كوّن كتلته الطينية بين يديه، واضعا على رأسه مصباح كهربائيا، و في فمه حذاءً، وغرس السكين في رقبته، وحوطه بسلسلة حديدية، ليتجسد التمثال أمامه، مترجما ما بداخله. “اللمبة لأنه مفكر، الحذاء في فمه لأنه ميقدرش يعترض، السكين لأنه ميت نفسيا، والجنزير هي قيود الظلم و الإستبداد”، هكذا شرح ناصر الشربيني ما يعبر عنه أخر أعماله.

كوّن كتلته الطينية بين يديه، واضعا على رأسه مصباح كهربائيا، و في فمه حذاءً، وغرس السكين في رقبته، وحوطه بسلسلة حديدية، ليتجسد التمثال أمامه، مترجما ما بداخله. “اللمبة لأنه مفكر، الحذاء في فمه لأنه ميقدرش يعترض، السكين لأنه ميت نفسيا، والجنزير هي قيود الظلم و الإستبداد”، هكذا شرح ناصر الشربيني ما يعبر عنه أخر أعماله.

ناصر ليس نحاتا في الأساس، ولكنه يمتلك متجرا لأحذية الأطفال بمنطقة الإبراهيمية بالاسكندرية، ويعتبر المكان ساحة عرض أعماله، إذ يحوي منحوتاته التي يحب وصفها بـ”الناطقة”، لأنها تعبر عن واقع يعيشه، ويصيغه بطريقته الخاصة، والتي قد تأخذ إعداد طويل وتنفيذ سريع، كما يضم محله أيضا عددا من الحيوانات التي يهوى ترويضها.

تخرج ناصر من الأكاديمية البحرية – واحدة من أقدم الكليات الخاصة بالأسكندرية- ولم يعاني من أزمات مادية أو إجتماعية على  حد قوله، وعشق النحت منذ ما يقرب من عشرين عاما، فبدأ بنحت الحيوانات،  بعد ذلك اتجه إلى النحت التعبيري.

يقول ناصر: “دربت نفسي أن أكون إنسان بيحس بآلام الآخرين”. بدأ هذا التدريب بعد زيارة لأحد معارفه في إحدى المستشفيات الحكومية، تلك الزيارة التي يصفها بأنها كانت نقطة تحول في حياته.”شفت واحدة فقيرة بتشحت عشان تغسل كلى، وعشان تمن أكياس الدم، ومالهاش مكان في العناية المركزة”

بدأت آثار التحول مع ناصر برسم الكاريكاتير، ثم نحت تماثيل تعبر عن الفساد والظلم فترة مبارك، مرورا بفترة ما بعد الثورة، وما صاحبها من تغيرات سياسية عربية و دولية.

يحاول ناصر جذب انتباه زبائنه، إلى عالمه الذي يحوي العديد من الرسائل يريدها أن تصل إلى عدد أكبر، فكل تمثال يحمل إسم و يعبر عن معنى. ولم يكتف بذلك بل جعل من صفحته على مواقع التواصل الإجتماعي منصة ينشر عبرها مجموعة من التصاميم المكتوبة تحمل رسائل يريد التعبير عنها. فهو يرى أن العالم يبحث عن ماهو استهلاكي “بينما الدماء تسيل أمامهم في بلد مثل سوريا ويشاهدون ذلك بدم بارد”.

ويتابع “التمثال بألف صورة”، يشير بإصبعه لأعلى إلى تمثال مقلوب لسيدة مصرية تطعم إبنها على الطبلية “هذا يعبر عن الفقر و الحال المقلوب، وهذا تمثال “منعم” الذي فقد عقله بسبب كثرة الظلم وأصبح يعزف على مكنسة بالحذاء، وهذا “عاشور القهوجي” المكافح، وسيدة تحمم طفلها معبرة عن العادات التقليدية، وفي الحائط الداخلي سجين يحمل وردة بفمه مابين القضبان”.

إحدى زبائن المتجر مع طفلها تتجول بين أركانه “أنا باجي عشان أشوف المنحوتات الجديدة وكمان أشتري لإبني جزمة بالمرة” يتدخل الطفل في الحديث “أنا بقى جيت عشان الحيوانات أحسن من جنينة الحيوانات اللي كلها معيز”.

يقول ناصر: “بسبب التماثيل دي اتعرضت لمشاكل  كتيرة على مدار السنوات السابقة تم تكسير أكثر من 12 تمثال، والقبض علي واحتجازي ما يقرب من 6 مرات، وتحذيري من عدم كتابة أو صناعة تماثيل أخرى”.

يدخل الشاب جاسر محمد الطالب وجار الشربيني، ويجلس بجانب ناصر مبتسما “حسيت إني مشدود لأفكاره من قبل ما اشوفه”. جاسر وجد في أفكارناصر قاسم مشترك جعلته يتعلم منه الكثير خاصة في عشقه للترويض  الحيوانات على حد تعبيره.

“لا أخاف طالما أعبر عن الحق و أتمنى أن يأتي يوم أحول هذا المكان إلى متحف يعبر عن همومنا و حالنا و اتمنى أن يلتفت لهذا الحلم المسؤولين”، كان هذا هو حلم الشربيني في ختام حديثه.