاني من “تكدسات مخيفة من المتهمين”، تتجاوز نسبتها في السجون الـ ١٦٠% بينما تبلغ نسبة التكدس في أقسام الشرطة حوالي ٣٠٠% وفقاً للتقرير.

الداخلية: السجون الجديدة لحل مشكلة التكدس

رفض اللواء أبو بكر عبد الكريم، مساعدً وزير الداخلية، و مدير قطاع العلاقات العامة والإعلام بالوزارة، الاتهامات التي وجهت للوزارة على خلفية إنشاء سجون جديدة قائلاً: “الأمن يقوم بدوره فى حماية الوطن وليس هناك موجة اعتقالات قمعية كما يروج البعض مما لا يريدون خيراً بمصر، بحسب وصفه”.

وأضاف: إنشاء السجون الهدف منه تخفيف العبء على السجون المركزية التي تكدست بالعديد من المحبوسين خلال الفترة الأخيرة، مما أدى الى زيادة معدل الأمراض داخل الأقسام والسجون”.

مشيراً إلى رغبة الوزارة في إنشاء سجون لائقة وآدمية للمحبوسين والمتهمين احتياطياً وذلك بعد تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي وصف السجون في مصر بأنها غير لائقة آدمية، مؤكداً أن الوزارة تتقبل الانتقادات التي توجه إليها بصدر رحب وتحاول حلها.

وأرجع تضاعف عدد المحتجزين في الأقسام والسجون إلى ضبط عدد كبير من أعضاء الخلايا النوعية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين.